وصلت الكرة السعودية حسبما أرى الى أقصى ما يمكن أن تصل إليه. وهذا ما حصل للكرة الكويتية مع احترام الفارق بين البلدين.
بدأت الكرة السعودية منذ أكثر من أربعين سنة ولكن بدايتها الثانية الجديدة كانت عام 70 وبالتحديد بعد مباراة المملكة مع الكويت التي منيت فيها المملكة بهزيمة قاسية ومريرة. بعد ذلك اليوم غيَّرت الكرة السعودية مسارها وفلسفة إدارتها واعتمدت تجربة الكويت «الناجحة في حينها» منهجا يُتَّبع. ومنذ ذلك الحين والتحّول في مفهوم الكرة السعودية يتم بوتيرة متسارعة حتى بلغ منتهاه في أيامنا هذه.
كانت الكرة في المملكة قبل تجربة الكويت تسير وفقا لتجارب الدول الكبرى والعريقة في كرة قدم. مفهوم الرياضة فيها أنها صناعة متكاملة تتمثل في الفرق والجماهير والمنشآت الشعبية وغيرها وليس المنتخب سوى جزء من هذا كله. ولكن تجربة الكويت علّمتنا ان الكرة يجب ان تختصر في كلمة واحدة هي المنتخب. فتحول مفهوم الكرة من صناعة عامة شعبية ممتعة الى مجرد منتخب وما تبقى من فرق وجماهير ومنشآت ليست سوى روافد في خدمة هذا المنتخب حتى أصبح الحديث عن الفرق بعيداً عن تزويد المنتخب بحاجاته هو نوع من التجديف على الوطن. ان ما حدث هو عكس حركة التاريخ. فبدلا من أن نؤثر في دول الخليج وجدنا أنفسنا تحت تأثيرها.
انتقل تفكيرنا الاداري من التركيز على الفرق وعلى صناعة الرياضة ككل أسوة بالدول الكبرى العريقة في كرة القدم الى التركيز على المنتخب مجاراة للظروف الموضوعية السائدة في الدول المجاورة، وتأسيا بتجربة الكويت الناجحة. وبالفعل قفز المنتخب السعودي قفزات كبيرة تجاوز مرارة دورة الخليج ولكن على حساب الكرة وصناعة الرياضة بصفة عامة. خسرنا على المدى الممتد من هزيمتنا من الكويت عام سبعين الى الآن بلايين الريالات فقط على تكوين فريق مكون من أحد عشر شابا.
كانت مباراة الهلال والنصر «قبل سيادة الفكرة الاداري القائم الآن» أهم من كأس العالم بالنسبة للجماهير السعودية. تغلق الشوارع وتتوتر أجهزة الأمن وتأخذ العائلات في الرياض احتياطاتها أما الآن فقد أصبحت مجرد تلفزيونية مثل برنامج «يا ليل يا عين». كما أصبح الصراع الرياضي المشهور بين الاتحاد والاهلي مجرد كلام جرائد وحوارات عقيمة على شاشات التلفزيون. أفرغت الملاعب والنوادي من مضمونها التنافسي. وأصبح الكلام عن الفرق نوع من التجديف. واصبحت الرياضة في المملكة مجرد تجميع احد عشر شابا نجوب بهم العالم لتحقيق سمعة لبلادنا.
عمليا ألغيت الكرة في المملكة فالهلال والنصر لم يلتقيا منذ سنوات طويلة لقاء حقيقيا كما كان يحدث في الماضي. والاتحاد والاهلي بردت لقاءاتهم بسبب افراغهم المستمر من لاعبيهم الأساسيين. اما فرق الشرقية فلم يلتفت احد ليدرس المآسي التي تعيشها والتردي المتصاعد في أحوالهم. فالجميع متفرغ للمنتخب تحت شعار واحد لا يمكن المساس به وهو «لاصوت يعلو على صوت المنتخب».
فاكس 4702164 |