Thursday 31th October,200210990العددالخميس 25 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

القصة القصيرة جداً .. ثلاث إشكاليات القصة القصيرة جداً .. ثلاث إشكاليات
«المصطلح، المفهوم، التجنيس»
د. أحمد جاسم الحسين(*)

ليس فألا حسناً أن يواجه نوع أدبي في طور التشكل بثلاث إشكاليات وجودية، إلا أن هذا النوع «القصة القصيرة جدا» لا يزال يواصل الحياة، وتصدر تحت مسمّاه مجموعات قصصية «آخر مجموعة لليس منصور حكيمة الحربي»..
فمشكلة التجنيس مثلا تجعل كتابه ونقاده ومتلقيه في حيرة من أمره إذ نعلم أن «تقاليد التلقي» لها دورها في مدى تقبل هذا النوع أو ذاك لمقاييسه على العناصر المكونة القابعة في الذاكرة الجمعية، ونقرأ بين فترة وأخرى من يعدّه خاطرة وهناك من ينظر إليه على أنه نوع من الدرجة الثانية وثالث «لا يعترف به» وآخر ينظر إليه على أنه «صرعة أو موضة» سرعان ما تزول ...
ولكل أصحاب موقف من المواقف السابقة وسواهم منطلقاته التي تؤسس لقوله الفكري ..
** ولا يخفي على القارئ «المناوشات» التي حدثت بين أطياف الساحة الأدبية في الوطن العربي حول الموقف منه، ولم ينتظر كثير منها فرصة الحياة والنمو بل نظروا إليه من وجهة «مؤامرتية» هدفها تخريب الذائقة العربية..
ومثل هذه المبالغات واردة في الحياة الفكرية العربية فهي منبثقة من مبدأ «الإلغائية» الذي نلمسه في أوجه عديدة، فإن اشتهر «فلان» من الكتاب فيجب أن يرافقه خفوت نجم «فلان آخر ...» مثلا..
** وبعيدا عن «التطرف» في المواقف فإن مما لا خلاف فيه الآن أن القصة القصيرة جدا نوع أدبي يدخل ضمن مفهوم القصص الذي يدخل في إطاره «الرواية، القصة القصيرة، القصة الطويلة، الأقصوصة، القصة ...» ولم يعد أشد المتحمسين له يغامر بالقول: انه جنس أدبي مستقل ليس لأنه غير أهل لذلك بل لأن نشوء جنس أدبي يحتاج إلى ظروف ومكوّنات وتحوّلات فكرية بنيويّة ليس من الواضح أن أفقا لها يظهر في الساحة بخاصة أننا أمام «مدّ بصري» لم يعد يسلم منه أكثر المخاصمين له وبات هذا «المدّ البصري التلفازي» يجيّر إلى بساطه كثيرين بل ان بعض الكتاب دعا إلى «الرواية التلفزيونية» و«القصة القصيرة جدا التلفزيونية» وما حدث في الواقع أن عددا من كتاب التلفاز استقوا العديد من أعمالهم من هذه النصوص.
** إن التداخل بين الأجناس الأدبية، وبين الأنواع داخل الجنس الواحد وارد والواقع يثبته نظرا لاشتراك الأدب في مختلف تجليّاته في بعض العناصر المكونة له وقد عُرف ذات يوم بانه «استعمال جمالي للغة» إلا أن كل جنس يركز على عناصر رئيسية مختلفة «الشعر الصورة والإيقاع» و«فنون القصة: الحكاية والشخصيات والأحداث» لكن ما يحدث أن عنصراً مثل الإيقاع في الشعر «يرقّ وينحل» ليحلّ مكانه العنصر السردي أو العكس بالنسبة لفنون القص، إضافة إلى عناصر تخص الرؤيا وغير ذلك، وربما ما سبق يجد تجلياته فيما يدعى ب«النص المفتوح» و«الكتابة» لكن ها هنا لا بد من التفريق بين قسمين من الكُتّاب: قسم يقوم ما يقوم به بهدف التجريب والتجديد المنبثق من رؤيا ومعرفة لما يقوم به، وقسم لا يملك الأدوات ويسعى لإدخال نفسه في صلب ما يحدث ولكن لا يخفى على القارئ التمييز بين هذه النصوص.
** وقد تجلّى الكثير من هذا التداخل مع نوع القصة القصيرة جدا نظرا لما وجده النقاد من عناصر شعرية في بعض نصوصها ، ولما وجدوه أحياناً من نصوص أشبه بالخاطرة ونصوص أشبه بالخبر، ونصوص أشبه بالمعلومة، ونصوص أشبه بالنكتة .. إلا أن مرور الزمان وتوالي إصدار المجموعات القصصية كفيلان بكشف الفوارق بين القصة القصيرة جدا والأجناس الأخرى أما التداخل بين الأنواع القصصية فهو وارد ومألوف إذ تمرّ معنا نصوص كثيرة هي قصص طويلة لكن كتابها رغبة منهم في الدخول في الجديد كتبوا عليها «رواية» وما سبق يحدث مع القصة القصيرة جدا بقوة نظرا لأن أسئلة «وجودها» غير واضحة فما الذي يميزها عن القصة القصيرة؟.
أهو القصر فقط؟ أم أن هناك ظروفا وعناصر استدعت وجودها؟ وهل يكفي تركيزها على التكثيف اللغوي وفعلية الجملة وطريقة تناول الحدث ليجعل منها نوعاً يستحق كل هذا النقاش؟
** لكن ما سبق من الأسئلة لا يمكنه أن ينكر أو يلغي تلك الخصوصية الفنية والتعبيرية التي جعلت عشرات الكتاب يكتبونها منذ ما يزيد على أربعين عاماً ويصدرون فيها عشرات المجموعات القصصية، مع التنبه إلى أنها لم تتحول إلى ظاهرة إشكالية إلا في عقد السبعينات ويمكننا أن ندلّل على ذلك مثلا بوجود أكثر من مائة مقالة ناقشت هذا الفن إضافة إلى ما يدور في منابر الأدب المختلفة وما نقرؤه من أجوبة كتاب متنوعي الكتابة حول جدوى القصة القصيرة جدا.
** يظهر أن ثلة من المفاهيم تدور اليوم في حقول الأدب والنقد لتعبّر عن القصة القصيرة جدا ومثل هذا التعدد له حسنات وسلبيات، فالتنوع في المفاهيم الأدبية والإنسانية وارد ومطلوب لأنه يعبر عن آلية تفكير نحتاجها كثيرا. لكنً مشكلة هذا التنوع مع القصة القصيرة جدا وهي في طور التشكل انه يكاد يفقدها هويتها وبالتالي وجودها فهل هي «نص قصصي لا يتجاوز الصفحة الواحدة يتناول حادثة أو تفصيلا عبر عين لاقطة خبيرة تتناول موضوعها في لحظة توتره بأقل عدد ممكن من الكلمات»..
أم أن القصة القصيرة جدا نص قصصي يستثمر أقصى طاقات اللغة ليعبر عما يريده؟
يمكن للمتلقي أن يتخلص من كثير مما يعنيه حول مفهوم القصة القصيرة جدا إذا تذكر مفاهيم الفنون الأخرى عند الكتاب والنقاد، إذ إن زاوية الرؤيا والعنصر الرئيسي عند كل كاتب وناقد قد تختلف، لكن ها هنا الفرق كامن أن مفاهيم الأنواع الأخرى راسخة وحين تستعمل لا تهدف إلى التشكيك الإلغائي والأمر غير ذلك حين الحديث عن نوع لم تتكامل مؤسساته بعد .. ولو نظرنا من وجهة فلسفة اللغة والنقد إلى طبيعة العلاقة بين المصطلح والمفهوم لعثرنا على أجوبة لما يؤرقنا.
** اصطلاحيا: استعمل للتعبير عن القصة القصيرة جدا سبعة عشر مصطلحاً عدّدتها في كتابي «القصة القصيرة جدا دار الفكر دمشق 1997».
وهي «القصة اللقطة، القصة الومضة، القصة القصيرة للغاية، القصة المكثفة، القصة الكبسولة، القصة البرقية، اللوحة القصصية، الصورة القصصية، القصة الجديدة،، القصة الحديثة، الحالة القصصية، المغامرة القصصية، القصة الصرعة...».
ولكل مجموعة من المصطلحات السابقة خصائصها فبعضها يركز على الأثر، وبعضها يركز على المادة اللغوية، ومجموعة ثالثة تولي اهتمامها للجديد في القصة وغير ذلك إلا أن المصطلح الشائع اليوم هو القصة القصيرة جدا، وقد أصبح المعبّر عنها ولشيوعه وتبلوره أسباب كثيرة لمناقشتها وتحليلها وقفة أخرى لها وقتها الملائم.

(*) أستاذ الأدب السعودي والنقد الحديث
في كلية المعلمين بتبوك

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved