تعتبر الملتقيات الإسلامية جزءاً لا يتجزأ من الحياة الإسلامية في مجتمعات الأقليات المسلمة، وخصوصاً في أفريقيا، وقد جاءت تلك الملتقيات عن حاجة أوجدتها ظروف تلك الأقليات، وتلقت كل الدعم والترحاب والمؤازرة من قبل المخلصين من أبناء الأمة، وخصوصاً في بلاد الحرمين الشريفين، وعلى مختلف المستويات، وكانت النتيجة أن تتابعت الملتقيات خيراً وعطاءً بفضل الله، وكل ملتقى يرفد سابقه، ويشد أزر لاحقه، بسلسلة بديعة رائعة لا تبتغي هدفاً إلا وجه الله سبحانه.
بالأمس اتطلقت بمشيئة الله فعاليات ملتقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الإسلامي الثقافي السادس تحت عنوان: «الدعوة الإسلامية في أفريقيا ومؤسساتها الخصائص الواقع، التطوير»، وذلك في جوهانسبيرغ جنوب أفريقيا.
وبعيداً عن كل البهرجة الإعلامية، والوصف التقليدي لذلك الملتقى المرتقب، فإننا سنعرج على مضمونه، فهو المعبر الحقيقي عن وضوح صورة ذلك الملتقى، والمضمون بما يشتمل عليه من ثمار اقترب ينعها، هو بحد ذاته ثمرة لما سبقه من تجارب وملتقيات، وثمرة لجهود مباركة من أناس مخلصين لقضية الدعوة، والعمل الإسلامي الصحيح، وثمرة لكل فعل طيب يهدف لخدمة دين الله في أرض الله.
فالملتقى بحد ذاته ليس غاية، وإنما هو أسلوب ووسيلة دعوية تستجمع القوى، وتستنهض الطاقات، وتبث فيها حياة جديدة، وقد عرف القائمون على أمر الملتقى هذه الحقيقة الصريحة الواضحة، وأولوها كل عناية ورعاية، فكانت الجلسات والمحاور منتقاة بدقة، وبغاية التمحيص، وروعة الاختيار، وكان المدعوون على المستوى الذي يفيد أكثر قدر المستطاع، وكان التنويع متناسباً مع تنوع الإشكاليات التي تتعرض لها الأمة ككل وبخاصة أبناء الأقليات بسبب طبيعة وجودهم هناك، وما يخلقه العصر من تحديات أمامهم توجب وضع الحلول المناسبة شرعاً والسهلة تطبيقاً، بما يقدمه الشرع الحنيف من أصول وقواعد تناسب كل زمان ومكان.
فمن خلال خمسة محاور يشتمل عليها الملتقى، سيتم تدارس تلك القضايا والأمور وخاصة المستجدة منها بشكل عميق، وتمحيص يناسب حجم التحدي بإذن الله، المحور الأول خصص لأسس الدعوة الإسلامية، وهي لب الموضوع، ولذلك انطلق الملتقى منها، وسيبحث هذا المحور في الأسس العقدية والأسس العلمية بمعنى مصادر التلقي والأسس العملية وما تشمل عليه من مقاصد ووسائل.
المحور الثاني سيكون بإذن الله مخصصاً للخصائص المؤثرة في الدعوة في أفريقيا ويشتمل هذا المحور على ثلاثة فروع، فالفرع الأول يركز على الخصائص التاريخية والعمق التاريخي للدعوة في أفريقيا، والثاني يركز على الخصائص البيئية والبشرية من جغرافيا وسكان ولغات وقوميات وأقليات واقتصاد وصحة، والثالث يبحث في الخصائص الدينية والثقافية من جهة وجود الوثنية والتنصير والعلمانية والفرق المنحرفة.
ثالث المحاور يختص بمستقبل الدعوة الإسلامية في أفريقيا وتطويره، وسيتوزع على ثلاثة فروع، أولها يركز على التطوير الإداري والتنظيمي للمؤسسات الدعوية، وثانيها يختص بتطوير الوسائل الدعوية والتعليمية وثالثها يتعلق بتطوير الطاقات البشرية.
أما رابع المحاور فيتعلق بالتنسيق والتعاون بين المؤسسات الإسلامية في أفريقيا، وفروعه تبحث في أهمية التنسيق وآثاره، وفي مجالاته وأهمية التخصص له، وفي العقبات والحلول، واستعراض بعض التجارب الناجحة في هذا المجال.
المحور الخامس والأخير خصص في هذا الملتقى للمؤسسات الخيرية الدعوية العاملة في أفريقيا، ومن خلاله سيتم إن شاء الله استعراض بعض النماذج للمؤسسات الخيرية.
سيرافق الملتقى ثلاث ندوات، الأولى تتعلق بمعوقات العمل الدعوي في أفريقيا وحلولها، وستبحث في المعوقات الإدارية والمالية والعلمية والبيئية، والندوة الثانية تبحث في أثر الدعوة في مكافحة الإرهاب، هذا الموضوع الذي يشغل بال الكرة الأرضية. وتتطرق الندوة في مدخلها لتعريف مصطلح الإرهاب وبيان المصطلحات الشرعية في هذا الشأن ومعالجة مشكلة الإرهاب من خلال نصوص الكتاب والسنة وبيان أن دعوة أهل السنة والجماعة هي الأمر الوسط، وثالثة الندوات تتعلق بالإفتاء من ناحية بيان أهميته وضوابطه وآدابه، وخصائص الإفتاء في القارة الأفريقية وأبرز العقبات التي تعترضه، وجهود المنظمات والمؤسسات الإسلامية في رعاية شؤون الإفتاء في أفريقيا وتطويرها.
كما سترافق فعاليات ملتقي الخير دورتان، أولاهما ستكون حول مهارات الاتصال، والثانية تتعلق بمهارات الإدارة الدعوية الحديثة، وإعداد الخطط والبرامج، لما في ذلك من أهمية في سياق العمل الدعوي في عالمنا المعاصر.
وسيكون هناك بإذن الله معرض يردف فعاليات الملتقى، وبالطبع فإن المعرض سيكون دعوياً للتعريف بالإسلام، وإيضاح جهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، وإبراز منجزات الوزارة في ذلك، وللتعريف ببعض المؤسسات الدعوية، وعرض لبعض وسائلها في الدعوة.
أما المناشط الدعوية المصاحبة فإنها غنية وثرية بالمعنى الكامل، فهي تشتمل على إقامة خمس دورات شرعية في كل من كيب تاون، وديربان، وجوهانسبيرج، وبورت اليزابيث، وستعقد هذه الدورات بالتعاون مع بعض المراكز الإسلامية.
وكذلك ستقام مناشط دعوية في مدينة جوهانسبيرج وما حولها، تتضمن محاضرات عامة وخطب جمعة وكلمات وعظية وندوات ودورات مصغرة، وسيتم توزيع ثلاثة مستويات من المكتبات العلمية على هامش الملتقى وهي مكتبة المؤسسات والمراكز، ومكتبة الداعية، ومكتبة الأسرة.
إن هذه المناشط بما تحويه من مادة قيمة ستثري بالطبع هذا الملتقى الذي سيكون إن شاء الله الملتقى الأميز بتاريخه، وهذا ما يؤكد أن ملتقى الخير من طيب إلى أطيب ولله الحمد.
|