«كيف تنظرُ في وجهِ من صافحوكَ/ فلا تُبصِر الدّم/ في كلّ كفّ/ إن سهماً أتاني من الخلف/ سوف يجيئك من ألف خلفْ»
رحل السادات مقتولاً برصاص أهله الذين لم يرقْ لهم السلام الناقص، أو الاستسلام، ولا رؤية العلم الإسرائيلي خفّاقاً في قلب العروبة الذي ضعف نبضه حتى كدنا لا نسمعه، أو نشعر به في الملمّات، والحوادث الجسام.
وبقي النبض، نبض الشارع الحزين الذي يخرج في كل مرّةٍ تنادي الأمة وكأني بلسان حاله يقول: «لا تصالحْ/ ولو حرمتك الرّقادْ/ صرخات الندامهْ/
وتذكّر اذا لان قلبك للنسوة اللابسات السوادْ، ولأطفالهنّ الذين تخاصمْهم الابتسامة».
رحل السادات مقتولاً بالرصاص.
ورحل أمل مقتولاً بالسرطان.
وبقيت «لا تصالح» نصيحة لا للسادات فحسب، ولكن للتاريخ: «لا تُصالحْ/ ولو منحوك الذهبْ/ أتُرى حين أفقأُ عينيكَ، ثمّ أُثبّتُ جوهرتينِْ مكانهما/ هل تَرى/ هي أشياء لا تُشترى ...».
رحل السادات، ولم يستمعْ للنصح، ولم يسمع إلا صوته.
ورحل أمل وقد ترحّل في آلام أمته وآمالها، واستمَعَ الى أنينها، وأسمَعَها آلامه وآماله. صانها فصانتْه، وحفظتْهُ في عقلها، وقلبها.
«هل يصيرُ دمي بين عينيكَ ماء؟ / أتنسى ردائي الملطّخ/ تلبسُ فوق دمائي ثياباً مطرّزةً بالقصبْ؟!/ إنها الحرب/ قد تقتل القلبَ/ لكنّ خلفكَ عار العرب».
«لا تصالح ولا تتوخّ الهربْ»
لم يفهم الناس خطاب السادات، ولم يحفظوه.
ولكنهم حفظوا أمل وقصائده، نصائحه ومراثيه.
قُتل السادات على المسرح، أمام العالم، وأُغلقت الستارة في لحظات.
وكان موت أمل بطيئا، أمهله أن يدوّن مرئيّاته ومرثياته، ويودّع محبيه، ويصادق زوّاره، ويكتشف قيمته الحقيقية لدى الناس الذين توافدوا على غرفته وبيته، من كافة أنحاء الوطن العربي طيلة سنوات مرضه، وتعبه.
الناس الذين صدقهم، وأخلص لهم فأخلصوا له:
«بين لونين استقبلُ الأصدقاء/ الذين يرون سريري قبرا/ وحياتي دهرا/ وأرى في العيونِ العميقةِ/ لونَ الحقيقةِ/ لون تراب الوطن».
رحل أمل وترك عطره لبيوتٍ صحراوية، وشرفاتٍ بحرية، لمدنٍ مشمسة،ومدنٍ غائمة، وقرى طليقة حرّة.
تركه للصحو والغيمِ، لمواسم الجفاف والحصاد:
«آهِ ما أقسى الجدار/ عندما ينهضُ في وجه الشروق/ ربّما ننفق كلّ العمر كيْ ننقب ثغرَهْ ليمرَّ النور للأجيالِ مرّه».
«ربما لو لم يكنْ هذا الجدار/ ما عرفنا قيمة الضوءِ الطليق».
رحل أمل وترك لنا إبداعه يقول: إنّ جذوره راسخة في تراثه ووطنه وأمته، وإن مطره الحاضر والواقع والحقيقة والجمال ...، وإن غيمه المستقبل.
وإنّ خياله ما شطّ ولا نطّ ، ولكنه سبح في فضاءِ الإبداع الحر.
وإنّ لغته ما هانت ولا تكسّرت وتلعثمت، ولا تبرّأت، ولا حارتْ ولا ضاعت .. ولا تنكّرت.
إنّ لغته لغة عربية بيّنة.
وإن إبداعه إبداعٌ عربيٌّ خالص، فسحقاً للمارقين!!.
* كل المقاطع المقوسة لأمل دنقل الأعمال الكاملة |