Wednesday 12th June,200210849العددالاربعاء 1 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

وقفات حول تعليم الإنجليزية في الابتدائية وقفات حول تعليم الإنجليزية في الابتدائية

قرأت في صحيفتنا الموقرة (الجزيرة) عدة كتابات حول عزم الوزارة تطبيق تدريس اللغة الانجليزية للصفوف الرابع والخامس والسادس ابتداءً بالصف الرابع العام الدراسي القادم 23/1424هـ وقد ظهر فريقان يتجاذبان الفكرة رفضاً وتأييداً، ولايزال الفريقان كذلك حتى بعد صدور تصريح الوزير بالعزم على التطبيق وحيث إننا لم نقرأ بعد التصريح ولا قبله أي دراسات معتمدة أو بحوث علمية موثّقة حول إيجابيات تدريس هذه اللغة في تلك المرحلة، إنما سبقت تصريح معالي الوزير مطالبات عبر الصحف أثمرت ذاك القرار الذي لم يُشرْ إلى الجهة أو اللجنة التي درست ذلك الأمر ورأت بمسوغاتٍ تربوية ضرورة فَرْضه على طلاب التعليم العام، لذا سأقف مع هذا الموضوع وقفات أرجو أن أَوفَّق فيها للصواب وبذل النصح وإسداء الرأي والله المستعان:
(1) في الوقت الذي كُنّا ننتظرُ فيه حلاً لمشكلة ضعف الطلاب في اللغة العربية إذا بنا نفاجأ بفرض اللغة الإنجليزية على طلاب المرحلة الابتدائية قال الأخ ناصر الحريص (أثبتت الدراسات أن الطفل الذي يعاني من ضعف في لغته الأم فالأولى والأوجب أن ينصبَ جام الاهتمام على العناية بها وإخراجها من مرحلة الضعف إلى مرحلة القوة لا أن يقرن أثناء تعلُّمه لها تعلُّم لغة أخرى فيعيش حينها في ازدواجية لغوية تشل تفكيره وتعيق لغته الأم، كما أثبتت الدراسات أنه (كلما ازداد أساس اللغة الأم رسوخاً واستمرت في تطورها ازدادت القدرة على إتقان اللغة الثانية) (1).
ولتأكيد ضعف طلابنا في اللغة العربية إليك أخي القارئ نماذج من أخطاء طلاب الصف الثالث علوم شرعية وعربية! في إحدى المدارس الثانوية أثناء كتابة موضوع تم إملاؤه عليهم، حيث سأكتب الكلمة المعطاة وما بين الأقواس أخطاء الطلاب:
أُحِبُ (احبوى، أحبوا) قراءة (قراة، قرأءة، قرأت، قرائت، قرآت، قرائة....)
معلومات (معلموات، معلموت) تُفيدني (تفدني، توفيدوني، تؤفيدني....)
ليلةٍ ليلاء (ليلة ليلل، ليلة ليلا، ليلة ليلى، لليلة لليل، ليلتاً ليالي)
مُمْعِناً (ممعنان، ممعنن) فتارةً (فتارتاً، فتارت، فاتارةً، فتارتن، فترتن...)
يسوؤك (يسوئك، يسوك، يسوءك، يسؤكَ، يسووك، يسؤوك)
ألم تَرَ (الم تراء، ألم ترى، ألم ترى، ألم ترا)
بلؤمٍ (بلوم، بلائم، بلومن، بلئمن، بلأم، بلئم، بالؤماً، بالئماً)!!!
هذه عيّنة لأخطاء واحد وعشرين طالباً فقط في آخر مراحل التعليم العام (قسم العلوم الشرعية والعربية) فأيهما أولى بالاهتمام والعناية اللغة العربية أم الإنجليزية ولا سيما أن من الأسس التي يقوم عليها التعليم في المملكة ما ينص على «(45) اكتساب القدرة على التعبير الصحيح في التخاطب والتحدث والكتابة بلغة سليمة وتفكير منظّم.
(46) تنمية القدرة اللغوية بشتى الوسائل التي تغذّي اللغة العربية...».
(2) أن تعلم الانجليزية أصبح مع الأسف عند بعض الأسر مفخرة يفتخرون بها دون النظر إلى آثارها على اللغة العربية ولا سيما في السن المبكرة ويرى البعض أنها واجهة اجتماعية لا يرون بأساً بطغيانها على اللغة الأم يقول د. سليمان بن عبدالرحمن العنقري (إن دراسة في جامعة اكسفورد ترى أن السن التي يبدأ فيها بتعليم اللغة الأجنبية تؤثر سلباً على اللغة الأصلية) (2) وللعلم فطلابنا وأولياء أمورهم يتفاخرون بالإنجليزية على ألسنة الأبناء ولو تكلّم أحدهم في مجلس بالفصحى لتعجّب الأغلب! بل إن كثيراً من الدول إن لم تكن كلها لا تُعلّم اللغة الأجنبية في المراحل الأولى من التعليم ومما ظهر من البحث الذي أجراه محمد الظفيري (كما في مقال الحريص) (أن الطلبة الذين لم يدرسوا اللغة الانجليزية بجانب العربية تفوقوا في تحصيلهم في مقرر اللغة العربية وكان الفرق بين تحصيل المجموعتين ذا دلالة إحصائية حيث كان المعدل التحصيلي للمجموعة الأولى 74% والثانية 53%...) وإن المرء ليعجب عندما يسمع أنه في ألمانيا لو خاطبت أحدهم بالانجليزية لقال لك: انتبه فأنت في ألمانيا ولست في بريطانيا.
(3) أن ضعف الطلاب في اللغة الانجليزية في المراحل ما بعد الابتدائية ليس سببه عدم دراستها في الابتدائية (من الصغر) بدليل أن الطلاب ضعفاء في العربية مع دراستهم لها في الصغر، بل الأسباب كثيرة ومنها دراسة القواعد الانجليزية والتركيز عليها وعدم وجود تعزيز لها في المجتمع، يقول د.حمزة قبلان المزيني (إن تعليم اللغة أي لغة في المدرسة يحتاج إلى تعزيز هذا التعليم عن طريق استعمالها في البيت والشارع ووسائل الإعلام ولن يتوفّر هذا التعزيز للغة الانجليزية في مجتمع يتكلم اللغة العربية) (3).
(4) من الأقوال المؤيِّدة لتعليم اللغة الانجليزية قول تربوي يرى أن الطالب في سن المرحلة الابتدائية لديه القدرة على التعلم أكبر منه في أي مرحلة. وهذا يؤكد أهمية استغلال هذه القدرة في إجادة اللغة العربية الفصحى كتابةً وتحدثاً كما يؤكد ضرورة استغلالها أيضاً في ترسيخ المفاهيم الإسلامية والتصور الإسلامي في العقيدة والشريعة، لا أن تُزاحم هذه المتطلبات بلغة يُجبر عليها الطالب في وقتٍ قد لا يميز الكثير من انحرافاتها وهذا سيؤدي إلى تصدّع عقيدة الولاء والبراء لدى الطفل في سنٍ مبكرة بسبب ما سيدرسه من أحداث وعادات وقصص وما سيعرض له من رموز، فقد رأينا حال من درسوا الأدب الانجليزي بغثه وسمينه في المرحلة الجامعية فكيف بالأطفال؟!
يقول د.عبدالرحمن رأفت الباشا (السيطرة على الأقوام حالياً لا تكون بالحديد والنار فقط وإنما بالسيطرة على العقول وسبيلها إضعاف اللغة) (4).
ويقول د. محمود كامل (اللغة العربية هي معيار التقويم الرئيسي للولاء والانتماء وهي طريق تكوين القيم وطريق التقدّم ) (5). قلت: طريق تكوين القيم الإسلامية والانجليزية عكس ذلك وطريق التقدّم الذي يجمع بين الالتزام بالثوابت مع الأخذ بوسائل العلم الحديث والتقدّم الصناعي لا التقدّم والحضارة الغربية بصحيحها وسقيمها ونافعها وضارها.
(5) أن الطفل يتأثر باللغة التي اعتادها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند الحديث عن الأسماء الفارسية، حيث قال: فما قاله الإمام أحمد من كراهة هذه الأسماء له وجهان... ثم ذكر الثاني فقال (كراهته أن يتعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الاسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون.... إلى قوله واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل واللغة والدِّين تأثيراً بيِّناً ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدِّين والخُلُق....) (6).
(6) تأثر ثقافة الطفل بالثقافة الغربية، حيث ان إجادته لغتهم سيجعله يقرأ كتبهم وقصصهم ورواياتهم ويتابع وسائل إعلامهم قبل أن يبلغ السن التي يستطيع فيها التمييز بين الحق والباطل والصواب من الخطأ، بل إن مناهج الانجليزية لا تنضبط بالضوابط الشرعية فهذا أبٌ يحدِّثنا ماذا في منهج الانجليزية في مدرسة أهلية يدرس فيها أبناؤه حيث يقول (ففيه مواضيع يتحاور فيها الطالب مع الساحر ويرسم صورة الساحر على أنه شخص ذكي، وفيه موضوع يقرر لدى الأطفال قيادة المرأة السيارة والدراسة المختلطة فأكثر الحوارات التي في المواضيع والصور يكون فيها الطالب بجوار الطالبة في مقعدين متجاورين ويخرجان ويذهبان معاًَ...)(7).
(7) أن الوزارة تتجه في خططها إلى تقليص الكم الهائل من المناهج التي يدرسها الطالب والتي تعتبر لدى الوزارة مشكلة فكيف تزيد المشكلة وتضاعف العبء على الطلاب بإلزامهم بمادة ليست مهمة في هذه المرحلة. وما هي الحصص التي ستحل محلها الانجليزية؟ بل حتى عند تقليل حصص مادة «أساسية ما فهل ستكون الانجليزية بحجم أهمية تلك المادة المجني عليها؟ هذا عندما تلتزم الوزارة بعدد الحصص الحالي.
(8) أن ترسيخ مفهوم أن الانجليزية لغة العصر ولغة التقنية وعصب الحياة التعليمية سيجعل مشاريع تعريب العلوم الحديثة أمراً غير مرغوب فيه يقول د. محمد الرشيد وزير المعارف (إن الوسائل التقنية الجديدة أزالت الحواجز بين اللغات مبيناً أن بمقدور أي فرد أن يقرأ الصحيفة الأجنبية مترجمة باللغة العربية في يوم صدورها مستشهداً بالشعب الياباني الذي يعد من أكثر الشعوب استخداماً للإنترنت رغم معرفتهم القليلة باللغة الانجليزية ولكن لم يمنعهم ذلك من الترجمة بجميع أشكالها والتواصل مع الآخرين) وأضاف (لننظر إلى عدونا إسرائيل حيث نجد أن تعلم الانجليزية ليس ضرورياً لديهم، ورغم أن لغتهم العبرية لغة ميتة لكنهم يدرسون بها في جامعاتهم كلغة أولى مبيناً أن كوريا تعمل الأمر نفسه) (8).
ويقول عبدالعزيز الشعلان «المدارس الأجنبية من أهدافها جعل النشء أكثر استعداداً لتلقي العلوم بلغات أخرى غير العربية (نفرنج) لغة النشء الصغير.
فكيف نطالب بتعريب العلوم في المراحل المتأخرة (الجامعية) ونفرنجها في المراحل الابتدائية». (9)
فيا معالي الوزير: ما دام الأمر كذلك فلماذا تجبرون أطفالنا على تعلُّم هذه اللغة الأجنبية في هذه السن المبكرة؟! استجابة لمطالبات صحفية ومباركات فردية (حسب علمنا) مع أن عدم تعلُّمها لن يمنع التواصل مع الآخرين ونقل التقنية.
(9) أن الوزير ووزارته يؤكدان ضرورة إتقان العربية أولاً، حيث صرح معالي الوزير قائلاً: «والرأي هو ألا يكون حماسنا للانجليزية على حساب تمكننا من اللغة العربية، بل نتمنى أن نكون على مستوى متمكن من الانجليزية شريطة ألا يكون على حساب إتقان اللغة العربية». (10)، فهل ثبت للوزارة والوزير إتقان طلابنا اللغة العربية؟! والواقع يقول: لا هُم أتقنوا العربية (الابتدائية) ولا هُم سلموا من الانجليزية بلا سبب مقنع أو جهود ظاهرة أو دراسات تربوية مستفيضة نتج عنها أن تدريس الانجليزية منقبة معارفية وضعف العربية حالة مستعصية.
(10) لو نظرنا للأمر بنظرة مادية لقلنا: إن ما نحتاجه من مبالغ مالية لبرامج علاج ظاهرة الضعف اللغوي لا تُقارن أبداً بالمبالغ الطائلة التي ستترتب على تدريس الانجليزية مع عدم المقارنة بين أهمية الأولى وجدوى الثانية، بل لو سألنا أي مسئول: أيهما أولى وأجدر بالاهتمام تأمين مبانٍ حكومية مهيأة تربوياً للطلاب أم تدريس لغة لم تثبت أهميتها؟ بل لم نضمن عدم ضررها؟! ولقد سبق أن صرح معالي الوزير أن «(4000) مبنى مستأجر لم تنشأ أصلاً لغرض التعليم.. وأن المدة الزمنية المحدَّدة لاستبدال المباني المستأجرةمع مبانٍ حكومية ذات تصميمات حديثة لتفادي مشاكل المباني المستأجرة وعلى رأسها ازدحام الفصول المدة (10) سنوات بمعدل (400) مدرسة سنوياً) وكان تصريح معاليه في 15/7/1416ه بمعنى أنه في عام 1426ه ستكون جميع مباني وزارة المعارف حكومية فهل تكاليف تدريس الانجليزية ستكون (مالياً) على حساب هذا المطلب التربوي أم أن ذلك المشروع سينتهي في حينه؟ فإن تعارضا فأيهما الأولى حسب أولويات الوزارة وقائمة احتياجاتها الأساسية؟
(11) لقد كان الأولى بالوزارة أن تشاركها في دراسة أهمية تدريس الانجليزية جهات تعليمية أخرى كالمعاهد والجامعات ففيها من الكوادر التربوية ما يستحق أن يُضم رأيه لرأي مسئولي الوزارة فلماذا يُهمّش، بل يُلغى دور تلك المعاهد والجامعات؟ علماً بأن تلك المعاهد والكليات والجامعات ستعاني من تبعات فرض الانجليزية على الطلاب منذ الصغر.. فمما نعرف ويعرفه معالي الوزير أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عقدت ندوة في الفترة 23 ـ 25/5/1416هـ لمناقشة ظاهرة الضعف اللغوي في المرحلة الجامعية شارك فيها نخبة من المختصين في اللغة العربية والتربية والإعلام قُدِّم فيها (43) بحثاً وأوصت بـ 29 توصية. فهلا عقدت وزارة المعارف ندوة حول تدريس الانجليزية يشارك فيها أمثال أولئك وتُقدّم فيها مثل تلك البحوث قبل فرضها، وأظن أنه لا يزال في الوقت فسحة وفي الزمن مهلة.. أرجو ذلك.
ختاماً: شكري لتحرير الجزيرة وقرّائها ولكل من سعى للدعوة للخير عبر صفحاتها ونفع مجتمعه من خلالها وبذل النصيحة للبلاد التي ننتمي لها.
والحمد لله رب العالمين.

عبدالرحمن الوهيبي - الخرج
الهوامش:
(1) الرياض 12345.
(2) الجزيرة 10700.
(3) المعرفة 73.
(4، 5) الجزيرة 10612 عبدالعزيز الرويس.
(6) اقتضاء الصراط المستقيم.
(7) الدعوة 1841.
(8) المعرفة 75.
(9) المعرفة 73.
(10) المعرفة 75.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved