Thursday 31th October,200210990العددالخميس 25 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

زفاف العروس بعد أكثر من ألفي سنة زفاف العروس بعد أكثر من ألفي سنة
ريمة الخميس

العروس هي الاسكندرية، العاصمة الثانية للشقيقة مصر، ليست عروس البحر كما سموها وإنما عروس العالم القديم في زمن حضارة بلاد الشرق التي حمل عصرها اسم المدينة فسمي عصر الاسكندرية.
والمدينة ذاتها لم تصنع شيئا بل لعلها كانت مشغولة بالنشاط التجاري أساساً إلا أنها كانت تضم «مكتبة» فريدة أنشأها ورعاها بنفسه بطليموس الثاني هي التي قامت - تلك المكتبة - بدور بالغ الخطورة والأهمية في تاريخ البشرية.
فقد كانت بمثابة أكاديمية متكاملة بها قاعات للدرس عجت بالعلماء والأدباء الذين فروا من الحروب في بلاد اليونان القديمة، ووجدوا في المكتبة فرصة مجددة للعمل في التدريس، والبحث والابداع في أوقات الفراغ إذ كانوا يقيمون في مساكن خاصة داخل الأكاديمية، وفي خدمتهم، أجهزة إدارية ومالية وإدارات للتموين وتدبير احتياجات المعيشة.. لا شيء يشغلهم عن همهم الأساسي في الدرس والابداع والتدريس لطلاب العلم.
مثل منارة الاسكندرية الشهيرة التي كانت تهدي السفن في البحر، كانت المكتبة منارة أخرى تنشر نور العلم والثقافة الى كل بلاد الشرق بل وكان من حظها أن تكون هي الجسر الذي عبرت فوقه الحضارة اليونانية إلى روما، وعلى تراث الثقافتين - اليونانية والرومانية - قامت حضارة أوروبا الحديثة.. هذا دور معروف لم تغفله كتب التاريخ أو كتب الأدب، ولكن الأهم منه أن مكتبة الاسكندرية في ذاتها قد كانت بعداً حضارياً رهيباً أقيم وسط مناخ ثقافي غفل أو يكاد يكون معدوماً، فلعبت المكتبة دورها الفريد في تخليق مناخ ثقافي وتأجيجه، ولهذا نشأت أشكال أدبية جديدة مثل الملحمة السكندرية والابيجراما (مقطوعات بالغة القصر، تتصف بالحكمة) والشعر التصويري والرواية، ونشأت علوم جديدة لم يعرفها العالم من قبل مثل «التوثيق» حيث انكب العلماء على جمع التراث اليوناني وإكمال الفجوات فيه وتحقيق نصوصه، وترقيم سطوره، وازدهرت علوم كالطب والفلك والطبيعة والفلسفة لها في التاريخ حق الاعتراف بالفضل.
الأسبوع الماضي حملت لنا الفضائيات العربية مراسم زفاف مجدد لمكتبة الاسكندرية احتفالات بافتتاحها بعد ان أعيد بناؤها الحديث باسهام دولي في عصرنا الذي يبعد (2300) سنة تقريبا عن بنائها الأول، كانت البشرية على امتداد هذه الفترة قد انجزت من معطيات الحضارة ما يجعل المسافة بين عصرنا الحديث وعصر مكتبة الاسكندرية القديمة أبعاداً فلكية لا تقاس بسنوات الضوء، وبالتالي فقد كان ثمة حرص عربي ودولي على تزويد المكتبة بأحدث أدوات البحث والدرس والاطلاع لكي يتناسب الانجاز فوق خلفيته العصرية مع حجم الانجاز القديم فوق خلفيته آنذاك وربما أملا في أن يكون للمكتبة الجديدة دور كدور المكتبة القديمة.. والحق ان المبنى وحده كما ظهر فوق شاشات القنوات الفضائية، تحفة معمارية نادرة.
هذا كله جميل ورائع، ولكن يبقى السؤال: ماذا لدينا، أو بوسعنا أن نصدره عبر المكتبة إلى أوروبا من ثقافتنا العربية العصرية؟
لا أستطيع أن أخفي حسا وقناعة ربما لا يتناسبان مع الفرح الطاغي للمناسبة، جاءاني وأنا أستمع إلى المذيع يقول نصاً (الآن بلغت المكتبة عمرُ النضج) (بضم الراء في كلمة عمر)، قناعة أننا بالمعونة العربية والدولية أوجدنا مجسماً لتحفة متحفية، ولكنها لن تتجاوز هذه المكانة (كمجرد تحفة) بأي حال...!!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved