البحث عن الحقيقة متاح والوصول إليها ليس صعباً، أما تبنيها فهو مطلب إنساني منذ الأزل، ووسائل تشويه الحقيقة متاحة أيضاً والقدرة على التشويه ليست صعبة، واستغلال ذلك التشويه ممكن.
لهذا فالإنسان بإرادته يمكنه أن يختار وبثقافته يمكنه أن يعرف وبحكمته يمكنه أن يتبنى.
وعلينا أن نستلهم الحقيقة من القيم الإنسانية النبيلة، وعلينا أن نستلهم الحقيقة من التعاليم الدينية العظيمة وعلينا أن نستلهم الحقيقة من الأعراف والتقاليد الحضارية المجيدة، وعلينا أن نستلهم الحقيقة من المفكرين والمنظرين ...
علينا ألا نستلهم الحقيقة من الواقع فقط، وعلينا ألا نجعل الغاية تبرر الوسيلة، وعلينا أن نغير الواقع ليطابق الحقيقة وليس العكس.
علينا أن نكون منصفين وليس واقعيين فقط، وبهذا وحده يمكن للإنسانية أن تعيش في سلام دائم ومستمر.
وعلينا أن نعترف أن هناك واقعاً من صنع الإنسان يجب على الإنسان أن يغيره ليوافق الحقيقة.
وعلينا أن نعترف أن ذلك يحتاج إلى إرادة وليس إلى تشريع فقط، والى إيمان بالعدالة وليس إلى قوانين إدارة فقط وهناك أمثلة كثيرة لهذا الواقع الإنساني المؤلم مثل الإرهاب بشتى صوره، واحتلال الأراضي، وازدواجية المعايير، وعوائق التجارة، والتسلط والهيمنة، وعدم الإنصاف، وعدم احترام حقوق الإنسان.
والإرهاب واقع مشين وعمل إجرامي غير مقبول ووسيلة دنيئة، فيا ترى ما هو مفهوم الإرهاب؟ هل هو ظاهرة أم عارض مؤقت؟ وهل هو قديم أم حديث، وهل هو يخص ديناً أو قومية أو منطقة بعينها أم لا؟
الأغلب يتفق على أن الإرهاب موجود منذ القدم، وأنه يزداد في لحظات فيصبح ظاهرة ثم يخبو مرة أخرى ليصبح عارضاً، وقد تطول المدة أو تقصر.
ونحن نؤمن بأن الإرهاب لا يخص ديناً بعينه، ولا قومية بذاتها، ولا منطقة محددة ... فهو موجود لدى كل القوميات والملل والمناطق وفي كل الأزمان.
كان الإنسان القديم يعتدي على جاره فيقتله ليستحوذ على طعامه وشرابه فكان ذلك إرهاباً،، وكانت إحدى القبائل تغزو قبيلة أخرى وهي آمنة مطمئنة فتقتل وتسبي وتنهب فكان ذلك إرهاباً، وكانت جماعات تتجمع فتقتل الآمنين في أوطانهم وتشرد البعض الآخر وتحتل أرضهم فكان ذلك إرهاباً. حدث ذلك في مناطق متعددة من العالم وبين قوميات مختلفة وداخل القومية ذاتها، وحدث ذلك بين أصحاب معتقدات متباينة وبين أصحاب معتقد واحد ولم تسلم من ذلك منطقة أو قومية أو ملة.
وفي عصرنا الحاضر طور الإنسان وسائل تقنيته وحسن سبل معيشته فوصل إلى سطح القمر، واستغل الفضاء وتغلب على الجاذبية، وأبدع في إيجاد وسائل مواصلات واتصالات سريعة ومريحة، كما حد من انتشار الأوبئة وسخر التقنية للرفع من الكفاءة الطبية، وحسن وسائل الإنتاج فضاعف إنتاجية الوحدة الواحدة من الأرض فوفر لنفسه غذاء جيداً وكافياً ... لكنه لم يحسن توزيعه.
هذا الإنسان الذي تعلم العلوم التطبيقية من الحقيقة مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات، ثم طبقها على الواقع فوافقه، فتحققت له تلك الإنجازات الرائعة، هو ذاته إنسان هذا العصر الذي فشل فشلاً ذريعاً في تطبيق الحقيقة على الواقع فيما يخص الإرهاب وغيره من الواقع الإنساني المؤلم مع معرفته التامة بالحقيقة، ويعود السبب في ذلك لكون الإنسان شرع ولم يرد، وسن قوانين الإدارة ولم يؤمن بالعدالة، فخاض حربين عالميتين وغيرهما من الحروب استخدم فيها شتى أنواع الأسلحة التي صنعها لإيذاء نفسه، فصنع القنبلة الذرية واستخدمها، وصنع أسلحة الدمار الشامل من بيولوجية وكيميائية وأباد بها، وصنع الأسلحة الفتاكة وأجهز بها على المسيء والبريء .. هذا هو إنسان هذا العصر القادر العاجز.
|