Friday 11th October,200210970العددالجمعة 5 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بين المرأة والرجل بين المرأة والرجل
ثمن العمر وحساب السنين
د. محمد أبو بكر حميد

في هذا العصر الذي طغت فيه القيم المادية على كل شيء، وأصبحت قيمة الإنسان في نظر بعض الناس إن لم يكن أكثر الناس. تكمن فيما يملك من أموال في البنوك أو عقار وشركات.. وقد انعكس هذا النوع من التقييم الرخيص على نظرة بعض الأسر، وعلى مواصفاتهم التي يضعونها في مقدمة بنود اختيار الزوج المناسب لابنتهم، وإذا برئت الأسرة من هذا الداء، وجدنا هذا المرض العصري قد تسلل إلى أحلام الكثير من فتياتنا المراهقات وغير المراهقات، فأصبح «الجيب العامر» هو الصفحة الأولى المطلوبة في «شريك العمر» أو على الأصح «شاري العمر» لأن الزواج يتحول في هذه الحالة إلى صفقة تبيع فيها الفتاة شبابها.
وكما هو معروف أن المال يغطي العيوب، أو كما يقول أحد فلاسفة هذا الاتجاه المادي أن المال هو الأخلاق، فلمعان النقود التي يجلس عليها العريس تعمي العين عن النظر إلى عيوبه وتدفع الكثير من الناس سواء كانت العروس نفسها أو أهلها إلى تناسيها بحجة أنها «ستضبطه» وإن الله «سيهديه» وأن «قلبه طيب» وأنه «ابن ناس» وهنا آباء وأمهات يقولون أنهم يريدون ابنتهم تعيش «في مستوى» إذا جاءت المفاضلة بين عريس يناسب سنها متوسط الحال لا يزال يشق الطريق في الصخر ليكوّن نفسه وبين عريس يكبرها بعشرين عاما مثلا جرّب الزواج مرة أو مرتين، وقد يكون البديل للعريس «المستور الحال» العريس الشاب الموعود بميراث عظيم ويملك والده شركات ومؤسسات وأموالاً، ووراء بريق هذا «الوعد» دون تفكير أو تمحيص للعريس الإنسان ونوعيته، تتم الموافقة من الأبوين أو من الفتاة أو منهما معا.
وفي كثير من الحالات نجد «الاغترار» ببريق المال باعتباره أقرب الطرق للسعادة يأتي من الفتاة نفسها، هناك فتيات متعلمات يعتقدن للأسف أن السيارة الفارهة والفيلا الواسعة والسفر كل صيف إلى لندن أو باريس مقومات أساسية للسعادة الزوجية التي ينتظرنها من شريك العمر، وأمام إغراء هذه المواصفات المادية تتم التضحية بالمواصفات الأخلاقية والدينية للزوج، ويتم التغاضي عن فارق السن إن كان كبيراً ويتم التنازل عن الحب أو بعبارة أكثر صراحة تقوم هذه الفتاة ببيع الحب في سوق رخيص!!.
إن فتاة من هذا النوع غالباً ما تصدم في حلمها إذ سرعان ما تكتشف أنها باعت شبابها وعمرها مقابل «وعد» أو «وهم» وتحدث الصدمة عندما لا يتحقق حلم من أحلامها على يد الزوج الميسور الحال، فتسكن شقة بدلا من فيلا أو لا تسافر كل سنة إلى أوروبا بل يسافر وحده كل يوم إلى كل مكان، أو لا تجد في يدها السيولة المادية التي تتوقعها، وقد لا يكون الرجل بخيلا، لكن لأنها علقت آمالها على «ماله» لا على «شخصه» أحست أنها تخسر. لقد ربطت «سعادتها» بأشياء مادية فلما لم تجدها أحست أنها تعيسة لأنها بحثت عن السعادة في خارج ذات الإنسان الذي اختارته لنفسها شريكاً في الحياة، فما ذنب الرجل وما ذنبه إذا الله أنعم عليه وهل كل متوسط الحال أفضل من ميسور الحال؟!!.
ليس عبياً ولا حراماً أن تختار الفتاة زوجاً يكبرها بسنوات كثيرة إذا ما وجدت الفتاة في مثل هذا الرجل ما يمكن أن يحقق لها السعادة معه. والمعنى هنا إذا وجدت في شخصه من الصفات والمزايا والخلق والطباع ما يقنعها به بصرف النظر عن رصيده في البنك أو المنصب الذي يشغله، لأن المال والمنصب معرضان للزوال ولن يبقى لها إلا الرجل.
وهناك نساء يعشن سعيدات مع أزواج يكبرونهن سناً لأنهن قبلن بذلك عن قناعة ذاتية بالرجل نفسه، ووجدن في كنف هؤلاء الأزواج من الحنان والحب والاهتمام ما جعلهن يعتقدن أنهن لن يجدن مثل هذه المشاعر والعواطف والرعاية لدى أزواج شباب في مثل سنهن.
وبصرف النظر عما يمكن أن يقوله علم النفس عن المرأة التي تحب رجلا يكبرها سناً أو على الأصح تتزوج رجلاً كهلاً بأنها واحدة من اثنتين، إما فتاة فقدت حنان الأبوة وعاشت بيئة قاسية أو أنها فتاة أغدق عليها أبوها الحنان والحب فلما أحست أنها ستفقده بالزواج آثرت أن يكون الزوج عوضها عنه.
ومع ذلك فإننا نجد أن كلام علم النفس لا يمكن أن ينطبق على كل حالات الزواج من الأكبر سناً إلا فيما ندر، وقد يكون الاختيار خالياً من كل هذه المؤثرات حينما تجد الفتاة في الزوج الذي يكبرها سناً حنكة الشيوخ وفتوة الشباب. بل قد تجده في تفكيره وحيويته أكثر شباباً من بعض الشباب بالفعل، ومن هنا يكون أكثر احتراماً لها ومعرفة بقدرها وأحرص الناس عليها، المهم في هذا كله أن تستمر المرأة في قناعتها الأولى به إذا كان اختيارها له منزهاً من أي مصلحة مادية، ولا تشكو بعد مضي عشرة أو عشرين عاماً من زواجها منه بأنه «كبر» أو «عجز» وتتبجح أمام الخاصة والعامة بأنها تصغر زوجها بعشرين عاماً، وأنها مسكينة دخلت عليه صبية صغيرة في مثل سن بناته إن كان تزوج من قبل.
فليس هذا من المروءة في شيء إذا كان اختيارها ولم يجبرها عليه أحد، وفي أغلب الأحوال إن هذه الشكوى لا تصدر إلا من اللاتي تزوجن على «طمع» ولم تتحقق أحلامهن، فلما يشيخ الزوج وتبدأ أوراق عمرها تتساقط تشعر بالصفقة الخاسرة التي رضيت بها نفسها.. فتهذي بمرارة عن شبابها المأسوف عليه، وعن زهرة عمرها التي دفنتها في أحضان رجل في سن أبيها، فتلك مشكلتها وليست مشكلة الرجل المخدوع الذي يعيش معها واهماً أنها تزوجته لذاته.
ليس في الدنيا أشق على الرجل الشريف من أن تُقبل عليه امرأة طمعاً في ماله وحده لأنه يشعر حينئذ أن تلك المرأة قد حددت قيمته في المبلغ الذي يحتويه رصيده فكيف إذا أصبحت هذه المرأة زوجه وشريكة عمره؟! أي بؤس سيشعر به هذا الرجل عندما يكتشف هذه الحقيقة المهولة.. خائنة وإن لم تزن تلك المرأة التي تعيش مع رجل تحت سقف واحد من أجل ماله فقط وتتحدث من خلفه بأنها أضاعت ربيع عمرها في شتاء حياته، وتتمنى ساعة الخلاص منه.. خائنة تلك التي لا تخلص لزوج يكبرها سناً اختارته بمحض إرادتها وألمت بظروفه وأحواله قبل زواجها منه فرضيت بها.
أما إذا أُجبرت أو أُكرهت أو خُدعت فذلك أمر آخر يُلتمس لها التحلل منه بالطرق الشرعية الصحيحة التي بينها ديننا الحنيف..
وتظل المرأة التي تعلم ذلك كله وتخالفه متخلفة في تفكيرها، بليدة في مشاعرها، فلا تندب شبابها إذا ولى بسبب اختيارها فقطار العمر لا ينتظر المتخلفات.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved