Sunday 1st September,200210930العددالأحد 23 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

آمال وطموحات أم استمرار في الاخفاقات آمال وطموحات أم استمرار في الاخفاقات
الواقع والمأمول من مؤتمر القمة العالمي حول التنمية المستدامة
د. فهمي حسن أمين العلي

قد يرى البعض في مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة المنعقد الآن في جوهانسبرج في جنوب أفريقيا ان هناك تحولا عن حماية البيئة والالتزام السياسي بها كهدف من قبل حكومات العالم والمنظمات الدولية وذلك بتكثيف الاتجاه نحو التنمية. وان كان مؤتمر ستكهولم (1972م) قد عنى بالبيئة الإنسانية ووضع الخطوط الرئيسية للنهج العالمي ومفاهيم الواقع البيئي والعلاقة بين البيئة وقضايا التنمية، وجاء مؤتمر (1992م) ليؤكد العلاقة العضوية بين حماية البيئة وتحقيق التنمية، فها هي أنظار العالم تتجه اليوم إلى جوهانسبرج وإلى قمة بعنوان جديد هو التنمية المستدامة فما هو مصير البيئة في هذا المحفل العالمي الكبير الذي سيشارك فيه عشرات الألوف من رؤساء الدول والحكومات وأعضاء الوفود الوطنية وقيادات من المنظمات غير الحكومية وقطاع الأعمال التجارية، هذا بالإضافة إلى المسؤولين عن البيئة والتخطيط والطاقة وغيرها؟؟ قد كان هذا سؤالاً وهاجساً طرحه صاحب السمو الأمير فهد بن عبدالله آل سعود مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام لشؤون الطيران المدني في المملكة العربية السعودية والرئيس التنفيذي لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة على منتدى عمان الدولي للبيئة والتنمية المستدامة الذي عقد في سلطنة عُمان في الفترة من 22- 24/12/2002م في إطار التحضير لهذه القمة ولكن د.محمد يوسف عبدالرحيم المدير والممثل الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة لبيئة مكتب غرب آسيا أجاب بأن البيئة لم تختف بل أصبحت الإطار العام الذي يرسم الحد الأقصى للتنمية وقد تحول مفهوم البيئة من كونه غاية نبيلة كالأخلاق الحميدة إلى التطبيق العملي كجزء لايتجزأ من مسعى الإنسان نحو التنمية على أساس قابلة للاستدامة وقد تكون هذه القمة منعطفاً جديداً نحو التحديات التي يواجهها العالم حيال الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية والتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي والتي تشكل مجتمعة المعادلة الصعبة في التنمية المستدامة. إن هذا الإدراك في الواقع هو تحول نوعي وهام في فكر البشرية، فلقد كانت التنمية في السابق مبنية على عدم محدودية الموارد. وكان هذا صحيحاً في تلك العقود عندما كان عدد السكان أقل بكثير عما نحن عليه الآن وأساليب التنمية أكثر التصاقاً بالمجتمع المحلي أو الوطني.
أما اليوم وقد انطلقت التنمية من عقالها بفعل العولمة وثورة المعلومات فقد أصبح العامل الذي تعتمد عليه معادلة النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية هو البيئة (الحدود الممكن العمل من خلالها بالنسبة لوفرة الموارد ونوع وحجم المخلفات التي يمكن استيعابها دون تدمير للبيئة الأساسية التي يقوم عليها التوازن البيئي على كوكب الأرض).
ومن هذا المنطلق فإنه يجب ألا ينزعج البيئيون عند عدم رؤية كلمة البيئة في عنوان القمة، إذ إنها في المكان الصحيح ولاتزال - جزء لايتجزأ من التنمية ومكون أساسي لها بجانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
والآن تتجه أنظار العالم والبيئيون بشكل خاص نحو جوهانسبرج متطلعة إلى ان يجد المجتمع الدولي بكل منظماته الأهلية والحكومية منعطفاً لإنقاذ هذا الكوكب من الأعباء التي أنهكت كاهله ولعلها ان تجد الحلول المناسبة للأخطار التي تهدده في ظل تنمية مستدامة تهدف لتحسين ظروف المعيشة لجميع سكان العالم من دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى مايتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل ولكن هذا يتطلب تضحيات قد تكون أحياناً قاسية على كل دول العالم سواء المتقدمة أو النامية. إن معظم القضايا البيئية ذات الأولوية في ختام القرن العشرين هي القضايا البيئية نفسها المطروحة مع بداية القرن الجديد، وإن اختلفت حدتها وترتيب أولويتها. وتضم هذه القضايا: ندرة المياه وتدني نوعيتها، محدودية الأرض، التصحر، التأثير البيئي لتزايد إنتاج الطاقة واستهلاكها، تلوث المناطق الساحلية، فقد الغابات، الاستهلاك غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية، تدهور بيئة المدن والنفايات الصلبة والسائلة وكذلك النفايات الخطرة.
تعد قضية ندرة المياه ونوعيتها من أهم القضايا البيئية في المنطقة العربية، خصوصاً مع التزايد المطرد في الطلب عليها، المصاحب لزيادة السكان والنشاطات التنموية من صناعة وزراعة وسياحة وغيرها. وتقدر الموارد المائية المتجددة المتاحة في الوطن العربي بنحو 265 بليون متر مكعب في السنة، ويقدر متوسط نصيب الفرد بحوالي 977 متراً مكعباً في السنة. والمتوقع ان يتناقص هذا النصيب إلى نحو 500 متر مكعب في السنة في معظم دول المنطقة بحلول سنة 2025، علماً ان نحو نصف هذه المياه ينبع من مصادر خارج الوطن العربي، كما أن هذه الموارد غير مستغلة بكاملها بل يتم استغلال نحو 68% منها فقط، وتتفاوت درجات الاستغلال بين دول المنطقة.
وتشير التوقعات إلى زيادة حدة مشكلة المياه في المنطقة، خصوصاً إذا لم تتخذ الاجراءات المناسبة من وضع استراتيجيات وسياسات مناسبة لإدارة المياه وبقاء ظروف مصادر المياه واستثماراتها كما هي عليه.
وبالنسبة إلى مصادر الأراضي، فإن المنطقة العربية تعاني من ندرة الأراضي أيضاً، حيث إن 8 ،54% من مساحتها تعد أراضي خالية وتمثل المراعي 8 ،26% والأراضي القابلة للزراعة 5 ،14% والغابات حوالي 9 ،3% وتمثل الأراضي المزروعة حوالي 29% من مساحة الأراضي القابلة للزراعة أو حوالي 2 ،4% من إجمالي مساحة المنطقة العربية.
أما غابات المنطقة، والتي تمثل حوالي 9 ،3% من إجمالي مساحة الوطن العربي، فإن أكثر من 80% منها يقع في السودان والجزائر والمغرب. وهناك دول مثل البحرين ومصر والكويت وقطر لاتملك أي غابات وتعتمد على التشجير.
وتتعرض غابات المنطقة إلى ضغوط متزايدة وتفقد 59 ،1% بمعدل سنوي. وتعد إعادة زراعة الغابات الطريق الفعال لتعويض الفقد، غير ان معدل التشجير وزراعة الغابات لا يوازيان معدلات الفقد، فضلاً عن ان إعادة زراعة الغابات لايعوض الفقد الذي يحدث فعلا في التنوع البيولوجي الذي تضمه الغابات الأصلية.
وتكتسب المنطقة الساحلية البحرية أهمية خاصة في المنطقة العربية نظراً لأن كل دول المنطقة على ثلاثة بحار رئيسية هي البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج.
وتتزايد الأنشطة الاقتصادية في المناطق الساحلية، وخاصة التوسع العمراني والصناعي. وتعيش نسبة كبيرة من السكان قرب الشواطئ حيث تتراوح من 40% إلى 50% بالنسبة لمناطق البحر المتوسط ومن 8% إلى 94% لمناطق الخليج، بينما تصل هذه النسبة إلى حوالي 3 ،4% في مناطق البحر الأحمر.ويهدد التلوث البترولي المناطق البحرية في الدول العربية، خصوصاً الخليج والبحر الأحمر، بينما تتزايد نسبة التلوث بالعناصر الثقيلة في البحر المتوسط. كما بدأت الآثار السلبية لتراكم العناصر المغذية (eutrophication) تظهر في بحار المنطقة وفي الخليج العربي.وبينما تقدم السياحة والصيد والبترول أهم ثروات المناطق الساحلية والبحرية، فهي تمثل أيضاً الضغوط الرئيسية على بيئتها.ويعد البحر المتوسط الأكثر تلوثا، بينما تتزايد الضغوط على البحر الأحمر. ويهدد ارتفاع مستوى سطح البحر بعض المناطق على سواحل المتوسط وعلى وجه الخصوص دلتا النيل.
أما دور المنطقة في انبعاثات الاحتباس الحراري فما زالت متواضعة نسبيا إذا ماقورنت بالدول الصناعية والدول ذات الاقتصاديات الانتقالية. فعلى سبيل المثال، لا تزيد انبعاثات المنطقة من ثاني أكسيد الكربون عن 4% من إجمال الانبعاثات العالمية.
إن إحدى المشاكل الرئيسية بالنسبة للمنطقة هي تلوث هواء المدن نتيجة حرق الطاقة التي تزايد إنتاجها بشكل ملحوظ، كما تساهم الصناعة والنقل بدرجة كبيرة في هذا التلوث.
وفي الوقت الذي ينظر الكثيرون فيه إلى هذه القمة كفرصة غالية للمراجعة والتصحيح واتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ التعهدات والالتزامات وتعزيز التعاون الدولي للتصدي لتحديات في كل جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والتي تؤثر بدورها سلبا أو إيجاباً على البيئة إلا ان هناك آخرين ينظرون إليها بأن قد تأتي نتائجها ومخرجاتها بما لا تشتهيه السفن أي قد لاتحقق القمة النجاح المؤقت الذي حققته قمة الأرض الأولى في ريدو جانيرو (1992م) والتي كانت فيها الظروف أكثر ملائمة للتعاون والدعم والمشاركة البيئية الدولية ولكن هذه القمة تأتي في ظروف مختلفة وتحديات متسارعة في ظروف مختلفة تزداد فيها معدلات الفقر والمجاعات والكوارث البيئية بالإضافة إلى غياب مشاركة فاعلة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تلعب مواقفها دورا هاما في التعجيل أو التباطؤ أو عدم الأخذ بالكلية وتجاهل ما سيصدر عن هذه القمة من قرارات وبالذات مايتعلق بالاتفاقيات الدولية ذات العلاقة المباشرة بالبيئة مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيير المناخ وبروتوكول كيوتو - وتركيز الاهتمام حول الإرهاب والعولمة والقضايا الأخرى، هذا بالإضافة إلى ان الولايات المتحدة الأمريكية قد تطالب المؤتمر بعدم تبنّي أية اجراءات دولية ملزمة قد تجعل الدول النامية قادرة على محاسبة الدول المتقدمة في حال عدم التزامها.
وإعداداً لهذا الحدث العالمي فإن جامعة الدول العربية بالتعاون والتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبعض المنظمات العربية والإقليمية والدولية ذات العلاقة عملت جاهدة ومن خلال سلسلة اجتماعات لفرق العمل الفنية والمنتديات والاجتماعات الوزارية المشتركة لوزراء البيئة والاقتصاد والتخطيط والنفط تم إعداد تقرير يوضح ما تم تنفيذه من جدول أعمال القرن الحادي والعشرين في مختلف مجالات الحياة، وبيان المعوقات والتحديات ورسم الاستراتيجيات وتحديد الأهداف والأولويات للعمل المشترك، وتقديم الرؤية العربية للإطار العام للتعاون الدولي وآلية تحقيق ذلك من خلال برنامج عمل مكثف استهدف الخروج برؤية مشتركة وواضحة إزاء القضايا المطروحة على القمة حيث ناشد العرب القمة لتحقيق مايلي:
1- تحديد مجموعة من الأهداف القابلة للتنفيذ خلال السنوات العشر القادمة، مع تحديد واضح للكلفة الاجمالية لكل منها وما تستطيع الدول على اختلاف مستوياتها الإنمائية ان تشارك به في تحقيق تلك الأهداف.
2- توفير الموارد المالية لتحقيق التنمية المستدامة وزيادة المعونة الرسمية المقدمة للدول النامية.
3- زيادة موارد مرفق البيئة العالمي GEF باعتباره آلية هامة لتمويل الأنشطة الخاصة بالبيئة.
4- إقامة نظام عالمي للحفاظ على الأمن والسلام في إطار من العدالة.
وأخيراً كان إعلان جدة والذي خرج عن اجتماع المؤتمر الأول لوزراء البيئة في الدول الإسلامية، وثيقة أساسية تقدم للمؤتمر لتوضح بأن الإسلام بقواعده وتشريعاته قد سبق الأطروحات الحالية لحماية البيئة والموارد الطبيعية ومعالجة القضايا الاجتماعية والإنسانية وفي مقدمتها الفقر بأكثر من أربعة عشر قرناً.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved