Monday 15th July,200210882العددالأثنين 5 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

قصة قصيرة قصة قصيرة
لأني أحبك!!
فارس الهمزاني

قرر الرحيل بعد أن قرأ الرسالة.. لا يعرف أين يتجه.. ربما هناك فوق الغيوم أسفل النجوم.. المهم أن يرحل بعيداً.. لملم نفسه على عجل.. يتراقص الاضطراب في حركاته؛ ويرتبك الحوار مع نفسه في عبارات متقطعة.. تعانقه الرياح بهبوب باردة.. يتلاشى الغيم عن السماء ليسقط لوناً رمادياً مطلاً عليه برائحة الجنون.
يكره الرمادي فهو رمز الكآبة عنده.. يسير بسيارته والشمس تسطع على جبينه بحرارتها.. تقبع الرسالة على المقعد المجاور له كراكب رديف.. ينظر إليها بعيون شحاذ ينتظر الفرج.
ماذا أفعل؟
تتضارب الأفكار في عقله.. تنخر الوساوس جوف جوفه.
أين رجولتي؟ كيف تفعل هذا؟ أنا من سهر الليل، وحارب الناس، وهجر البشر بسببها..
أنا من أقسم أن الشمس لو ظهرت في الليل، وخرج في النهار سهيل، لا بديل عنها.. أنا من وطئ الشوك من أجلها.. تفعل هذا ببساطة هكذا؟ مللت البكاء المر والحزن.. مللت حياة الظلام والذل.. لم أرتكب جريمة.. لا بد أن أفعل شيئاً يثيرهم.. يقلقهم.. يبعث الحياة في نفوسهم ويحرك الراكد في عقولهم.
اتجه إلى ربيع خلفه جبال حمراء داكنة بلون الغروب.. نزل من سيارته والرسالة في قبضة يده.. تتناغم موسيقى اليأس في أذنيه.. يعج المكان برجال وفتيات.. يبتسمون جميعاً ويضحكون.. يعاتبون في دلع، وهو يسير باتجاه الجبل والعرق يتفصد من جبينه وكفيه ويطبع الرسالة بوسمه.. يستمر في التسلق ويقذف حجراً بقدمه نحو الأسفل وينظر إليه يسقط في تأمل عميق.. يطير الصبر فوق هامة الجبل.. يخيم عليه الأسود ويرتدي الأمل ثياباً داكنة.. تغني الغربان طرباً ويستعد الحزن لاستقبال ضيوفه بورود مظلمة.
أخذت ضربات قلبه تتصاعد في نشاط وهو يتلفت صاعداً الجبل حتى وصل القمة.. نظر نحو السماء، فبدت النسور فوقه كما لو كانت في انتظار وليمة طازجة.
- لن أكون وحدي بعد أن تركني وحيداً.. لن أعانق المآسي وقد ابتعدت عني فجأة.. حياتي بعدها غابة مهجورة يسكنها الألم.. يسامرها الغم.. يطربها الهم.. هي التي بدأت.. لا.. ليس شأني أو شأنها.. هم السبب.. أفكارهم الطينية حالت بيني وبينها.. هم من زيفوا الواقع بغبار الماضي.. هم من قنن العشق على أهوائهم البليدة الاحساس بعبارات عقيمة.. هم من نصبوا هذا الفخ اللعين تحت غطاء زائف سموه كذباً الحياء.. حفروا بأيديهم قبر حبي لها.. بأفعالهم قتلوا عشقي لوجودها.. يظنون أنفسهم وحدهم القادرين على معرفة الحقيقة.. لم يفرقوا بين الحقيقة والقتل.. لم ينظروا خلفهم كيف عاش الناس بحب وأمان! كيف أحب جدي جدتي! كيف، وكيف، وكيف.. لن أفتح لهم باباً بعد اليوم، ولن تكون وحدها.. سوف تجدني بجانبها ولو كنت قطعاً متناثرة تطير بها النسور إليها.. تظن إن هجرتني تطيب لي الحياة.. هيهات..
تنفس الصعداء.. نظر إلى أسفل وإلى أعلى فبدت له السماء كما لو كانت تناديه.. انطلق محلقاً يدفعه شيء ماء نحوها.. ممسكاً برسالتها في يده وهو يصرخ بقوة: «هذا لأني أحبك» وردد الفضاء صرخته، فأصابت الدهشة النسور.
مرت بالمكان فتاة هائمة، فوجدت قطعاً متناثرة من رسالة.. جمعتها مع بعضها البعض.. بدت لها الرسالة طويلة؛ دققت النظر فيما جمعته، فقرأت:
«حبيبي.. لم أستطع عن حبك صبراً.. حاولوا كثيراً، ففشلوا وفشلت في ابعادك عني؛ صدقني لم انشغل عنك لحظة واحدة ولكنهم السبب.. سئمت هذه الحياة.. أريد أن أكون حرة، وسأعيش حرة منذ اليوم.. وحيدة بعيدة عن كل البشر حتى أنت.. أرجوك لا تنسني.. احفظني في قلبك حتى نلتقي.. حيث لا ظلم.. في عالم خير من هذا».
تلفتت الفتاة حولها في صمت.. وضعت الرسالة في حقيبتها؛ وكان في المدى جمع من الناس ملتفين حول شيء لا تدري ما هو!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved