Saturday 15th June,200210852العددالسبت 4 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

النظام الصحي التعاوني الجديد بين الواقع والمطلوب النظام الصحي التعاوني الجديد بين الواقع والمطلوب
شركات التأمين الحالية تستنزف الاقتصاد المحلي بتحويل ما لا يقل عن 7 مليارات وستتزايد مستقبلاً

صدرت بتاريخ 10 يونيو الماضي اللائحة التنفيذية لنظام الضمان الصحي التعاوني، والذي اجازه قرار هيئة كبار العلماء شرعا بالقرار رقم «51» بتاريخ 4/4/1397هـ حيث اقر النظام الصحي بتاريخ 1999م واستغرق اعداد هذه اللائحة ما يقارب 3 سنوات حتى صدرت الآن، وهي خاصة فقط للاجانب بكل فئاتهم وجنسياتهم بمختلف المستويات، هذا النظام «الضمان الصحي التعاوني» يجب ان ندرك ونستوعب انه يختلف عما يطبق في دول العالم المختلفة حيث السائد والمطبق هو نظام صحي شامل لا يحتمل او يحمل المستفيد منه اي مخاطرة مالية نهائيا وهذا يعتبر غير مجاز شرعا وهو اشبه بالغرر وان النظام التعاوني هو نظام تأمين اسلامي يشارك به المستفيد او المؤمن عليه بالربح والخسارة من خلال تطبيق مبدأ التكافل الاجتماعي او هو يعتبر بمعنى ادق «صندوقاً» او «وعاء» تمويلياً اشبه بالاستثمار القابل للربح والخسارة فاذا حقق ربحاً من خلال بقاء العوائد المالية من المستفيدين والمؤمن عليهم سوف يتم توزيع ارباح عليهم بذلك وان تم استنفاد المبالغ الموجودة بهذا «الوعاء» وسحب اكثر مما لدى الصندوق فانه سيلجأ الى طلب الدعم او الضخ المالي من جديد من المشتركين فيدفعون اكثر من القسط الذي سبق وان تم دفعه في هذا التأمين الذي تم من خلال شركات التأمين والنظام الجديد نص صراحة وبوضوح تام على انه لن يتم السماح او الترخيص بأي شكل من الاشكال لأي شركة تأمين داخلي او خارجية ان تطبق غير نظام التأمين التعاوني الموافق عليه حسب قرار هيئة كبار العلماء.
التأمين بدأ منذ عقود طويلة ولكن المملكة تعتبر من الدول النامية الـ55 الجديدة التي بدأت تطبق ذلك وبشكل محدود ومتحفظ لذلك فان مستوى الوعي لدينا ليس بالمستوى المتوقع او الذي نتصوره وللمقارنة بذلك نجد ان دول الخليج تنفق بالمتوسط 155 دولاراً على التأمين سنويا وفي الامارات العربية متوسط الانفاق يصل الى 254 دولاراً ولكن لدينا بالمملكة فقط 40 دولاراً، وهذا مؤشر لمستوى النظرة او الوعي للتأمين. اننا نحتاج الى حملة توعية لتوضيح وبيان أهمية التأمين بكل ابعاده واهميته للفرد ماليا وصحيا واقتصاديا للدولة وايجابياته اكثر بكثير من سلبياته ان وجدت ويجب أن ندرك ان التأمين ليس كله تأميناً بدون مخاطرة، وان التأمين ليس فقط صحياً فهناك التأمين ضد السرقة والحريق والضياع والمطر والفيضان والتلف فهي صناعة دولية لها قوتها ولها وجودها في الاسواق المالية، وقد ننظر لشركة «لويدز» التي تعتبر اكبر شركة في العالم خاصة بالتأمين او من اكبرها، وانها من خلال احداث 11 سبتمبر عوضت او دفعت اكبر مبلغ يتم دفعه في التاريخ وهو مليارا دولار مقابل البرجين اللذين انهارا وطلبت من حملة الاسهم ضخ ودعم لها بمبلغ 780 مليون جنيه استرليني، وان العالم خسر ما يقارب 100 مليار نتاج ذلك. اذن اصل لنقطة وهي ان التأمين صناعة كبيرة وضخمة لا تتجه فقط الى قطاع صحي او نطاق السيارات وغيرها بل كل شيء، وهي تجارة دولية تؤمن على مئات المليارات من المباني الشاهقة الى الطائرات في الجو الى البواخر في البحر وكل ما يمكن ان يتنفس او يتحرك على هذه البسيطة.
يجب الاشادة بهذه الخطوة التي تأخرت عشرات السنين برغم ان قرار هيئة كبار العلماء صادر منذ اكثر من 25 سنة وكان واضح النهج والتطبيق ولم تكن هناك اي ضبابية بذلك، والآن بعد ان صدر النظام الصحي التعاوني لدينا كثير من الاستفسارات ليس من خلال اللائحة فقط بل بكل ما يرتبط بالعملية التأمينية من خلال الشركات الخاصة بالتأمين او الجهات الحكومية ذات العلاقة وسأتناول النقاط والشرح ليس بترتيب معين لكن على ضوء ما سوف نواجهه مستقبلا ويجب ان نعالجه ونعمل له من الآن، قد تكون خطوة الحكومة لخصخصة بعض المستشفيات الحكومية هي بداية وتمهيد للتأمين الصحي الذي تم وهي خطوة ايجابية بكل ابعادها ويجب ان نشيد بذلك، وخاصة ان الحكومة اصبحت تجد صعوبة في مواجهة متطلبات القطاع الصحي المتنامي مع زيادة سكانية عالية لدينا حتى اصبحت الخدمات الطبية لدينا غير عالية الجودة والخدمة والانتشار فكانت خطوة الحكومة الجديدة باعطاء دور للقطاع الخاص هي الخطوة المطلوبة وقد تمت وهي على مراحل حتى ان «مجلس الضمان الصحي» سيمول نفسه كما تشير اللائحة من خلال الرسوم التي تحصلها من شركات التأمين واوضحت ذلك المادة «71» وهذا مؤشر على تخلي الحكومة التدريجي عن القطاع الصحي. هذا بما يخص الاجانب وننتظر ما يخص المواطن الذي يجب مراعاة اصحاب الدخل المحدود الذين قد تكون رسومهم التأمينية عالية خاصة حين نلاحظ الحجم السكاني المتنامي والعالي لدى اصحاب الدخل المحدود خصوصا، وايضا هي من المتطلبات الاساسية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية من خلال اعطاء الدور للقطاع الخاص في القطاع الصحي وايضا اجراء التأمين على الافراد سواء الاجانب او حتى المواطن.
وبتصوري واعتقادي الشخصي ان السوق السعودي من خلال الشركة القائمة المصرح لها وهي شركة وحيدة انها غير كافية لقيام هذه الخدمة التأمينية فيجب العمل على سرعة انشاء لائحة الشركات الخاصة بالتأمين والترخيص لها وكذلك فتح الاستثمار الاجنبي لها وايضا من خلال انشاء شركات جديدة مساهمة او غير مساهمة لا يقل رأس مالها عن 100 مليون ريال «برغم ان الفصل السادس في المادة 53 بتفصيل رقم 3 ولكن هل هذا نظام شركات للتأمين والزام له؟» لمواجهة حجم عمالة اجنبية يصل الى العدد ما بين 6 الى 7 ملايين وانشاء شركات مساهمة بذلك او تحويل التعاونية للتأمين لشركة مساهمة بطرحها او جزءاً منها للجمهور وزيادة رأس مالها، كذلك لا يتم منح الاشتراك او المستفيدين من الخدمة من خلال الشركات بشكل مفتوح لا نهائي لأن الشركة يجب ان تواكب عدد المستفيدين والتزاماتها واصولها ومدى الملاءة المالية لها وكلما كبرت شركات التأمين كان افضل واقوى لها بشكل واضح من خلال زيادة الكفاءة والقدرة لديها وايضا انخفاض مصاريف التشغيل لديها، وهنا نتساءل هل عدد المراكز الصحية والمستوصفات والمستشفيات ونقصد بها القطاع الخاص يكفي حاجة السوق السعودي؟ وهذا العدد من الاجانب الآن «7 ملايين» ثم سيأتي الدور على المواطنين «16 مليوناً». هل سيكون كافياً لتغطية هذا العدد من السكان مع ملاحظة النمو السريع السكاني الذي لا يواكب بأي حال من الاحوال نمو القطاع الصحي؟ فهذا الضغط المتوقع الذي سيحدث كيف ستتم معالجته؟ الحل لن يكون خلال سنة او سنتين فهي تحتاج الى ضخ مالي كبير وكبير جدا من القطاع الخاص، يجب ملاحظة ان هناك حجم عمالة اجنبية ليس بالقليل في القرى والهجر وحتى الصحراء ولا نعرف شيئاً عن كيفية تغطية هذه الفئة تأمينيا وكيف ستتم من حيث توفير الرعاية الصحية والمراكز الطبية وتكاليف النقل وغيرها حيث انها تختلف كليا عن المدن الرئيسية التي يتوفر بها كل ذلك، هؤلاء لم تشر لهم اللائحة نهائيا فمن سيتحمل تكاليف ذلك رب العمل او العامل نفسه؟ وان توفرت هل ستكون هناك رعاية طبية لا نقول بالحد الاعلى ولكن بالادنى؟
معروف الآن انه يوجد بالسوق السعودي ما بين 180 الى 200 شركة تأمين وقد يزيد العدد او يقل ولا اعرف احصائية دقيقة لذلك الا من خلال المتابعة لما ينشر ويكتب والمملكة العربية السعودية ببعديها المساحي والسكاني الكبيرين، لا يوجد بها الا شركة تأمين واحدة حكومية معترف بها ومسجلة رسميا ومرخص لها وهي شركة «التعاونية للتأمين» والشركة الاخرى الشركة السعودية للتأمين - ميثاق - برغم سرعة انتشارها ونموها الا انها - غير رسمية!! - حتى «التعاونية للتأمين» صنفت ضمن اكبر 200 شركة في العالم حسب تصنيف «استاندرد اند بورز» وحصلت على تقييم «بي بي بي» طبعا ليس لانها الافضل او الاكبر فقط بل لانها وحيدة وكافية وهي المصرح لها رسميا ووصلت الاشتراكات لديها 717 مليون ريال وبلغ اجمالي الاصول 381 ،1 مليون ريال وزاد خلال عام 2001م الى ان وصل المستفيدون ملياراً وحجم الاصول زاد الى مليار ونصف وزاد حجم الملاءة المالية لديها بما يمكنها من الالتزام لدى الغير.
اسرد هذا التوضيح عن «التعاونية للتأمين» لبيان حجم المبالغ التي تتعامل بها التعاونية للتأمين وهي شركة واحدة فقط من ضمن 200 شركة لا يعرف حجم التعامل المالي لديها وكم يتم تسرب المليارات الى الخارج حيث قدر حجم السوق الآن بـ10 مليارات ريال وان نسبة تصل الى 70% من حجم هذه الاشتراكات تتسرب للخارج يعني نحو 7 ملياراً ولا توجد احصائيات رسمية واضحة وهي لن تقل عن ذلك على اي حال وهذا استنزاف اقتصادي وطني كبير ويتوقع ان يزيد الى اضعاف ذلك حيث يتوقع ان يصل حجم السوق الى 50 ملياراً خلال 5 سنوات وبعد دخول المواطنين في نطاق التأمين الصحي وغيره، اذن كم سيخرج من مليار الى الخارج، فقد تنافس الحوالات الاجنبية التي تتراوح بين 40 و50 ملياراً سنوياً من الريالات، برغم كل هذا الزخم الكبير من الشركات المتنوعة للتأمين واللائحة الجديدة لم تتطرق الى اي من الشركات التي ستقوم بهذا التأمين ويجب ان نفهم ان شركات التأمين ليست كبقية الشركات التي تخضع لنظام الشركات المعروف فهي اشبه بشركات اموال كأنها بنوك او شبه ذلك، فكثير من دول العالم تمارس شركات التأمين لديها عمليات تمويلية كبيرة وضخمة احيانا بحسب مكانة الشركة وقوتها المالية سواء للحكومة من خلال شراء السندات الحكومية او الاقراض المباشر وحتى للافراد وايضا تواجدها بالسوق المالي الذي يعطيها عمقاً وقوة وثقة اكبر لكن كل هذا غير موجود لدينا، واشير هنا الى افتراض وجود شركات عديدة للتأمين فليست واحدة ولا عشراً او هكذا يفترض.
كذلك يجب العمل على ايجاد نظام خاص بشركات التأمين الذي هو الآن غير موجود ولم تشر له اللائحة الجديدة فاذا كانت مؤسسة النقد هي الجهة الرقابية على ذلك اذن اين نظام الشركات الخاص بشركات التأمين؟ واذا كانت وزارة الصحة هي المسؤولة من خلال «مجلس الضمان الصحي» اذن اين النظام؟ لا يوجد نظام صادر بذلك ولا نعرف الآن كيف يمكن الترخيص لشركات التأمين الحالية هل هي وزارة التجارة ام وزارة الصحة ام من؟ والمعروف انها غير مرخصة جميعا عدا شركة او شركتين لا اكثر. كذلك لا نعرف كم رأس المال المطلوب وما هو الضابط والمحدد له؟ من الجهة الرقابية ماليا واداريا؟ من يشرع لهذه الشركات قوانينها واعرافها؟ لا يوجد شيء واضح نهائيا، بمعنى ان اللائحة صدرت قبل اصدار نظام خاص بشركات التأمين، وتنظيم ذلك يقع على عاتق من؟ ويجب ان ندرك انها ليست كبقية الشركات العاملة في السوق بقطاعات اخرى؟ وهذا مهم جدا، فشركات التأمين تختلف كليا كما سبق الاشارة له واعتقد انه لا يكفي اصدار لائحة ثم يبدأ التأمين مباشرة، فلا قانون تجارياً او مالياً يحكم شركات التأمين كشركة قائمة الآن نهائيا ويجب ان ندرك ان شركات التأمين الموجودة وغير المرخص لها والمعترف بها رسميا هي تؤمن وتعيد التأمين خارجيا وانها اي الشركات المحلية او الخليجية القائمة الآن مرتبطة بشركات خارجية فحين تخسر الشركات الام من عملياتها فسوف تخسر معها الشركة المحلية التي في الداخل فلا توجد استقلالية تامة لديها حتى وان كانت الشركة الداخلية رابحة فمثلا لو خسرت «لويدز» واقفلت ماذا سيكون مصير كثير من الشركات لدينا ومشتركيها؟ هذه مشكلة قد لا تظهر الا بعد ان تحدث، لذا يجب ان يكون هناك لائحة ونظام وتشريع ينظم هذا النوع من الشركات او ان يتم ضمن اللائحة الجديدة معالجة لهذا الارتباط القوي والتوأمة التي تتم مع الخارج ، لو افلست أو توقفت الشركات في الخارج فقط بل يكون السبب تأمينياً فقط يكون استثماراً غير ناجح ولو وقع حدث غير متوقع كما كان 11 سبتمبر فما هي ضمانة المستفيدين هنا او الذي تم التأمين عليهم من الباطن؟
كذلك نلاحظ شيئاً غير مفهوم ان نظام الاستثمار الاجنبي الذي صدر مؤخرا استثنى بعض القطاعات والاعمال من دخول الشركات الاجنبية من العمل او الاستثمار بها ومنها «التأمين» ومعروف ان اكبر الشركات العالمية المعروفة المعنية بالتأمين هي خارجية مثل «لويدز» وغيرها، وان الشركات المحلية تؤمن لدى هذه الشركات في الواقع لا يوجد شركات تأمين عربية او حتى سعودية مستقلة 100% عن الشركات في الخارج فهي مرتبطة اما كليا او جزئيا وهذه مخاطرة كبيرة نوضحها لاحقا، اذن كيف يمكن ان تدخل الشركات الاجنبية الى السوق السعودي والعمل او الاستثمار في قطاع التأمين وهو اصلا غير مسموح به؟ ولم يصدر حسب علمي اي شيء يلغي ذلك، اذن ما هو الحل؟ خاصة ان التأمين صناعة خارجية وشركات خارجية ، اذن كيف ستنشأ شركات جديدة بذلك ونحن لم نبدأ بعد خطوة التأمين ونحتاج كثيراً من الخطوات ولن نستطيع ان نكون بمعزل عن الشركات الخارجية الدولية المعروفة؟ فهل هي دعوة لانشاء شركات محلية بطريقة جديدة؟ لا اعتقد وأشك ان يتم ذلك لما في ذلك من ابعاد مالية وخبرات وعوامل كثيرة ما زلنا نفتقدها خاصة اننا سوق ناشئة وجديدة على هذا النوع من التجارة ان صح التعبير ونصنف دولة نامية تماما بهذا القطاع الحيوي والمهم الذي اصبح سمة المجتمعات المتحضرة واحد مصادر التنمية الاقتصادية التي تعتمد عليها الدول.

راشد الفوزان

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved