Thursday 30th May,200210836العددالخميس 18 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

المحاضرات الجامعية .. هل يمكن تطويرها ؟ أم يجب استبدالها ؟ المحاضرات الجامعية .. هل يمكن تطويرها ؟ أم يجب استبدالها ؟

آداب جامعة الملك سعود قسم اللغة العربية
من القضايا الأساسية التي تشغل بال كثير من التربويين والمشتغلين في التعليم مسألة الطريقة التي يتم بها تدريس الطلاب أو بعبارة أخرى الطريقة التي يستخدمها الأستاذ لإيصال عناصر المنهج إلى عقول طلابه، والطريقة الرئيسية المتبعة في جامعاتنا وفي كثير من جامعات العالم هي طريقة المحاضرات التقليدية.
ورغم النقد الحاد الموجه لهذه الطريقة ورغم كذلك ظهور طرق أخرى يمكن استخدامها في التدريس الجامعي، لازال النظام التعليمي الجامعي لدينا قائماً أساساً على أسلوب المحاضرة التقليدية، ومن عيوب وسلبيات هذا الأسلوب ما يلي:
* لم يعد هذا الأسلوب اقتصادياً من ناحية الوقت، فقد ظهرت أساليب جديدة تتطلب وقتاً أقل سواء في الإعداد أو في التدريس.
* لم يعد فعالاً في إيصال المعلومات للطلاب، فقد ظهرت أساليب جديدة أكثر فاعلية.
* الفكرة التي تقول إن أسلوب المحاضرة يسمح للمحاضر بتغطية كل الموضوعات الأساسية في المنهج هي فكرة مغلوطة، فالموضوعات الأساسية يتم تغطيتها من قبل المحاضر ولا يعني أن الطلاب فهموا واستوعبوا ما ألقي عليهم، فالجزء الأكبر من التعليم في المرحلة الجامعية يتم خارج غرفة الدراسة.
* على الرغم من ان الطلاب قد ينظرون إلى المحاضرة نظرة إجلال وإكبار ويعتبرونها مثيرة لهم ومحفزة إلا أن كثيراً منهم يشتكي من ضعف بناء المحاضرة وكثرة ما فيها من معلومات وما تسببه من إرباك وملل، فقليل جداً من يستطيع تقديم محاضرة جيدة وفعالة.
إضافة إلى ذلك فقد أظهرت كثير من الدراسات أن ما يقوم به الطلاب أثناء المحاضرات لا يمت إلى التعلم الصحيح، والفعال بصلة، فغالبية الطلاب يقضون وقت المحاضرة بالنظر إلى النوافذ والأبواب أو بالنظر إلى بعضهم البعض أو بالتحديق في المحاضر أو السبورة أو بالنظر في الساعة بانتظار نهاية المحاضرة أو بقراءة كتب لا تمت إلى المادة بصلة أو بالرسم العابث أو بالتثاؤب أو بإظهار التململ أو بالاستغراق في أحلام اليقظة أو بالاستغراق في النوم وقد يقوم بعضهم بنسخ ما يكتبه المحاضر على السبورة أو ما يقوله.
ورغم كل هذه السلبيات فلاتزال المحاضرة عند كثير من الناس أكثر الطرق ملاءمة وفاعلية ولا سيما في الظروف الحالية التي تشهد فيها الجامعات زيادة كبيرة في عدد الطلاب مقابل نقص واضح في عدد الأساتذة، ولست أدعو هنا إلى إلغاء هذا الأسلوب من التعليم الجامعي ولكنني أدعو إلى تطويره لكي يتناسب مع العصر الذي نعيش فيه والذي أصبح فيه الطالب هو محور العملية التعليمية.
ولإعداد وتقديم محاضرة فعالة ومؤثرة يجب على المحاضر أن يأخذ بعين الاعتبار الخصائص التالية التي يشترك فيها كثير من الطلاب:
* على الرغم من أن غالبية الطلاب متهاونون ومهملون، إلا أن كثيراً منهم يرغب في أن يتعلم شيئاً جديداً.
* الطلاب لديهم مشاعر وأحاسيس تلعب دوراً كبيراً في تقبلهم للمحاضر والمادة.
* يتعلم الطلاب بطرق مختلفة.
* يتعلم الطلاب بشكل جيد من خلال التطبيقات.
* يتعلم الطلاب بشكل جيد عندما يكونون مسؤولين عن تعلمهم.
* يقوم الطلاب غالباً بحفظ المعلومات عن ظهر قلب دون فهمها وتمثلها.
* تركيز الطلاب أثناء المحاضرات محدود.
* الطلاب بحاجة إلى وقت لاستيعاب ومراجعة ما تعلموه.
* الطلاب بحاجة إلى تقويم مستمر لما تعلموه.
* الطلاب بحاجة إلى التشجيع والمؤازرة.
* يتوقع الطلاب أن الأستاذ لديه معرفة واسعة بالمادة التي يدرسها.
* يفهم الطلاب بشكل أفضل من خلال رؤية الصورة الكاملة للقضية المطروحة.
ورغم أن طلاب الجامعات يختلفون من حيث قدراتهم وإمكاناتهم وخلفياتهم، إلا أن إدراك هذه الخصائص العامة والتعامل معها بشكل مناسب يؤدي حتماً إلى تأدية محاضرة جيدة ومشوقة، ومما لا شك فيه أيضاً أن التعامل مع الخصائص السابقة يتطلب من الأستاذ مجهوداً أكبر في إعداد محاضرته وفي إلقائها. ونستطيع القول أن من العوامل المساعدة في التعامل الأمثل مع الخصائص السابقة يتم من خلال تحقيق الخاصيتين التاليتين:
* إثارة انتباه الطلاب وتشويقهم من خلال التجديد والتنويع في عرض المادة ومن خلال استخدام وسائل العرض المختلفة والبعد عن استخدام أسلوب واحد طوال العام مع الطلاب.
* تشجيع الطلاب على المشاركة أثناء المحاضرات وذلك من خلال طرح الأسئلة عليهم ومن خلال تشجيعهم على إلقاء الأسئلة وتشجيعهم على إبداء آرائهم في القضايا المطروحة وتعويدهم على المناقشة، والملاحظ أن كثيراً من المحاضرين لا يخصص وقتاً للإجابة على أسئلة الطلاب وبعض المحاضرين يخصص وقتاً قصيراً، لذا قد تنتهي المحاضرة وهو لم يجب على غالبية الأسئلة المطروحة، وهذا بالطبع يؤدي إلى قلة حماس الطلاب للمحاضرة والمحاضر، فكلما اهتم الأستاذ بأسئلة طلابه زاد حبهم واهتمامهم به وبالمادة، وقد يشتكي بعض المحاضرين من ضيق الوقت وأن الإجابة على كل أسئلة الطلاب ستؤدي إلى إضاعة الوقت ومن ثم لن يستطيع إكمال المقرر، وهذا كلام خطير ولا يمكن قبوله لأن الإجابة على أسئلة الطلاب والتفاعل مع استفساراتهم من أهم عناصر التدريس الفعال فكثرة أسئلة الطلاب دليل على اهتمام الطلاب بالمحاضرة وتفاعلهم مع المحاضر والمادة، وليس دليلاً على عدم فهم الطلاب للموضوع وسوء أداء المحاضر كما يعتقد كثير من الناس، وكل ذلك إذا استطاع المحاضر توظيفه بشكل علمي مناسب سيؤدي إلى العمق في معالجة المسائل العلمية بدلاً من السطحية في التعامل معها كما هو حاصل في كثير من المحاضرات.
إضافة إلى ذلك من الممكن كسر جمود المحاضرات الجامعية والتقليل من رتابتها وذلك بإدخال أساليب أخرى في التدريس يمكن تطبيقها إلى جانب المحاضرات، ومن أهم هذه الأساليب الحديثة المطبقة في الدول المتقدمة أسلوب الحلقات الدراسية، وفيها يتم تقسيم الطلاب إلى عدد من المجموعات الصغيرة، بحيث يتاح للطلاب دراسة ومناقشة إحدى المسائل التي ذكرها الأستاذ في إحدى المحاضرات، ومما لا شك فيه أن قلة عدد الطلاب في هذه الحلقات الدراسية سوف تعطي للطلاب فرصة لمناقشة أية مشكلات تواجههم في فهم بعض محتويات المنهج وفرصاً لإلقاء المزيد من الأسئلة، واستعداداً لهذه الحلقات من الممكن تكليف أحد الطلاب «أو مجموعة من الطلاب بالاشتراك» بتحضير جزء من المنهج وإلقائه أمام زملائه في المجموعة ومن ثم مناقشته، وهذا الأسلوب له فوائد كثيرة فهو يتيح لكل طالب سماع آراء زملائه في المجموعة، كما يدفع الطلاب إلى التفكير فيما يطرح بشكل أكثر عمقاً مما يحدث أثناء المحاضرات. ومن فوائده أيضاً تدريب الطلاب على تحمل المسؤولية وعلى مواجهة الحضور وعلى أساليب النقاش والإفهام والإقناع والتأثير ومهارات الإلقاء، وتدريبهم كذلك على أساليب التعلم الاستقلالي والتعاوني. إضافة إلى كل ما سبق فإن هذا النوع من التدريس يساعد في بناء علاقات قوية ومتينة بين الأستاذ والطلاب والطلاب أنفسهم.
وخلاصة القول هو أن أسلوب المحاضرات الجامعية التقليدي يمكن أن يحقق نتائج جيدة بشرط أن يتم تطويره بشكل يسمح بمشاركة أكبر من الطلاب في العملية التعليمية، ولن تكتمل الفائدة إلا إذا تم تنويع التدريس الجامعي بإدخال أساليب جديدة يكون الطالب فيها هو محور العملية التعليمية.

د. صالح بن ناصر الشويرخ

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved