تنظر الدول النامية إلى الاستثمارات الأجنبية على أنها الحل الفعال لمعظم مشاكلها وأنها ستوفر المزيد من فرص العمل وستعمل على زيادة الدخول وعلى الارتقاء بمستوى التدريب والتأهيل وعلى نقل التقنية المتقدمة والخبرات والمهارات الإدارية اللازمة لإدارة المشروعات الناجحة إلى غير ذلك من الأمور. ولا شك أن هذا هو الوجه الحسن الذي تصور به الاستثمارات الأجنبية، وتحاول هي أن تظهر به، وهي أيضاً التغليف الذي تسوق به في الدول النامية، لكن وإن كان ما سبق يحمل في ثناياه جزءاً من الحقيقة ويوضح شيئاً من الصورة إلا أن هناك جوانب لا بد من التعرف عليها ورؤيتها بوضوح حتى تكتمل الصورة. ذلك أن الاستثمارات الأجنبية والشركات الناقلة لها لا تسير أساساً وفق مصالح الدول النامية، وإنما هي تسير وفقاً لمصالحها الذاتية أولاً ووفقاً لمصالح الدول الأم المصدرة لها، فتضارب المصالح أمر وارد بدرجة كبيرة.
والناظر إلى الصورة الكاملة سيجد انه مثلما أن هناك جوانب ايجابية للاستثمارات الأجنبية يجري تضخميها إلا أن هناك جوانب سلبية لا تقل عن الجوانب الإيجابية من حيث القيمة المطلقة لكن مع اختلاف الإشارة. ولعل من أبرز السلبيات المصاحبة للاستثمارات الأجنبية الهيمنة التي يتوقع أن تفرضها على الأنشطة الاقتصادية الحيوية، فالمتوقع أن تسعى إلى توجيه هذه الأنشطة لخدمة مصالحها ومصالح الدول القادمة منها إذ أن هذا الأمر هو الحافز لها على القدوم. والأمثلة كثيرة منها أن العلاقات التجارية لهذه الاستثمارات مع العالم الخارجي تدار بعقلية الشركات الأجنبية وبتوجيهات الدول القادمة منها، فربما تتوقف عن تصدير سلعة معينة إلى دولة ما بسبب وجود خلاف بين هذه الدولة والدولة الأم للاستثمارات الأجنبية، وربما قامت بالتصدير إلى دولة أو الاستيراد منها على الرغم من ممانعة الدولة المستضيفة. وعلى الصعيد المحلي تؤدي السيطرة الأجنبية على الأنشطة الاقتصادية الحيوية إلى فرض الهيمنة بشكل أو بآخر على العديد من الأنشطة الاقتصادية المحلية المساندة والتي تكونت بالدرجة الأولى نتيجة لوجود الاستثمارات الأجنبية فتكون بذلك قد أوجدت لها قوى ضغط محلية تحمي مصالحها وتنطلق في ذلك من منطلقات وطنية. وإذا كانت الاستثمارات الأجنبية تشكل في نظر البعض صورة جديدة من صور الهيمنة الأجنبية فإن آخرين يرون فيها شكلاً من أشكال الاستغلال للدول الأقل نمواً، وذلك عن طريق استغلال العمل الرخيص والاستحواذ على المهارات والقدرات الإدارية والفنية المحلية القليلة واحتكارها والحصول على المواد الأولية والخام بأسعار متدنية والاستفادة من تدابير حماية البيئة المتواضعة ومن تدني مستوى الرقابة على الإلتزام بها.
ولعل من المناسب هنا الإشارة إلى أن من أهداف الشركات المتعددة الجنسيات والتي تنتقل عبرها الاستثمارات الأجنبية هو العمل على توفير المواد الخام والأولية لمصانعها الموجودة في الدول المتقدمة بأسعار متدنية وبشكل منتظم، ويأتي تحقيق هذا الهدف عن طريق الاستثمار في قطاع التعدين والمواد الخام والأولية في الدول النامية.
(*)قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود |