* القاهرة - مكتب الجزيرة - شريف صالح:
عن المجتمع الثقافي بأبو ظبي صدر للكاتب الفلسطيني محمود خضر كتاب «تاريخ الفنون الاسلامية» وهو بمثابة موسوعة مصورة تكشف عن الوجه الحضاري المتألق لفنون العمارة والزخرفة عبر عصور الدول الاسلامية المختلفة.
وفي تقديمه للكتاب اكد الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري السابق وأحد الرواد العرب الكبار في التاريخ لفنون الحضارات المختلفة، اكد عكاشة على ان الكتاب يشتمل على دراسة مستفيضة وعميقة للفنون التطبيقية والزخرفية الرئيسة في العصر الاسلامي، وان الباحث قدم دراسة ممتعة تقوم على استقصاء المعلومات من مصادرها العربية والاجنبية، معتمداً في ذلك على الافادة من الكتالوجات والدوريات الرسمية، بالاضافة الى الدوريات المختصة بالآثار والفنون في جميع البلاد.
ومن الملاحظات اللماحة للمؤلف - كما يقول عكاشة - التنويه بتأثير هجرة العمال والصناع والحرفيين من وسط آسيا غربا الى العراق وايران «شمال الجزيرة العربية» وسوريا ومصر في الشرق ثم غرباً الى تونس والمغرب والاندلس وايطاليا، امام غارات المغول الثلاث فيما بين عامي «1220م - 1259» وتأثير مثل هذه الغزوات - وغيرها - على العمارة الاسلامية وهدم المدارس والمساجد في المدن الكبرى كبغداد ودمشق.
بينما اشار الدكتور سمير سرحان - رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب - اثناء الاحتفال بصدور هذا الكتاب/ الموسوعة، مؤكداً على ان الكتاب يحيي جزءاً اصيلا من التراث الاسلامي ومن البناء الحضاري للاسلام كعقيدة ودين ومثل عليا وايضا كقيم حضارية.
والكتاب يحتوي على حوالي مائة وستين لوحة مصورة تكشف عما لقيه الباحث من عنت وما بذله من جهد في سبيل جمعها وتحقيقها، ويقع في مائتين وثلاثين صفحة من القطع الكبير، يتناول الكاتب خلالها تاريخ الفنون الاسلامية منذ نشأة الاسلام الى نهاية العصر المملوكي، مع الاشارة الى عمليات التأثير والتأثر مع الحضارات الاخرى.
يضم الكتاب اربعة فصول هي العصر الاموي والعباسي والفاطمي، واخيراً الايوبي والمملوكي، بالاضافة الى تمهيد تاريخي عن نشأة الفنون الاسلامية ومجموعة من الملاحق والفهارس المهمة في خاتمة الكتاب، وفي كل فصل من الفصول الاربعة يبدأ الباحث بالتمهيد عن تاريخ الدولة السياسية المشار اليها ويعقبه اسباب الاضمحلال ، وما بين البداية والنهاية يستعرض ما عرفته هذه الدولة من الفنون الاسلامية الدقيقة كالزخرفة والنسج والبسط والتحف والحفر على الخشب والمحاريب وغير ذلك، فيما يشبه المسح الشامل لفنون الحضارة الاسلامية في عصورها المختلفة، وتأثر تلك الفنون بطرق التجارة وعوامل الثراء المختلفة، فضرب مثلاً لذلك بالحركات التوسعية في القرن الثالث عشر الميلادي في آسيا مما ادى الى ان اصبحت الطرق البرية للتجارة ما بين الشرق والغرب المارة بسمرقند غير آمنة، فلجأ الغرب الى شراء البضائع والتوابل من تجار الاسكندرية ودمياط فانتعشت التجارة في الشرق وازدادت الفنون الاسلامية ازدهاراً وعقب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عن طريق فاسكو دي جاما الذي تمكن من الوصول الى الهند عن طريق الطواف حول افريقيا 1498م استطاع الاوروبيون الوصول الى متاجر الشرق الاقصى دون المرور بالدولة الاسلامية فتدهورت الدولة المملوكية وضعفت الفنون.
واشار المؤلف في تقديمه للكتاب الى حداثية الفن الاسلامي، حيث ان الفن الحديث يتخلى عن الواقع، ويعتمد على عدم مضاهاة الطبيعة، فالفن التكعيبي يعتمد على صياغة جديدة لعناصر الطبيعة، والمدرسة التجريدية تعتمد على تجربة الاشياء وتبسيطها، الا ان الفارق بين الفنان المسلم والفنان المعاصر ان الفنان المسلم انطلق من موقفه لمخالفة الطبيعة لاعتبارات دينية، على حين ان الفنان الحداثي المعاصر يعبر بفنه عن فلسفة عقلية.
وأكد المؤلف على انه لم تكن للعرب قبل الإسلام مدينة يعرفون بها، ولا يعني ذلك انهم كانوا شعبا بعيداً عن الحضارة، فالواقع ان العرب كيفوا حياتهم ونظام معيشتهم على وفق جغرافية بلادهم، فعرب الجنوب (اليمن وعدن)، كانوا يعيشون في اقليم خصب التربة وافر المطر، فاعتنوا بالزراعة والري، وعاشوا حياة مستقرة، ومارسوا التجارة بين الشرق الاقصى والمدن المطلة على البحر المتوسط، وعرفنا آثارهم وجود مملكة عظيمة هي المملكة المعينية 1500 ق.م ثم مملكة سبأ في القرن الثامن قبل الميلاد واشتهرت بقصورها وعمائرها، ثم مملكة حمير 115 ق.م التي واجهت صراعا مع الامبراطورية الرومانية على الطريق التجاري عبر باب المندب الى الشرق الاوسط، ونجحت جهود عرب اليمن في طرد منافسيهم من طريقهم.وفي القرن السادس الميلادي اشتد الصراع الديني بين اليهود والمسيحيين، الذين تعرضوا لمذبحة بشعة مما دفعهم للاستعانة بدولة الروم لإنقاذهم، وطلب امبراطور الروم من نجاشي الحبشة الانتقام من اليهود، فأرسل الاخير جيشا انتصر على «ذي نواس» ملك اليمن واصبحت البلاد وعرب الجنوب تحت سلطان الروم فاضمحلت حضارتها وتصدع سد مأرب العظيم وساد الفقر، فهاجرت قبيلة بني غسان شمالا باتجاه الشام وظل عرب الجنوبب يقاسون سوء الحكم الروماني حتى انقذهم اخوانهم عرب الشمال في فجر الاسلام.وفي الشمال اقام العرب على اطراف الشام والعراق منتجعاً للمرعى، واستقروا في الاراضي الخصبة، وانشأوا امارات لهم كانت على علاقات سياسية وحربية مع الروم ضد الفرس وذكرت مصادر التاريخ مدنا مثل «البتراء» التي دمرها تراجان، وأسس العرب ايضاً آمارة «آلحيرة»» التي تحالف امراؤها مع الفرس ضد الروم. وفي القرن الرابع الميلادي اسست قبيلة بني غسان امارة على حدود الشام تحالفت مع الروم ضد الفرس، وكلما قويت شوكة الغساسنة اطاحت بهم الدولة الرومانية ونفت اميرهم الى صقلية.وكان عرب الحجاز اهل تجارة يتنقلون بين الجنوب والشمال وكانت عاصمتهم مكة، حاضرة بيت الله الحرام، وقد نصبوا فيها اوثانهم ونظموا الحج اليها.
وكما كانت الوثنية منتشرة في اهم مدن الحجاز، مثل مكة والمدينة والطائف، انتشرت اليهودية والمسيحية ايضا، وعن طريق قوافلهم التجارية ألمّ العرب بالاحوال السياسية والحربية والاجتماعية والدينية في كل من بلاد الفرس والروم. ولذلك لا نستطيع القول ان العرب لم يكونوا اهل حضارة، وانما نظراً لطبيعة بلادهم ونظام معيشتهم القبلي، لم يتقبلوا النظم الحضارية، وإن ألموا بها وعرفوها. وانطلق المسلمون وقد تشربت قلوبهم بعقيدة الدين الحنيف - الى بلاد الروم والفرس - فنزلوا على اهلها برداً وسلاماً، ولم يغير المسلمون ما تعود عليه اهل البلاد المفتوحة من نظم ادارية، ولكن بدخول تلك البلاد الاسلام تعلم الكثيرون اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم.ويستطرد المؤلف في تبيان اثر الصراع الدامي بين الدولة الاسلامية ودولة الروم وخاصة في مجال العلوم ونقل الثقافة اليونانية والنظم الادارية والعمارة والطب والفنون وغير ذلك، وكذلك اثر المدارس الفكرية الاسلامية على ازدهار الفنون المختلفة.
وفيما يتعلق بالتأثير والتأثر بين الحضارة الاسلامية والحضارات الاخرى اكد المؤلف الاستاذ محمود خضر على اختلاف الفن الاسلامي عن الفن القبطي والفن الاسباني ففي الاخيرين يوجد فن ديني من شأنه تزيين الكنائس وتصوير القديسين والبطاركة وسائر احتياجات الكنائس، وهو فن يقوم على ابراز العقيدة المسيحية وتقديمها للمسيحيين، ونوع آخر هدفه دنيوي من شأنه خدمة الاحتياجات الدنيوية من زخارف وزينة، اما الفن الاسلامي فلا يعرف هذا الفصل بين النوعين فهو فن دنيوي عام والزخارف والحليات التي نراها في المساجد والكتب الدينية هي نفسها التي نراها على جدران القصور والاسبلة والدور. واتسمت جميع الفنون الاسلامية بوحدة الاسلوب والتقاليد، وبوضوح شخصيتها وعبيرها الشرقي ورونقها وجاذبيتها، رغم تعدد المدارس واختلاف الاشكال وساعد على ازدهارها الفنون الاسلامية وحرية الانتقال والاقامة بين بلاد العالم الاسلامي وتقارب التقاليد ووحدة العقيدة.
على هذا النحو من التأصيل المنهجي يقدم الباحث محمود خضر موسوعته عن تاريخ الفنون الاسلامية عبر عشرات القرون ليسد فراغا في المكتبة العربية في هذا المجال الفني والتاريخي الدقيق. والكتاب بذلك شهادة حق ورسالة الى الغرب والى العالم بأسره تعلن للجميع ان الاسلام كان ومازال دينا وحضارة وشريكا فاعلا في اثراء الحضارة البشرية قاطبة.
|