Tuesday 16th July,200210883العددالثلاثاء 6 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الاهتمام بالفصحى الاهتمام بالفصحى
د.عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف

من أبرز صفات رجل التربية والتعليم الحرص الشديد على إتقان قواعد اللغة العربية التي هي من أهم المهمات، إذ إن إيصال المعلومات الصحيحة وحَلَّ المعاني وفهم المعضلات لا تتم بدون إتقان هذا الفنِ خاصة من قبل رجال التربية والتعليم ولذا أحَسْنَ القائل:


ومن رامَ العلومَ بغيرِ نحوٍ
كعِنّينٍ يُعالجُ فَضَّ بِكرِ

وقال آخر وأجاد:


لو يَعْلَمُ الطيرُ ما في النحوِ من شرفٍ
حَنّتْ وأنَّتْ اليه بالمناقيرِ
إنّ الكلام بلا نحوٍ يماثلُهُ
نَبْحُ الكلابِ وأصواتُ السنانيرِ

وإذا كان الإعرابُ فرع إدراك المعنى فإن اللَّحن َولاشك دليل واضح وأكيد على جهل المعنى، ولاشك أن علم النحو صعب في أوله لكنه عَذْبٌ وسهل في آخره، ولذا قيل: علم النحو بابٌ من حديد، لكنه في الأعم الأغلبب سهل الدخول منه وذلك لمن أراد وتعب على حد قول القائل:


أَخْلِقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومُدْمِنِ القَرْع ِ للأبوابِ أن يَلِجا

ولقد أجاد من قال:


النحو يبسط من لسان الأْلكَنِ
والمرء تكرمه إذا لم يلحنٍ
فإذا طلبت من العلوم أجلّها
فأجلُّها منها مقيمُ الألسن

ولما سمع صلى الله عليه وسلم من يلحن في كلامه قال: «أرشدوا أخاكم فقد ضَلّ»، وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعلم اللغة العربية حيث يقول: «تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة»، وفعلاً فإن النطق الصحيح يزيد في قيمة الرجل ويجعل له ولكلامه قيمة ومعنى وخاصة رجل التربية والتعليم، وعندما سمع عمر رضي الله عنه رجلا يتكلم في الطواف باللغة الفارسية أخذ بِعَضُدِه وقال له: «ابتغِ إلى اللغة العربية سبيلاً» وقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه «لأن أقرأ وأُسْقِطَ أحبُّ إليَّ من أن أقرأَ وألَحن».
وقال عبدالملك بن مروان: «اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب والجدري في الوجه»، وقيل له يوماً: «عجل اليك الشيب فقال شيبني ارتقاء المنابر وتَوَقُّعُ اللحن» وقال عبدالملك بن مروان: «الإعراب جمال للوضيع واللحنُ هُجْنَةٌ على الشريف» ويقال: إن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لما لحن رجل بجانبه قال له: «إما أن تنحّى عنا وإما أن نتنحّى عنك» وقال أبان بن عثمان: «اللحن في الرجل السوي كالتغيير في الثوب الجديد» وقال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: «تعلموا الفرائض واللحن: أي اللغة والنحو فإنه من دينكم»، وأوصى بعضُ العرب بنيه فقال: «يا بَنيّ أصلحوا ألسنتكم فإن الرجل تنوبه النائبةُ فيتجمّل وفيها فيستعير من أخيه دابتَه ومن صديقه ثوبه ولا يجد من يُعيره لسانَه، وعن نفطويه عن أحمد بن يحيى:


إما تريني وأثوابي مقاربةٌ
ليست بخزٍّ ولا من حُرِّ كِتَّانِ
فإن في المجد هِماتي وفي لُغتي
عُلويةٌ ولساني غيرُ لَحّاَنِ

إن علم اللغة العربية زينةٌ وكمال وجمال وعون على حسن الأداء وهو علم شريف موصل إلى صواب النطق والخلوص من اللحن والمعيب يُقيم خطأ اللسان وزيْفَهُ الموجب للبراعة وجودة الإبلاغ المؤدية إلى محمود الإفصاح وصدقِ الموجب للبراعة وجودة الإبلاغ المؤدية إلى محمود الإفصاح وصدق العبارة عما تُجِنُّهُ النفوس ويكنُّه الضمير وما الإنسان بدون اللسان الفصيح السليم من المعايب والمثالب؟
وقد قيل: «المرء مخبوء تحت لسانه»، والإنسان شطران: لسانٌ وجنَانٌ ولقد أحسن القائل:


لسان الفتى نصفٌ ونصف فؤادُهُ
فلم يبقَ إلا صورة اللَّحمِ والدَّمِ

قال شعبة: «تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل، وجمال الرجل فصاحة لسانه».
ومعلوم بداهة أن من يكتب أو يخطب أو يتحدث مع غيره محتاج جدا إلى التوسع في علوم اللغة العربية لئلا يقع في أخطاء تجعله في حرج مع من يُخاطب ويكون مثاراً للقيل والقال والسخرية والاشمئزاز.
إن اللّحن الشنيعَ يُذهبُ هيبة صَاحبه ويقلل منه ومن كلامه ولما عَرّفَ النحويون الكلام قالوا: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع العربي فائدة يحسن السكوت عليها. فهذه قيود وحدود أربعة متى وجدت وجد الكلام النحوي المطلوب، وحيث انتفت كُلُّها أو انتفى واحد منها انتفى الكلام النحوي. وقيل لأعرابي: «كيف أهلِك بكسر اللام قال الأعرابي: صلباً» لأنه أجابه على فهمه ولم يعلم أنه أراد المسألة عن أهله وعياله. وهذا يعطي الدليل الأكيد على أن العربي يهتم بصناعة الكلام أكثر من غيره فالكلمة عنده أقوى سلاح ومن ثم جاء اهتمامه بالبلاغة والفصاحة وصحة النطق وسلامة التعبير وقوة التأثير ولقد أيد الإسلام ذلك من غير تكلُّفٍ ولا شططٍ قال تعالى: {فّأّعًرٌضً عّنًهٍمً وّعٌظًهٍمً وّقٍل لَّهٍمً فٌي أّنفٍسٌهٌمً قّوًلاْ بّلٌيغْا} إنه بهذا يُصَوِّرُ الكلام المؤثر فالكلام البليغ يقع في النفوس كُلَّ موقع ويستقر مباشرة في القلوب إذا جَمَعَ صاحبه سلاسة طبع وبراعة مَنْزَعٍ وإيجازَ مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معانٍ وقلة تكلف، إن الكاتب والمتحدث والخطيب يريد نقل أفكاره إلى الآخرين ولُغتُه أهَمُّ وسيلةٍ لنقل هذه الأفكار إلى من يريد.
والقارىء والسامع ونحوهم كلُّهم يحبون البيان والطلاقة وصحة النطق وجمال التعبير وجودة التأثير والتجيير والبلاغة، كما يكرهون اللحن والسلاطة والهذر والتكلف، والإسهاب والإكثار بدون معنى ولا حاجة، قال البُعَيْثُ الشاعر وكان خطيبا مُفوَّهاً «إني والله ما أرسل الكلام قضيباً خشيباً، وما أريد أن أخطب يوم الحفل إلا بالبائت المحكَّك، والخشيب الذي لم يُحْكم ولم يُجوّد، إن العرب كانوا يهتمون بالخطابة وإذا نبغ فيهم خطيبٌ فرحوا به كالشاعر مثلاً وكانت الخطابةُ فناً من فنونهم ومع ذلك لا يقوم بها إلا من يجيدها أما الآن ومع تغير الزمن فالكل خطيب سواءً أجاد أو صك الآذان وأغثى النفوس بالكلام الملحون الفج السمج غير المعد لكثرة المناسبات وارتباط الخطابة بالمركز أو المنصب أو الوظيفة فصَعِدَ المنبر أحيانا غيرُ أهله وكان الله في عون السامع أو المستمع سواء كان ذلك في بعض خطب الجُمَع أو الأعياد أو المناسبات والذي أودُّ قوْله هنا إن على الخطيب أن يعد نفسه أولاً إن كان قادرا على ذلك أو ينيب غيره ورحم الله امرأً عَرَفَ قدر نفسه أو يستعين بغيره إن أراد الحديث بنفسه كتابة ونطقاً وضبطاً لأواخر الكلمات، وعلى رجال التربية والتعليم في ذلك واجبٌ أكبر توْعيةً وإعداداً واستعداداً ولقد أحسن القائل وأجاد:


إذا لم تستطع شيئا فَدَعْهُ
وجَاوِزْهُ إلى ما تستطيعُ

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved