Wednesday 28th August,200210926العددالاربعاء 19 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الجوف جوف الدنيا.. وبلد الزيتون6/5 الجوف جوف الدنيا.. وبلد الزيتون6/5
سكاكا و4000 سنة من نبض عراقة التاريخ
بساتينها الخضراء تستهوي أمراء القرون الوسطى
«أحياء» تسير على السفلتة المؤقتة وتنتظر التطوير - الصحة التعليم الجامعي حلمان ينتظر تحقيقهما

  حلقات يكتبها: إبراهيم بن موسى الحميد
في مدن الجوف نستطللع المشهد العام لتلك المدن التي يحتفظ لها التاريخ عمراً متخماً بنبض الحياة على مر العصور الغابرة.
اليوم نستضيفكم في سكاكا.. ننقل لكم شيئاً من تاريخها وعن الحاضر نستعرض أحياءها وما يتمنى تحقيقه سكانها من مطالب نضعها بدورنا على طاولة المسؤولين.
سكاكا والتاريخ
تعتبر مدينة سكاكا من المناطق القليلة في المملكة التي يكسوها اللون الأخضر وتغطيها غابات النخيل بقاماتها السامقة التي ترتفع حتى على المباني التي غزت سكاكا على حين غرة احيائها القديمة منذ عدة عقود..
لا توجد احصائيات دقيقة عن عدد النخيل في سكاكا الا انها لا تقل عن نصف مليون نخلة تلون سكاكا بذوائبها الخضراء التي تعلو هاماتها في افق المدينة لتجعلها «المدينة الخضراء».
في سكاكا تعيش التاريخ وأنت تتربع على حافة القرن الحادي والعشرين، قدم المدينة وعراقتها تؤكده تلك القلاع والحصون المشيدة بالحجر وتلك القصور الأخرى المشيدة بالطين إضافة إلى عشرات النقوش والآثار المحيطة بها من كل الجهات.
لقد امتزج العرق والشقاء ببناء كل قلعة او قصر قديم في سكاكا.. وربما تناهى لسمعك وانت تدلف إلى أحد القصور اصوات العونات والبنائين ذي الشكائم القوية الذين قاسوا شظف العيش في الأيام الخالية للمساهمة في تجهيز بناء، وربما تسمع تلك الأصوات تتناهى «بالعونة» لدى دخولك إلى إحدى الحقول القديمة لبساتين النخيل المنتشرة في أرجاء المدينة لسحب نخلة كبيرة لغرسها في بستان قريب.
كان الناس في سكاكا يبنون منازلهم كقلاع قد يلاحظ زائرها ترادفها لبساتينهم حتى ليخيل إليه انها منتجعات لأمراء من القرون الوسطى ولربما شد سمع الزائرين تلك الأصوات القادمة من أزمنة الكهوف العتيقة، اصوات خرير الماء الشحيح وغناء النساء والرجال الممزوج بالعرق.. اصوات السواني على الآبار تجر حبالها في صباحات تلك الأيام المليئة بالشقاء والمتعة في ذات الوقت..
يعود تاريخ مدينة سكاكا العاصمة الاقليمية لمنطقة الجوف إلى أكثر من اربعة آلاف سنة، وهو العمر التقريبي لأعمدة الرجاجيل التاريخية بالقرب منها كأقدم الآثار الموجودة بعد الآثار التي تعود للعصر الحجري في الشويحطية التي تعد اقدم المستوطنات البشرية في الجزيرة العربية وصولاً إلى القلاع والحصون والآثار التي تقف شامخة إلى اليوم على مشارف المدينة شاهدة على التاريخ العريق الذي كانت تتمتع به هذه المدينة التي قاومت على مدى السنين والأعوام الظروف القاسية التي جعلتها تقف واحة خضراء على مدى الأيام وسط مفترق من الصحراء العربية الممتدة من بادية الشام إلى مشارف البحر العربي جنوباً.. وقد ذكر سكاكا ياقوت الحموي في القرن الخامس الهجري مشيراً إلى أنه كان يحيط بها سور وهي مدينة عامرة.
سكاكا وحتى ظهور النفط وبالتالي المدن النفطية التي نشأت عقب انشاء الخط البترولي «التابلاين» كانت حاضرة الشمال وموئل قبائله التي كانت تقضي فيها نصف السنة بينما تقضي النصف الآخر بين العراق وبلاد الشام أما الآن فهي المدينة الخضراء التي اصبحت عاصمة للنخيل في الشمال، وعاصمة للزيتون في المملكة كلها وسلة للغذاء تمتد سهولها الخضراء لتنشر الأمن الغذائي في طول البلاد وعرضها.
تطل قلعة زعبل التاريخية اليوم بعد أن تم ترميمها وتجميل الساحات المحيطة بها وزراعتها بالزيتون والنخيل على مدينة سكاكا فتشاهدها من النفود إلى جيلان الجبال الغربية إلى مشارف قارا والطوير واللقائط فيختلط على المشاهد المنظر البديع الذي يلف المدينة، فلا يكاد يشاهد سوى اللون الأخضر الذي يمثل ذوائب نخيل الحلوة والحسينية وغيرها، وهذه من أهم المميزات التي احتفظت بها المدينة حيث ظلت البساتين الملحقة بالمنازل سمة من سمات مدينة سكاكا تنفرد بها عن غيرها من كثير من المدن.
فنون العمارة
ومن جهة الجنوب تطل قباب جامع الرحمانية اليوم شاهدة على التحديث الذي بدأ يطل على المدينة حاملاً معه فنون العمارة الاسلامية الرائعة بما يمثله الجامع وتمثله مكتبة دار الجوف للعلوم التي وجدت في هذه المدينة لتكون مكتبة رائعة لمدينة مثلها..
ومن أطراف المدينة ما زالت بقايا القصور القديمة تذكر بأصوا ت البنائين المهرة الذين قاوموا شظف الحياة فبنوا منازل وقصوراً تناسب حياتهم في الأزمان الغابرة.. كما أنها تتميز بوجودها وسط بساتين النخيل والعنب والخوخ والرمان متقاربة أحياناً فيما بينها ومتباعدة أحياناً أخرى..
لا تزال مدينة سكاكا إحدى المدن القليلة التي مازالت تتمتع بوجود بعض من عبق الماضي بوجود هذه القلاع والحصون المنتشرة فيها، بالرغم من الخطر الذي يمثله التحديث على معظمها إذ تقع في غالبها في دائرة أملاك خاصة، وتستخدم أحياناً استخدامات لا تتناسب والمكانة التاريخية والتراثية التي تمثلها.. ولابد أن نشير هنا إلى أنه بالرغم من إعلان اليونسكو لبعض المدن التاريخية كمناطق للتراث الانساني، إلا أن مواطني سكاكا يتطلعون لأن يتم الاهتمام بهذه الاماكن التاريخية للمحافظة عليها لتمثيل الماضي أمام الأجيال القادمة لتعريفهم بصورة واقعية على ماكانت عليه هذه المدينة وأهله ا في الماضي، وكم هي الأماني أن يتم تحويل احد القصور أو المنازل القديمة في سكاكا إلى متحف أو على الأقل أن تنقل ملكيته إلى إحدى الجهات المهتمة بتراث المنطقة.
سكاكا والمشاريع
سكاكا إحدى المدن التي ما زال بالامكان الافادة من تأخر بعض مشاريع التنمية فيها كمشاريع الطرق والجسور والحدائق والتخطيط العمراني والبنائي، وأمام بلدية منطقة الجوف فرصة تاريخية للاحتفال بالماضي من خلال البناء للحاضر برقة الماضي ودقة الحاضر وهندسته وفنونه، حيث ان سكاكا مازالت تتشكل كل يوم بما أن مشاريعها لم تكتمل بعد كما هي بعض المدن.. ومن المفارقات أن الناس تنتقل للعيش في الأحياء الجديدة في مدنهم إلا في سكاكا التي لم تنجح أحياؤها الجديدة في استقطاب الناس للحياة فيها لأن الأحياء القديمة ظلت تحتفل بسكانها على الدوام..
إن عجلة التحديث التي نراها في مدننا العربية طالت كل شيء إلا أن العديد من المعاني الجميلة للجمال في المدينة العربية فقدت مع طوفان التحديث، ولا اجد مبرراً اليوم للاستمرار في إغفال الجمال الذي يمثله التراث الذي لا تزال الفرصة قائمة للاحتفال به في سكاكا اليوم..
انه بالرغم من النقلة التنموية الهائلة التي خطتها مدن المملكة فالتنمية التي تحققت في مدينة سكاكا تظل دون المستوى المأمول إذا ما قارناها بتاريخ المدينة العريق وجذورها الضاربة في أعماق التاريخ الممتدة إلى عصرنا الحاضر، فمدينة سكاكا بحاجة إلى نهضة تنموية شاملة تطال كل نواحي الحياة فيها، فالتعليم الجامعي غير متوفر مما اضطر بعض الأهالي إلى ابتعاث ابنائهم كما أن قرب مياه الشرب السطحية في مدينة سكاكا من سطح الأرض ووجود آلاف حفر البيارات على مسافات غير بعيدة منها أدى إلى تسرب مياه الصرف إلى مياه الشرب وسبب بالتالي تلوثها مع أنها كانت من انقى مياه الشرب في العالم، ومواطنو سكاكا يحدوهم الأمل في تطوير مدينتهم لتواكب مدن المملكة الأخرى التي سبقتها في موكب التنمية البلدية وذلك على جميع المستويات فمدينة سكاكا تحتاج إلى إعادة نظر شاملة في مجال التخطيط من حيث التوزيع العمراني غير المتناسق، كما أن المخططات التي مضى على إنشائها خمسة عشر عاماً تعاني من عدم اكتمال بنيتها الأساسية حيث يعيش السكان بلا شبكات للمياه أو طرق معبدة وهم يشترون المياه من الوايتات منذ سكناهم في مدينة المياه منذ سنين طويلة.
  كما أن الغبار والبعوض أخذ يفتك بسكان المخططات بسبب عدم وجود السفلتة لبعض الطرق وكذلك بسبب بحيرات الصرف الصحي، كما انتشر مرض الربو بسبب الغبار الكثيف الذي يغطي سماء المخططات السكنية.. التي يقول ساكنوها أن أبناءنا قد ولدوا في بيوتنا الجديدة وأصبحت أعمارهم الآن 25 عاماً دون أن تلوح في الأفق سفلتتها أو حل مشاكل هذه الأحياء التي يبدو أن الكل قد نسيها بدون تفقد حرمت هذه الأحياء على مدار السنين الماضية من الماء إلا ذلك الذي يؤمنه الأهالي عن طريق الوايتات. وبالتالي يكبدهم مبالغ كبيرة في شرائه ومن ثم شفطه بالوايتات.
أحياء سكاكا
لابد وأن يدرك أي ضيف أو زائر حجم الحاجة إلى العمل لاحياء البعد المدني والتخطيطي لمدينة سكاكا، فبالرغم من أن كل المقومات التي تتمتع بها المدينة تشير إلى إمكانية بناء مدينة تكون من أجمل مدن المملكة بسبب توافر كافة العناصر المكونة لذلك حتي تستطيع أن تكون مدينة حضارية كغيرها فالشوارع ظلت على حالها والسفلتة المؤقتة هي السائدة ونمط العمران لم يطرأ عليه أي تغيير طوال سنوات عديدة.
المخطط القديم
ظل المخطط القديم أفضل احياء سكاكا من حيث حصوله على السفلتة والانارة في وقت مبكر إلا أن الحي أصبح متقادماً الآن، ويعاني من اهتراء سفلتته وانتهاء صلاحيتها، كما يعاني من مشاكل تدفق السيول والأمطار في الشتاء، وعدم وجود قنوات لتصريف المياه إضافة إلى ضيق الشوارع واكتظاظها.
المخططات السكنية
بقيت المخططات السكنية تعاني من عدم سفلتة شوارعها و تنظيمها وافتقارها إلى خدمات الماء والصرف الصحي والتشجير والمرافق، ولا تزال معظم أحياء المخططات السكنية القديمة والجديدة بلا سفلتة او خدمات منذ سنوات طويلة، وهي بحاجة إلى التفاتة صادقة ومسؤولة لحل المشاكل الكثيرة التي تعاني منها.
الطوير
بالرغم من الأهمية التاريخية والسكانية للطوير إلا أنه لم يتم تخطيطه تخطيطاً يتلاءم والأهمية التاريخية له حيث يضم حي لقطة التاريخي الذي يعود لعهد الأسكندر، ويحتاج إلى فتح الشوارع وسفلتتها وتنظيمها.
قارا
تعتبر قارا إحدى أقدم أحياء مدينة سكاكا وواحاتها الجميلة التي تتميز بنخيلها بساتينها الغناء، إلا أن قارا ظلت تعاني من الإهمال لسنوات طويلة إذ إن معظم شوارعها غير معبدة وغير منظمة، وقد شق معظمها وفقاً لعشوائية المدن القديمة كما انها بحاجة إلى تطوير مركزها الصحي وتحويله إلي مستشفى يخدمها وما حولها من الأحياء التي يربو سكانها على 20 ألف نسمة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved