Tuesday 14th May,200210820العددالثلاثاء 2 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نظام الإجراءات الجزائية ... حماية لحقوق الإنسان ... ورقابة على الأداء نظام الإجراءات الجزائية ... حماية لحقوق الإنسان ... ورقابة على الأداء

يقاس تقدم الدول وتطورها بقدرتها على تنظيم وضبط إجراءاتها المنظمة لسلطاتها القائمة، لأن وجود الأنظمة يعني ضبط السلطة وعدم تجاوزها لحدودها الثابتة، وبنظرة موضوعية على واقع الحال في المملكة نجد أن الدولة ممثلة بأجهزتها القائمة تتجه وبصورة جادة نحو تنظيم الإجراءات القائمة من خلال تتابع صدور الأنظمة الإجرائية، وامتداداً لهذا التنظيم المستند على ما نص عليه النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412هـ، صدر قرار مجلس الوزراء رقم «200» وتاريخ 14/7/1422هـ بالموافقة على نظام الإجراءات الجزائية، وتمت المصادقة عليه بالمرسوم الملكي الكريم رقم «م/39» وتاريخ 28/7/1422هـ، وبدأ العمل به اعتباراً من 18/2/1423هـ.
وجاء هذا النظام كواحد من أهم القواعد المنظمة للإجراءات الجزائية، لأنه يحتوي على مجموعة الأسس التي تبين الوسائل والإجراءات التي تؤدي إلى الكشف عن الجريمة، وتعقب مرتكبها والتحقيق معه، ومحاكمته، وتنفيذ العقوبة عليه، كما يشمل أيضا القواعد الخاصة بالتحري، والتحقيق، والتفتيش، والادعاء، والاختصاص القضائي من حيث المكان والشخص والنوع، وسلطة العقاب، والاختصاص في التنفيذ، ومن هنا يعد هذا النظام مبيناً للجانب «الشكلي» أو «الإجرائي» الذي يوصّل إلى وضع الجانب «الموضوعي» للنظام الجنائي موضع التطبيق، بإنزال الحكم على الوقائع عن طريق أجهزة القضاء «إذ لا عقوبة بلا حكم قضائي» وهذا المبدأ هو ما تعنيه المادة «38» من النظام الأساسي للحكم التي نصت على: «أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نظامي»، فهو يرسم الطريق الذي يكفل للدولة حقها في عقاب المجرم من غير إخلال بالضمانات الجوهرية التي تمكن «البريء» من إثبات براءته، مع ضمان حصول المجني عليه على حقوقه، فهذا النظام لا غنى عنه لتطبيق الجانب الموضوعي للقواعد الجنائية، باعتباره يمثل الرابطة الضرورية بين الجريمة والجزاء، كما أن له أثراً منعياً من خلال ما يمثله من إنذار للمتهم في مرحلتي التحقيق والمحاكمة.
ومن يستعرض مواد هذا النظام يلاحظ أنه يختلف عن غيره من الأنظمة، ذلك أن الأنظمة عادة ما تصدر بمواد محدودة ويتبعها لوائح تنفيذية تفسر هذه المواد، وتبين أحكامها ومتعلقاتها، أما هذا النظام فقد جاء ب«225» مادة، كواحد من أكبر الأنظمة التي صدرت بالمملكة، وهذا يدل على أهميته وشموله، وقد جاءت مواده متناسقة،وبصورة مترابطة تجعل تفسيرها واضحاً.
إن هذا النظام يشكل منعطفاً مهماً في ضبط الإجراءات الجزائية، وقد تميز عن غيره من الأنظمة في مختلف دول العالم بخصوصية استقاها أصلا من قواعد الشريعة الإسلامية، ذلك أنه أكد على استقلالية القضاء بصورة مطلقة، وأبرز دور القضاء في الرقابة على الإجراءات، وجعل الأداء يسير بصورة منظمة لا لبس فيها من خلال وضوح القواعد وأسلوب الإجراءات، كما ظهر تميزه عن غيره من الأنظمة في بعض الدول بأنه يربط بين الدعوى في الحق العام والحق الخاص في الجرائم التي يتعلق بها حق خاص، كما تشير إلى ذلك المادة «17» ، وهذا مما تفرد به النظام، وكان الوضع قبل صدور هذا النظام يختلف عن ذلك حيث إن المجني عليه في السابق لا يستطيع سوى رفع الدعوى في الحق الخاص، أما في ظل النظام فإنه يخول المجني عليه أو ورثته الحق في رفع دعوى الحق العام في الجرائم التي يتعلق بها حق خاص.
كما انفرد هذا النظام بأنه لا يجيز رفع الدعوى الجزائية في الجرائم التي بها حق خاص إلا بناء على شكوى من المضرور من الجريمة، وإذا لم توجد شكوى فلهيئة التحقيق والإدعاء العام حق تقدير تحريك الدعوى في الحق العام بناء على المصلحة العامة، وهذا يعطي الهيئة حرية تقدير رفع الدعوى العامة في هذه القضايا.
ومن مميزات هذا النظام أنه حدد رجال الضبط الجنائي بأنهم الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام، وألزمهم بإبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام بالبلاغات والشكاوى التي ترد إليهم، وهذا فيه ضمانة لضبط الإجراء، كما أنه وضعهم تحت المساءلة التأديبية عند مخالفة واجباتهم.
كما تميز هذا النظام بأن أكد على إدارة السجن أو دار التوقيف بعدم إبقاء المتهم في التوقيف أو في السجن بعد المدة المحددة في أمر إيقافه، ولا يجوز لها قبول أي إنسان إلا بموجب أمر مسبب ومحدد المدة، وموقع عليه من السلطة المختصة المادة «36» ، وهذا فيه ضمانة لحقوق الإنسان، وعدم المساس بها إلا بموجب سند شرعي أو نظامي. ومن الجوانب التي انفرد بها هذا النظام أنه أناط بالمواطن دوراً مهماً في العملية الأمنية حيث يستطيع أي مواطن أن يقدم بلاغاً إلى هيئة التحقيق والادعاء العام عن وجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة، أو في مكان غير مخصص للسجن أو التوقيف لاتخاذ الإجراء النظامي حيال ذلك «المادة 39» وهذا فيه تأكيد على حرص الدولة ممثلة بأجهزتها القضائية والتنفيذية بأن يكون المواطن شريكاً في الرقابة على الأداء وفي المحافظة على الأمن، وأنه يستطيع أن يقدم خدمة في هذا الجانب. كذلك أقر هذا النظام حضور المحامي مع المتهم وعدم عزله عنه، وأعطى المتهم الحق بالاستعانة به في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، وهذا فيه ضمانة قوية لحق «المتهم» في الدفاع عن نفسه بما يتوافق مع القواعد الشرعية والنظامية التي تعتبر المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته.
ومما تميز به هذا النظام أيضا أنه اختصر خط السلطة من أجل سرعة إنهاء الإجراءات، حيث منح ذوي الاختصاص صلاحيات قوية تجعلهم قادرين على اتخاذ القرار المناسب وفقاً لمجريات القضية القائمة، وهذا فيه تبسيط للإجراء، بل يعد من عوامل نجاح الأداء وتطوره.
كما أكد هذا النظام على حق الإنسان في عدم تفتيش مسكنه أو الدخول إليه إلا بأمر مسبق من هيئة التحقيق والادعاء العام، واعتبر مبدأ الاستعانة بالوكيل أو المحامي من أهم حقوق المتهم، بل إن هذا النظام اعتبره أمراً لازماً على المحكمة في بعض الحالات كما تشير إلى ذلك المادة «149».
إن من يستعرض مواد هذا النظام يدرك قوته، ويلمس حرص الدولة على حماية حقوق الناس، ورعاية مصالحهم، والتأكيد على عدم المساس بأي من هذه الحقوق بسبب شرعي أو نظامي يسوغ ذلك، وقد جاء ذلك مشكّلاً نقلة نوعية ومتطورة جدا في أسلوب الإجراءات لم تكن بدايتها في هذا النظام فقط، وإنما جاءت بصورة متدرجة بدأت أولى لبناتها في إنشاء جهاز خاص بالتحقيق والادعاء العام سنة 1409هـ عندما تم التأكيد على أن قضايا التحقيق ورفع الادعاء بها قد أصبح على درجة كبيرة من التشعب والتعقيد، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة البت فيها، مما استوجب معه إنشاء سلطة مختصة بالتحقيق والادعاء، باعتبار ذلك تقليدا سارت عليه البلاد، وحققت في ضوئه نتائج ايجابية يمكن زيادة فعاليتها برفع المستوى العلمي للقائمين بالتحقيق والادعاء العام، وتنظيم الإجراءات الخاصة بذلك، ثم تبع ذلك صدور النظام الأساسي للحكم عام 1412هـ الذي أكد على حماية الحقوق وعدم المساس بها إلا بأمر مشروع، ثم صدر نظام المرافعات الشرعية عام 1421هـ ليرسم الطريق الواضح للإجراء أمام المحاكم وتنظيم رفع الدعوى، وتوج ذلك بصدور هذا النظام «الإجراءات الجزائية».
وعلينا أن ندرك أن جميع هذه الأنظمة إنما هي في أصلها مستقاة من أحكام الشريعة الإسلامية، وما تم نقله من تجارب الدول المتقدمة في مجال الإجراءات وتنظيمها إنما هو متكيف أصلا مع هذه القواعد، لأن هذه الدول لم تخترع قواعد لإجراءاتها لم تكن معروفة أصلا، أو لم يأت بها تشريع سابق، كلا !! وإنما عملت على تنظيمها بالصورة التي هي عليها الآن. ولا شك أن الإسلام نظم الحقوق ووضع القواعد اللازمة لحفظها وضمانها قبل أي تنظيم وضعي، وهذه الدول نجحت في الأخذ بها من خلال وضعها وصياغتها بأنظمة محددة فحققت هذا التقدم بتنظيم الإجراءات قبل غيرها، ومن يستعرض نظام الإجراءات الجزائية يجد أن معظم ما ورد فيه من حقوق وضمانات تطرق إليها فقهاء الشريعة قبل غيرهم بمئات السنين كما أن معظمها مطبق من الناحية العملية بموجب تعليمات سابقة متفرقة، وإنما توقف الأمر على تنظيمها بمواد مبوبة، وفصول مرتبة، فجاءت بهذه الصورة التي يحق لنا أن نفخر بها، ونجعلها في مقدمة الأسس التي نقيس بها تطورنا ونجاحنا وتقدمنا إلى الأفضل، وهذا هو الهدف الذي يجب أن نحافظ عليه، ونعمل على دعمه والوقوف إلى جانبه، في ظل نظرة شاملة تحكمها قواعد الشريعة السمحة. وبالله التوفيق ....

* أمين لجنة إدارة هيئة التحقيق والادعاء العام

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved