Friday 18th October,200210977العددالجمعة 12 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نكد الحياة نكد الحياة
د.موسى بن عيسى العويس

* أمر ما يقاسيه الإنسان، بل المجتمعات عامة في مسيرة حياتها الخاصة، سياسيا واجتماعيا وثقافيا ان تجد نفسها في فترة من فترات تاريخها، وقد أصبحت مسلوبة الإرادة، مصادرة الهوية، واهية العزيمة، محطمة القوى، محرومة الحقوق. تتنازل عن ثوابتها، وتحيد عنها حضارتها. تثنى عن تحقيق أهدافها، وتصرف عن بلوغ غاياتها، وتصد عن مناط آمالها وأمانيها.
* وتزداد الوطأة، وتشتد المعاناة، حين تنتسب الشعوب إلى أمة ذات حضارة، تمتلك أحقية الريادة، بتاريخها العريق، ومجدها التليد، وقيمها الراسخة، وأصولها الممتدة.
* هذا الشعور الطاغي، هو ماولد في الذوات التضخم، وزرع فيها عوامل الكبرياء، الذي أصبحت بعض الشعوب تجتره، وتعيش على أوهامه، ولو لم يكن له رصيد من الوقع الحاضر بل على هدي ما قاله (أحمد شوقي)، وقد أحال القارئ في (الأندلسية) إلى ذاكرة الزمن، يوم أن كانت دولة الإسلام ضاربة أطنابها في معظم أرجاء المعمورة:


لم يجر للدهر إعذار ولاعرس
إلا بأيامنا، أو في ليالينا
ولا حوى السعد أطغى في أعنته
منا جيادا، ولا أرخى ميادينا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا
ولم يهن بيد التشتيت غالينا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت
في ملكها الضخم عرشا مثل وادينا

* مؤسف ان يسري تيار العظمة، وان يتنامى هذا الشعور عند البعض، إلى حد جعل بعضنا يجرّم على صانعي القرار السياسي في البلاد العربية والإسلامية فتح قنوات الحوار مع دول غربية، يتباين رجال السياسة وطبقات المجتمع في تصنيفها من حيث العداوة والصداقة.
* الخنوع والخضوع مذلة، وبخاصة لمن خالفك دينا ومذهبا، ولكن هذا لايخول لنا بأي حال من الأحوال ان نرمي الآخرين بما هم منه براء، أو نتهمهم على غير وجه حق في مساعيهم لتحقيق السلام للمجتمعات الإنسانية، وتجنيبها ويلات الحروب، ومآسي الاختلاف.
* تقدير المصالح، ودرء المخاطر، وتباين الرؤى حول الملل والنحل والطوائف التي قدر لها أن تتعايش، طبعي أن تختلف من الحاكم إلى الفيلسوف إلى الشعب، وإلى هذا أشار أحد المؤرخين الأجانب في حيز الحديث عن الأديان يقول: (إن أنواع العبادات على اختلافها كانت سائدة في العالم الروماني. وكان الشعب يعتقدها كلها صحيحة والفلاسفة يعتقدونها كلها خرافية، والحكام يعتقدونها كلها نافعة مفيدة).
* التاريخ يشهد لنا -معشر المسلمين - بأننا دعاة سلم وحوار ومجادلة، وكيف نكرس هذا المفهوم الأخلاقي، المستمد من ديننا، إذا أصخنا الاسماع لبعض الأصوات الساذجة، وأغلقنا باب الحوار، ومسالك السلام، وجهدنا في إقناع أنفسنا، وليس الآخرين، بأن القوة هي التي تحسم المواقف، في عصر لانمتلك أسبابها المادية، بل حتى المعنوية في ظل الخواء الروحي.
* لايخالجني الشك بأن صناع القرار السياسي يمتلكون من العواطف والغيرة ما لايمتلكه المناوؤن، ويخفون في أنفسهم لأعدائهم مالايبدون، ولكن من يمتلك لهم مخرج المتنبي حين وجد نفسه منقاداً لأعدائه من غير اختيار ليقول:


ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدواً له ما من صداقته بد

ترى، هل نلتمس بعد هذا للساسة وقادة الفكر العذر في مصانعتهم ومواربتهم لمن سالمهم أو عاداهم.
(*) إدارة التعليم بمنطقة الرياض

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved