Thursday 4th July,200210871العددالخميس 23 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أديب عصره أديب عصره
صلاح الدين خليل بن أَيْبَك الصَّفَدي (696-764هـ)

على الرغم من كثرة ما كتب في ترجمة العلامة صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، إلا أنني وجدت الباب مفتوحاً على مصراعيه للكتابة حول حياة هذا الرجل، مستفيداً من جميع ما وقفت عليه من كتب الصفدي، ومن كل ما كتبه محققو كتبه، ومترجموه من المتقدمين والمتأخرين، قدر الطاقة.
1- اسمه ونسبه ونسبته، ولقبه وكنيته وشهرته:
هو أبو الصَّفاء صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبدالله الالبكي الصفدي الشافعي .
ونسبته إلى صفد من أرض فلسطين، فهو صفدي الاصل، دمشقي الدار والوفاة.
وذكر الذهبي وابن خطيب الناصرية: أنه من موالي الأمير الكبير فارس الدين الألْبكي .
و«أيبك» لفظ تركي مركب من «أي» بمعنى القمر، و «بك» بمعنى الأمير. وقد جرى مجرى الاسم في العصر المملوكي.
2- مولده:
ولد صلاح الدين الصفدي في صفد سنة 696هـ، فقد ذكر الصفدي في مقدمة كتابه «أعيان العصر وأعوان النصر» أنه سيترجم فيه لمن أدركه، أو لقيه، أو كان في زمانه ولم يره، وحدد التاريخ المزمع جمع مترجميه في كتابه بشرط المعاصرة قال :«وابتدأت ذلك من ست وتسعين وست مئة، وهي سنة مولدي، ونهلة موردي، وجذوة موقدي، وبدأة موعدي .
وأكد التاج السبكي هذا التاريخ - وهو معاصر للصفدي، وصديق له منذ الطفولة- وكذا ذكره ابن حبيب- معاصر الصفدي ايضاً- وقال: «كذا وجدته بخطه» ، ومثله ابن خطيب الناصرية قال :«ولد، كما رأيته بخطه، سنة ست وتسعين وست مئة تقريباً» ، وذكر ابن تغري بردي هذا التاريخ تحديداً، وكذا نقل ابن اياس ، وذكر الحسيني وابن رافع السلامي هذا التاريخ على وجه التقريب.
وذكر الحافظ ابن حجر وابن العماد الحنبلي ، أن مولد الصفدي سنة 696هـ أو 697هـ، وكذا خمن ابن قاضي شهبة ، وذكر الذهبي أن مولده سنة 699هـ، ولم يقل بهذا التاريخ الأخير غير الذهبي، ولعله تحرف في اثناء الكتابة.
فالصحيح أن مولد الصفدي سنة 696هـ، في صفد.
3- نشأته واسرته، وتلقيه العلم:
لم تَجُد المصادر بما يكفي عن اسرة الصفدي التي نشأ فيها، والتي كونها بعد ذلك غير أنه ولد لاسرة ثرية- من اسر المماليك- فقد كان والده اميراً.
ولم يعرف من عائلة صلاح الدين غير أخيه جمال الدين ابراهيم بن أيبك بن عبدالله الصفدي (ت842هـ)، وهو أصغر منه، ولم يتنبه الكثيرون إلى جمال الدين، ولندرة المعلومات عن عائلة الصلاح أنقل أهم ما هناك من ترجمة جمال الدين هذا. قال الصلاح في ترجمته : «هذا المذكور أخي وشقيقي ولد تقريباً في سنة سبع مئة، وتوفي- رحمه الله- في رابع جمادى الآخرة سنة اثنتين واربعين وسبع مئة، ودفن بمقابر الصوفية ليلة الجمعة من الشهر المذكور.
مضت عليه برهة وهو مشغول باللعب غير ملتفت إلى العلم، واتقن في ذلك اللعب عدة صنائع، ثم اقبل اقبالاً كلياً على الطلب في سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة، وحفظ «ألفية ابن مالك» و ثلث «التعجيز» ثم عدل إلى «الحاوي»، وقرأ على الشيخ علاء الدين علي، وابن الرسام بصفد، وعلى الشيخ شهاب الدين ابن المرحل بالقاهرة، وسمع بقراءتي على الشيخ أثير الدين أبي حيان، وعلى الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس، وغيرهما بالشام ومصر، وكتب بخطه عدة مجلدات، واتقن وضع الارباع، وكان فيها ظريف الوضع والدهان، وقرأ الحساب، ورسائل الاسطرلاب، وكان ذهنه في الرياضي جيداً، قابلاً، طويل الروح على الادمان فيه، وعرف الفرائض، واتقن الشروط، وكان مقبولاً بالشام ومصر، يجلس مع العدول، وباشر الايتام بصفد، وثمَّر مالهم، واغتبط به القاضي شمس الدين الخضري الحاكم بصفد، مرض بدمشق مدة سبعين يوماً، وقاسى آلاماً منوعة، ثم تحزن بطاعون اربعة ايام، ودرج إلى رحمة الله تعالى ثم ساق الصفدي مراثي كثيرة مما قاله في أخيه جمال الدين .
وقد كون الصفدي اسرة وخلف ابناء، ولكن لم يشتهر أحد منهم، قال التاج السبكي :«كتب إلي مرة وقد ولد له ولد يدعوني إلى حضور عقيقته»:


عَبْدُكَ هذا الجديدُ أضْحَى
يقولُ فاسْمَعْ له طَرِيقَه
يا جَوْهَراً في الزَّمانِ فَرداً
ما ضَرَّ أن تَحْضُر العَقِيقَه

فرد عليه السُّبْكي (19).
وعُرف من أبناء الصفدي ابنان: هما محمد أبو عبدالله، ومحمد أبو بكر، وبنت اسمها فاطمة، فقد سمع المحمدان- كما نبه السيد الشرقاوي محقق «تصحيح التصحيف وتحرير التحريف» من والدهما «الوافي بالوفيات» وسمعت اختهما معهما من والدهما سنة 759هـ كتابه «تصحيح التصحيف».
واما عن تلقيه العلم: فقد حفظ الصفدي القرآن العزيز في صغره، ثم طلب العلم، وقرأ على علماء عصره إلى أن برع وساد في الرسائل، والنظم، والنثر، وشارك في الفضائل، وكتب الخط المنسوب، وبرع في النحو، واللغة، والادب، والانشاء، واعتنى بالحديث النبوي.
واهتم في صغره بفن الرسم فمهر فيه، ثم حبب إليه الادب فولع به، وكتب الخط الجيد، وذكر الصفدي أن أباه لم يمكنه من الاشتغال حتى استوفى عشرين سنة .
4- شيوخه:
كان الصفدي- رحمه الله- حريصاً على التلقي والسماع من مشايخ عصره، وتحصيل اجازاتهم لرواية مؤلفاتهم في شتى الفنون، فاجتمع له بذلك التلقي عن عدد كبير من العلماء الكبار، في كل أرض وطأها، وقد حفظ لنا عدداً لا بأس به من مراسلاته لمشايخه، واجازاتهم له في بعض كتبه مثل: «الوافي بالوفيات» ، و«أعيان العصر وأعوان النصر»، و«ألحان السواجع بين البادي والمراجع».
وتحمل اجازات شيوخ الصفدي له، واجازاته هو لتلاميذه، معلومات وافرة عن علاقاته بأبناء زمانه، ومن اولئك الشيوخ:
1- نجم الدين الحسن بن محمد الصفدي (ت723هـ)، أول من قرأ عليه من شيوخه، وقد أخذ عنه النحو ومبادئ العلوم (العقلية خاصة).
2- شهاب الدين أبي الثناء محمود بن سلمان بن فهد الحلبي (ت725هـ) صاحب ديوان الانشاء بدمشق، قرأ عليه الادب ولازمه.
3- يونس بن ابراهيم (الدبابيسي) الدبوسي (ت729هـ)، سمع منه الحديث بمصر.
4- ناصر الدين شافع بن علي (ت730هـ)، اجتمع به الصفدي، وحصل اجازته.
5- بدر الدين محمد بن ابراهيم ابن جماعة (ت733هـ)، أخذ عنه الفقه على المذهب الشافعي.
6- فتح الدين محمد بن محمد بن محمد ابن سيد الناس (ت734هـ)، أخذ عنه المغازي والسير.
7- أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود البندنيجي (ت736هـ).
8- ركن الدين محمد بن محمد ابن القوبع (ت738هـ)، ذكر الصفدي كثرة اجتماعه به، واخذه عنه.
9- أبو الحجاج يوسف بن عبدالرحمن المزي (ت742هـ)، سمع منه الحديث بدمشق.
10- أبو حيان اثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي (ت745)، أخذ عنه النحو واللغة.
11- شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي (ت748هـ)، أخذ عنه علم الحديث والتاريخ والتراجم.
12- شمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد السنجاري، المعروف بابن الاكفاني (ت749هـ)، أخذ عنه طرفاً من العلوم الرياضية مثل: الهندسة، والحساب، والهيئة، وغير ذلك.
13- تقي الدين علي بن عبدالكافي السُّبْكي (ت756هـ).
14- صلاح الدين خليل بن كَيْكَلْدي العلائي (ت761هـ)، اجتمع به الصفدي في دمشق والقاهرة والقدس، واخذ من فوائده، وحصل اجازته.
15- شمس الدين محمد بن علي الحسيني (ت765ه).
16- جمال الدين محمد بن محمد بن محمد ابن نُباتة الفارقي الجذامي المصري (ت768هـ)، أخذ عنه الادب.
17- أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هـ).
وغير هؤلاء الشيوخ، وقد سمع من الصفدي بعض اشياخه مثل: الذهبي، وابن كثير، والحُسيني .
5- تلاميذه:
لم يعرف للصفدي تلاميذ من المشهورين، ولكن تتردد بعض الاسماء المغمورة ممن قرأ عليه كتابا من كتبه، أو نسخه، أو حصل على الاجازة منه فيه، أو في كتبه مجتمعة، ومن هؤلاء:
1- ابراهيم ابن ناهض، المعروف بابن الضَّرَيَّر (ت761هـ)، قال الصفدي: «ولما وردت إلى حلب في سنة ست وخمسين وسبع مئة، كتب بخطه من تصانيفي : «توشيع التوشيح»، وكتاب «نصرة الثائر على المثل السائر»، وغير ذلك، وسمع كتابي «الروض الباسم» وغيره...
2- أمين الدين أبو عبدالله محمد بن حسن الأَنَفي المالكي (ت793هـ)، ذكره الصفدي- مع تقدم وفاته-، فقال : «نسخ جملة من تصانيفي، وقرأ عليَّ اشياء من شعري ومن مصنفاتي، وكان حسن الشكل، حلو العبارة».
3- أمين الدين محمد بن محمد الحنفي، المشهور بابن الأَدَمي (ت795هـ)، أخذ عن الصفدي علم الادب، وقرأ عليه كثيراً من تصانيفه.
4- بدر الدين خليل بن محمد بن سليمان بن علي الحلبي الشافعي الناسخ (ت798هـ)، أجاز له الصفدي في استدعاء كتبه إليه نظماً ونثراً، فأجابه بالاجازة.
5- نور الدين أبو بكر أحمد بن علي بن محمد المنذري الحنفي، المعروف بابن المفصوص (أو المقصوص)، ذكره الصفدي في مقدمة الجزء الأول من كتابه «الوافي بالوفيات» (ص ج)، وفيها نص اجازة الصفدي لمن قرأ عليه الكتاب وهو منهم.
6- محمد بن عبدالرحيم بن علي المعروف بابن الفرات الفقيه الحنفي (ت807ه). وغيرهم .
6- وظائفه وأعماله:
كانت موهبة الصفدي الادبية الثقافية، واجادته الخط المنسوب، الشهادة المؤهلة له في مباشرة وظائف ديوانية جليلة، فأول ما ولي كتابه الدرج بصفد، ثم بالقاهرة، وباشر كتابة السر بحلب وقتاً، وبالرحبة وقتاً، والتوقيع بدمشق ووكالة بيت المال، واستمر بهما حتى وفاته، وتصدى للافادة بالجامع الأموي .
7- وفاته:
وتوفي الصفدي- رحمه الله- بدمشق، في ليلة الاحد العاشر من شوال سنة 764هـ بمرض الطاعون، ولا خلاف على زمن وفاته، وقد ثقل سمعه بآخر عمره، وصُلِّي عليه من الغد بجامعها، ودُفن بمقابر الصوفية، لا كما زعم الزاعمون من أنه دفن في مسقط رأسه صفد .
الهامش:
1- قال ابن خطيب الناصرية في «الدار المنتخب في تاريخ حلب» (الترجمة رقم 514) : أبو الصفاء (وأبو سعيد.
2- زاد ابن رافع السَّلامي في «الوفيات» (2/269)، في اسمه (الفاري) قبل الصفدي!؟. وكتب ابن قاضي شهبة بآخر ترجمته للصفدي في «طبقات الشافعية» (3/90)، ثم شطب على ما كتب- بخطه، كما نوه المحقق- هذه العبارة :«واعلم أن في عد المذكور والذي قبله (أي الصفدي وبدر الدين الحسن بن عمر ابن حبيب المترجم قبله) في طبقات الشافعية تساهلاً، وانما اردت معرفة ترجمتهما، وكثير من أصحاب الفنون انما يذكرون في طبقات الفقهاء لمعرفة تراجمهم، وانهم منسوبون للشافعي رضي الله عنه».
3- «المعجم المختص بالمحدثين» للذهبي (ص 91)، والدر المنتخب في تاريخ حلب لابن خطيب الناصرية (الترجمة رقم 514).
4- «معجم المصطلحات والألقاب التاريخية» لمصطفى الخطيب، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1416هـ/1996م (ص 58).
5- «أعيان العصر وأعوان النصر» للصفدي (1/38).
6- «طبقات الشافعية الكبرى» للتاج السُّبْكي (10/5).
7- «تذكرة النبيه في أيام المنصور وبَنيه» لابن حبيب (3/271).
8- «الدر المنتخب في تاريخ حلب» لابن خطيب الناصرية (الترجمة رقم 514).

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved