لم يأت فصل وزارة المياه عن وزارة الزراعة من فراغ، بل جاء بعد دراسات مستفيضة شاركت فيها لجان متخصصة ومنها لجان في مجلس الشورى.
ولعل قرار مجلس الوزراء قد أوضح الأسباب التي ارتكز عليها قرار الفصل، وهو يعكس في مجمله أهمية التركيز على التخصص في العمل الذي يمثل أساسا مهماً لكفاءة الأداء وحسن التشغيل، وهو ما يؤدي بالضرورة الى حسن تخصيص الموارد واستثمارها. ويمكن القول: إن هذا القرار يأتي في اطار فرقة الاصلاحات الاقتصادية التي يتم اعدادها وترتيبها واطلاقها في أروقة المجلس الاقتصادي الأعلى، الذي شكل اعلانه انطلاقة نوعية للفكر الاقتصادي التنفيذي في الاقتصاد السعودي.
ولعل ندوة مستقبل الاقتصاد السعودي التي تنظمها قريبا وزارة التخطيط بالتعاون مع البنك الدولي تكون مجالاً لإثراء وتداول الأفكار حول تفعيل هذا التوجه في الادارة الاقتصادية، باعتبار أهمية المرحلة التنموية التي يعيشها الاقتصاد السعودي بعد ان تجاوز مراحل التأسيس والبناء، وأصبح في حاجة الى لمسات تصحيحية تضعه في تناسق مع التطلعات المستقبلية.
وهناك بعض الوزارات التي تحتاج الى مثل هذه الاجراءات التصحيحية بحيث يطالها قرار الفصل والعمل على تأصيل مبدأ التخصص في العمل والتركيز عليه، والقضاء على بواطن تضارب المصالح أو التخصصات وما يمكن ان يؤديه الى خلل في العمل وتراجع في الأداء.
وليس في هذا الرأي جديد، بقدر ما هو تأكيد على طروحات علمية وعملية سابقة تجاوزت الرأي الشخصي وتمت مراجعتها وتبنيها في قنوات رسمية مثل مجلس الشورى في توصيته أو قراره بدراسة فصل الاقتصاد عن وزارة المالية والاقتصاد الوطني. وفي هذا السياق والتوجه فصل العمل عن الشؤون الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
وقد يكون هناك اتفاق عام على مبدأ الفصل، ويتراكم الاختلاف في تصورات ما بعد الفصل، هل يضم الاقتصاد الى وزارة التخطيط؟!
والى أين تذهب الشؤون الاجتماعية؟!
هذه أسئلة مشروعة، والاجابة عليها يجب ان ترتكز على دراسة شاملة تشمل اعادة هيكلة الأجهزة الحكومية كلها وفق معايير التخصص في العمل، ولعل هذا المعيار يهدينا الى مثل القرار الصائب بضم تعليم البنات الى وزارة المعارف.
هذه الطروحات بطبيعتها هي طروحات جدلية، إذ ينادي البعض بالتوسع في تطبيق مبدأ التخصص في العمل بضم التعليم الفني والتدريب المهني، وربما التعليم العالي، الى وزارة المعارف، ولكل رأي ما يدعمه، أو يناقضه، من مسببات أو أسانيد أو تطلعات، ولهذا تكون هذه الطروحات جدلية، ولكنها في مجملها طروحات ايجابية تخلق مناخا للتغيير، والتغيير سنة من سنن الحياة، ووسيلة لبلوغ الأفضل وتحقيق الاصلاح والازدهار.
خلاصة القول، هو استثمار زخم قرار الفصل والتأكيد على هذا النهج، والأخذ به في بعض الوزارات الأخرى لإعطاء مسيرة التنمية دفعة ذاتية للأمام ولنقل حركة الاصلاح الى سلم أعلى، ولعلَّ هذا هو الوقت المناسب تماماً، وهو الوقت الكافي لدراسة هذه الطروحات قبل الثالث من شهر ربيع الأول القادم.
ليس بالموارد المادية وحدها ينمو الاقتصاد ويتقدم، بل يشاركها الفكر والابداع والتنظيم وحسن الادارة في خلق مناخ النمو والتقدم، ولعل ندوة وزارة التخطيط تكون فرصة سانحة لتدارس مثل هذه الطروحات وبلورة رؤية مبدئية تقدم لأنظار أولي الأمر لتكون عوناً لهم في اتخاذ قرار يسهم في تنمية الاقتصاد السعودي، وهو هدف يسعى كل مواطن لتحقيقه، كلُّ بقدر طاقته وعلمه ووسيلته.
(*) رئيس دار الدراسات الاقتصادية- الرياض |