Tuesday 14th May,200210820العددالثلاثاء 2 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

لما هو آت لما هو آت
بدءاً من الأرض!!
خيرية إبراهيم السَّقاف

حين تُفجع الأم مهما كان للأم من سمات، وصفات، وألقاب فهي الأمُّ التي يفزُّ قلبها خافقاً بنبضه الذي يلهث وراء كبده الذي يمشي على الأرض، إن فرح، فرح له... وإن شقي شقي من أجله، إن غاب استحال النَّظر كلُّه إلى مدى لا حدود له، وتشنَّفت الأذن كي تلتقط وقع دعساته، واستيقظ الإحساس كلُّه من أجله...، وهو قد يكون نائماً لا يدري، أو لاهياً لا يفكر، أو مشغولاً لا يأتي به خاطر إلى حيث هذا التكتُّل الشعوري عند هذه الأمُّ التي لا همَّ لها إلاَّ وليدها، طفلاً، صبياً، شاباً وكهلاً...
عاطفة الأمومة لا تكلُّّ مع تقادم الزَّمن ولا تفتر...، إنَّّها اليقِظة المتوقِّّدة من: صرخة الميلاد إلى شهقة الموت...
« ياليتني بينك وبين المضرَّة... من غزَّة الشوكة إلى صرخة الموت».
هذه الأمُّ الفاقدة لولدها في ريعان صباه، ما أقصاها عن أمومتها لقبها، ولا اسمها...، بل جعلها في حضور الحسِّ «الكونُ» الفاعلُ فيها وهو «الأمومة»...
بلغتها القريبة، المعبِّرة...، الواصلة إلى تلافيف الأدمغة بمثل ما هي واصلة إلى شغاف القلوب، ومنافذ الحسِّ صرخت: ليتني بينك يا بني، أحميك من «وخز الشوك، ومن سكرة الموت» أيُّ أمل أشدُّّ طموحاً من أمل الأمِّ تتجاوز فيه ما يقع على ابنها! والأمهات كثيرات، وذوات صفات لا تقف عند البشرية..
ويسألون عن الإرث «الشعبي» أفيه مبلغٌ للتَّعبير، أو ميصالٌ للإبلاغ؟ ومن الذي لايهزُّه تعبيرٌ مثل هذا؟ وعفوية التَّعبير هي قمة دلالة المنطوق، المنصوص؟!...
هذه ليست دعوة «للعامي» بقدر ما هي إفساح للتَّعبير... فأييُّ إرث عاطفي يضاهي إرث الأمهات؟
لكنَّهم وهم يسألون عن هذا الإرث في عفويََّة التعبير كأنَّما هم يسألون عن نفود الرَّمال الخالية في صحراء لا حدود لها، فلا يكادون يجدون من يرتادها إلاَّ مغامراً هزَّته المجازفة؟ أو ضالاً سطا به الجهل...، والمتاهات هناك ليست أشدَّ غربةً من متاهة التعبير الذي يضلُّ الوصول إلى الإحساس...
فأيَّهما نفود الرمال في متاهاتها، ورمليتها، ومنزعها الالتهامي المدِّمر؟ على ما فيها من فسحات جاذبية الانفتاح والانبساط في طبيعةٍ جمالها أخَّاذٌ ؟ بينما واقعها لمن «يجهل ارتيادها» سمِّيُّ الزعاف يختبىء بين نابَيْ نعومةٍ وسطوةٍ كما جمال الرقطاء ناعمة الملمس مثيرة الخطوط والألوان؟
أم هي هرولة الانفساح التَّعبيري بسطوة العاطفة، بلغة العفوية تخرج بها لغة الأمِّ، لغة المحبِّ، لغة الفاقد، لغة الذي تزدحم جُوَّانيته بمشاعر وأحاسيس لا يليق به أن يلجمها كي يصيغ لغةَ نصٍ يكون وهو في انتظار استقباله قد تبدَّد ما في داخله، وتلاشى ما سيقول؟!
تُرى...
هل هذه، وتلك، وكلّْ أولئك المكلومين من غزَّة الرُّمح، وفتك البارود، وسطوة النيران، وفُجاءة الصاروخ، وعنوة الدبابات يمكنهم أن يصرخوا في وجه الفقد والفجيعة والجروح والكلوم: «ياليتني بينك وبين المضرَّة، من «.................» إلى «شهقة الموت» ولكم أن تحددوا البدء للمضرَّة، كي تُستنهض كلوم «الأمهات» بدءاً من الأرض الأمِّ وانتهاءً إلى الشَّجرة الأمِّ؟...

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved