أقدم شكري ابتداءً لجريدة الجزيرة التي أتاحت الفرصة لي لكي أعبر عن وجهة نظر ربما تبدو مختلفة عما نشر سابقاً كما ابارك للجزيرة ثوبها الجديد وارجو ان يكون متناسبا مع التميز الذي تسعى لتحقيقه.
هذا وقد تكرر الحديث هذه الايام في بعض الصحف المحلية عن امتحان مادة الرياضيات وتناولتها الاقلام بما يقترب من الاجماع في انها صعبة ومعقدة ومحبطة وان الاسئلة كانت غير مناسبة وصعبة وطلسمية وكان مثل ذلك حصل في اعوام سابقة ولا شك ان الامر يحتاج الى معالجة حيث انه في رأيي لم يناقش بنزاهة كافية ومنطقية علمية.
دعوني في بداية الموضوع أؤكد ان الرياضيات هي لغة العلم المعاصر وهي عموده الفقري، وبدون مبالغة فلولاها لكنا لم نبتعد كثيراً عن العصور الوسطى (أعني ما يتعلق بالتقنية) انها وراء كل ما ترونه من انجازات علمية باهرة، في الاتصالات والحاسب والالكترونيات والطب وسائر فروع التقنية وقد لا يهمني كثيراً ان اقوم باثبات صحة ما قلت فهي حقيقة لا ينكرها من لديه ادنى إلمام بجوهر هذا العلم الرائد، ويعرفها المتخصصون كما يعرفون أبناءهم.
وهذه قضية يجب ان تكون واضحة لدى الطالب والمعلم والموجه والمربي والابوين ويجب ان تكون واضحة لدى سائر الكتاب وحملة الاقلام.. يجب ان يقتنعوا بما ذكرت قناعة تامة لا غموض فيها كما في قناعتهم ان الدواء - وان كان مراً علقماً - فهو يظل العلاج الذي لا مناص من أخذه لقاصدي الشفاء. وعلى ضوء ذلك يدرك الجميع ان الاساءة لهذا العلم الفذ بصورة مباشرة أو غير مباشرة (من خلال الحديث المبالغ فيه عن الأسئلة) إنما هو اساءة لا يشبهها الا الحديث عن اللغة العربية، والظن انها وراء تخلفنا.. انه مرفوض عقلاً وعلماً ومنطقاً ونتيجة وهو يقض مضاجعنا ويزيد من عمق حزننا أننا نسير وراء الركب ولم ندرك بعد - حتى مجرد ادراك - الاسباب الحقيقية لتخلفنا.
ربما يقال ان الحديث كان عن الاسئلة وصعوبتها والامتحان ورهبته وليس عن الرياضيات كعلم. ولكن النتيجة هي في نهاية الامر التخويف الشديد من هذا العلم، واقناع الطالب الخائب بصورة غير مباشرة انه ليس بملوم وإنما العيب واللوم يقع على تلك المادة الجافة التي تسمى الرياضيات.
دعوني لا أنكر قلة بضاعة بعض المدرسين والتي هي ثمرة من حلقة مفرغة من النتاج العلمي المتدني فطالب فاشل توصله الظروف (الغلط) الى الجامعة يتخرج منها ايضا بصورة لا تؤهله حتى لمنصب السكرتارية، فإذا به يعود ليدرس الرياضيات فيتخرج على يديه من هو اقل منه وفاقد الشيء لا يعطيه، وتعود الحلقة المفرغة لتنتج جيلاً أقل مستوى وهكذا حتى صار الأمر إلى ماترون.
وإنني أريد الآن أن ألقي نظرة تحليلية في امتحان الثانوية العامة الأخير (بنين) وأخرج بعده معكم بتصور حول حقيقة دعوى بعض الطلاب وبعض المعلمين.
فيلاحظ أولا أن جميع الأسئلة تطبيقات مباشرة على نظريات وامثلة من الكتاب ، مثال ذلك السؤال الثاني، فقرة (ب) تطبيق مباشر على النظرية (6-6) من الكتاب. وحسب بعض الصحف فان هذه الفقرة تمثل خطأ فادحاً (ورد في تقرير لإحدى المدارس)، ولا أدري أي خطأ يقصدون؟ فليس هناك أية أخطاء سوى ان علامة الانتماء غير واضحة وهي معروفة بداهة حتى لو لم تكتب، اللهم الا ان (س.) وتقرأ (سين صفر أو سين نقطة) غيرت الى (أ) وهو تعويض طبيعي حيث ان الكمية ثابتة. ولا أظن ان واضعي السؤال يريدون من الطالب اشتقاق أو اثبات النظرية، بل يكفي الاشارة الى نص النظرية ثم التعويض في الكميات وهو يتم في سطرين فقط.
وثانيا: بشكل عام الاسئلة متدرجة حسب فصول الكتاب فالسؤال الاول على سبيل المثال على الباب الاول تماما والسؤال الأخير على الباب الاخير بصورة مباشرة.
وثالثا: ليست جميع الاسئلة صعبة فبعض الفقرات سهلة ويمكن حلها بمعلومات رياضية عامة للطالب مثل السؤال الرابع الفقرات (أ) و(ب).
ورابعاً: كانت الأسئلة شاملة لجميع أبواب الكتاب وموزعة بصورة عادلة بحيث يغطي السؤال الواحد معظم فقرات (فصول) الباب، مما يجعلني - بهذه المناسبة - اشكر جزيل الشكر القائمين على وضع الأسئلة فهي مناسبة وعادلة وشاملة.
وخامساً: لم تكن الاسئلة غامضة ولا طلسمية ولا خارج المنهج، ولا صعبة - بمقياس ما هو مطلوب في الكتاب المقرر ومشروح بالأمثلة - مع استثناء ان بعض الفقرات ربما تحتاج الى مستوى أعلى من المتوسط لحلها وهو أمر مطلوب حتى يتبين الطالب المتميز من غيره.
علماً انني لم أتمكن من الحصول على أسئلة الطالبات والتعليق السابق هو محصور بأسئلة الطلاب.
وعلى ذلك فلابد من توجيه العتاب لبعض الكتاب الذين يرددون شيئا أشك في أنهم يعونه فللقائل «ما ذنب الطلاب ان يستعرض عليهم الفاهمون في الرياضيات عضلاتهم .. فكيف بالطلاب أن يواجهوا أسئلة غامضة وغير مباشرة..» فأقول: من قال لك ان تلك الاسئلة غامضة؟ لعل مصادرك تعود للطلاب؟ هل هذا يعد مصدراً علمياً في نظرك؟ هل أنت متخصص؟ بأي مقياس علمي قلت انها (غامضة)؟ وما هو تعريف الغموض في تصورك.. إنني اعتقد يا أخي انك انت الذي تريد ان تعطل جيلاً (بل أمة) بأكلمها وليست وزارة المعارف. فإن الاعتراف بالخطأ وسوء الفهم (من قبل الطالب) أجدر به من تعليق لومه على المنهج أو المدرس لأن الاول يقوده للتصحيح في حين يقوده الثاني للقناعة بحسن فعله مع الابقاء على الخطأ.
فأناشدكم يا حملة الأقلام، ويا أصحاب التقارير والتحقيقات ان تساهموا في الحديث عن اهمية الرياضيات ودورها في التقنية والحضارة وان صعوبتها ناتجة من اهميتها، (فمن يتهيب صعود الجبال يعش أبداً بين الحفر) انها لا يمكن ان تسهل أكثر مما هي عليه الآن، وربما يجوز عرضها بصورة أفضل، والاجدر هو ان نحببها للأبناء والطلاب عن طريق بيان ان حياتهم كانت ستكون في الاكواخ والخيام لولاها، وأنهم لولاها لما تمكنوا من ركوب السيارة والطائرة ولا سعدوا بألعاب الحاسب الآلي الممتعة ولا عاشوا ثورة الاتصالات.. تماماً كما نقنع أبناءنا بجهد جهيد بتناول الدواء متفقين معهم على كونه مراً ورائحته كريهة ولكن مذكرين لهم بالصحة بعد ايام والتمكن من مزاولة الفرح والسرور واللعب بعد الشفاء، فنراهم يفتحون باب الثلاجة بأنفسهم ويتناولون الدواء بسعادة غامرة وسط تشجيع الأبوين ويدركون بعد ساعات فقط صدق ما قال الابوان عندما يعيشون لذة الصحة التي بدأت تنعش أجسامهم.
هذا وقد حصلت على نسخة من أسئلة الطالبات ولكن بعد الانتهاء من كتابة هذه الاسطر وكل ما أريد قوله هو تكرار ما سبق فإن المبالغة في هذه القضية - هي في تصوري غير محمودة - وربما يحسن الاشارة فقط الى مثال واحد وهو السؤال الثالث فقرة (ب) حيث إنه صحيح مائة بالمائة والمطلوب فيه صحيح ودقيق علمياً وليس كما ذكر من قبل البعض، وكذلك الفقرة (أ) من نفس السؤال هو تطبيق على الباب السادس وليس خارج المنهج ولذلك فهذه الاسئلة واقعية ايضا وليست خارجة عن نطاق الكتاب ولا خارج قدرات الطالبات.
وقبل الختام، اتمنى ان تتعدد اساليب الاسئلة في مادة الرياضيات وبقية المواد العلمية، لتشمل اساليب الاسئلة ذات الخيارات خاصة لانها اقل رهبة في نفوس الطلاب وان لا يتوقف الموضوع على الاسئلة الاستنباطية «التي تحتاج الى حل كامل»، كما اظن ان عدد الاسئلة وفقراتها كثيرة وربما ان نصف هذه الكمية من الاسئلة تكفي للكشف عن مستويات الطلاب ومدى تأهيلهم.
د. ناصر بن صالح الزايد جامعة الملك سعود http://www.albahith.net |