يحكى أنه في ذات يوم.. من ذات عام، قُرعتْ الأجراسُ وتعالت الأصواتُ في بطحاء «مدريد» إيذاناً ببدء مشوار السلام الموعود، ثم انتقلت القافلةُ بعد ذلك إلى «أوسلو» فواشنطن قبل أن تُودَعَ ثرى الإهمال في «كامب ديفيد»، ونتيجة لذلك كله، وُلدَ طيف مشوّه الألوان، بدا لنا لأول وهلة سراباً حسبْناه من فرط ظمئنا له سلاماً، وظننّا بعدئذ بفعل تفاؤلنا الساذج أو سذاجتنا المتفائلة ان الارض العربية في فلسطين التي أحرقتها الحربُ.. وأجدبتها الهزيمةُ، وظللّ سماءها ديجور القهر، ستُسقى قريباً ب«سحاب» السلام المزعوم، يطفئُ ظمأها، وتنبتُ في سهولها بفعله خمائل الأمل، وتغردُ على سفوحها حمائمُ الحب والأمن والثقة! ورغم ذلك كله، لازمني منذ حين.. وكل حين بصيصُ أملٍ مشحون بالخوف مما هو آتٍ!
***
ومضت الأيام والليالي..
فإذا الحلمُ سراب..
وإذا السرابُ غصة..
وإذا الغصةُ نعيٌ كاسحٌ للسلام.. بعد أن حلّ مجرمُ هذا العصر.. شارون و«ليكوده» في سدّة الحكم ليصبح هو وزمرتُه الظالمة رمزاً للويل والثبور وعظائم الأمور، ويدفع الشعب الفلسطيني، قيادةً ومؤسساتٍ وشعباً، الثمنَ الفادحَ المترتّب على كل ذلك!
***
واليوم.. أنعي من جديد سلاماً أمسى أملاً.. وأصبح سراباً، فأقول:
* مسكينُ السلام.. الكلّ يخطب ودّه، لكن الوصول اليه عسير جداً مادام شارون وأعوانه والذين يزّينُون له أفعاله داخل الكيان الصهيوني وخارجه يعملون ضده!.
***
* ومساكين نحن العرب!
* فقد أعطينا الكثير من أجل السلام!
* وتنازلنا عن الكثير في سبيل السلام!
وغضضْنا الطرفَ عن الكثير خدمةً للسلام!
ورغم ذلك.. ما برحتْ تشقينا اللّهفةُ بحثاً عنه!
* ويبقى هو في نفوسنا سراباً.. لا سلاماً!
***
* أمّا الإسرائيليون فإنهّم لم يعطوا سوى القليل من أجل السلام، وضنُّوا بالكثير في سبيله، ونثُروا في دروبه أشواكاً من الحيل والشروط والتحفظات قدراً يبعدنا وإيّاهم عنه، نكثُوا بالعُهود، وتنكّروا للوعود، وأحالوها تهديداً ووعيداً، وتحدُّوا الشرعية الدولية مراراً!.
***
* ومساكين الأشقّاء في فلسطين، لأن نزيف جراحهم بات اليوم أعظم من حجم صبرهم ونضالهم بحثاً عن السلام! بتْنا وباتوا معنا ضحية صلف الكبار وسلبيّة الصغار.. وشماتة.. بعض الغرباء وبعض الأقرباء أيضاً!.
* يا أيها السلام.. السراب!
* كمْ باسمك أرقْنا الحياء!
* كمْ في سبيلك بلعْنا الكبرياء!
* كم من أجلك مسّتْنا الخطوب!
* ورغم ذلك تظل أنتَ القريبَ منّا والبعيدَ في آن!
* وأخشى أن نمضي نراهنُ من أجلك.. وفي سبيلك على ما بقي لنا من شيء، فلا ندرك منك شيئاً سوى الفجيعة والهزيمة.. والمزيد المزيد من السراب!
|