Thursday 31th October,200210990العددالخميس 25 ,شعبان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أمريكا والرقص في الظلام أمريكا والرقص في الظلام
بوب هربرت

المقولة التالية تعتبر من المقولات الشهيرة لونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية حول سهولة بدء الحروب وصعوبة القدرة على انهائها حيث يقول تشرشل: «لا تصدق أبدا أن أي حرب يمكن أن تكون سهلة وسلسة ولا أن أي شخص يقود سفينة في بحر الظلمات يستطيع أن يتحكم في العواصف والأعاصير التي ستواجهه وعلى رجل الدولة الذي يذعن إلى الحرب أن يدرك أنه يمكنه ان يعطي اشارة بدء أي حرب فقط ولكنه بعدها لن يظل سيد الموقف وسيتحول إلى عبد لأحداث غير معروفة ولا تخضع للسيطرة».
ربما تكون هناك طريقة ما لتجنب الحرب التي يريدها الرئيس الأمريكي جورج بوش مع العراق ولكن إذا ذهبت الولايات المتحدة إلى بغداد سواء بقرار من الأمم المتحدة أو بدونه فعلى الشعب الأمريكي على الأقل أن يدرك بوضوح العواقب الوخيمة التي قد تنطوي عليها هذه الخطوة.
والواقع أن أكثر ما يسعد إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أن تجد الشعب الأمريكي يفكر في الذهاب إلى الحرب ضد العراق وكأنه ذاهب إلى نزهة في حديقة عامة وقد سألت أحد عمال المتاجر في مدينة كورال جابليس بولاية فلوريدا مؤخرا عن رأيه في الحرب المحتملة مع العراق قال الرجل بعد تردد إنه يؤيد الرئيس بوش في هذا الموقف تماما لأن صدام حسين رجل سيئ وأن على أمريكا أن تضربه إن عاجلا أو آجلا لذلك قد يكون من الأفضل الذهاب إليه وإنجاز المهمة بسرعة.
نفس الكلام تكرر على لسان فني كهرباء عجوز في ولاية ماساشوستس حيث قال دعنا ننتهي من الرجل فنحن نخشى أن يقصفنا صدام حسين بقنابل بيولوجية أو كيماوية أو نووية والأفضل أن نضربه قبل أن يبدأ هو فهل الأمر حقيقة بمثل هذه السهولة التي يتحدث بها هؤلاء؟
الحقيقة هي أن هؤلاء الناس في الولايات المتحدة بدءا من أكثر الحمائم في بيركلي حماسة وحتى أشد الصقور في إدارة الرئيس بوش تطرفاً ورغبة في القتال يرقصون في الظلام بالنسبة لهذه القضية فلا أحد من هؤلاء يدرك فعلا إلى اين ستقود أي عملية غزو أمريكية للعراق يمكن تدمير نظام الرئيس العراقي صدام حسين بدون شك ولكن ماذا بعد؟ هل تريد أمريكا فعلا احتلال العراق؟ وإلى متى يمكن أن يستمر هذا الاحتلال وبأي ثمن وما هي نهايته المطلوبة؟ وهل ستزيل أمريكا التهديدات المميتة ببساطة في العراق أم ستقيم رأس كوبري للسيطرة على الثروة البترولية العراقية؟ ثم ماذا عن الأزمة الانسانية التي ستظهر بالتأكيد بمجرد أن تبدأ القنابل الذكية وغيرها من الأسلحة الأمريكية في أداء وظيفتها التي طورتها أمريكا من أجلها؟ فهل أمريكا مستعدة للتعامل مع نقص مميت في المياه والطعام ومع آلاف الجرحى والمحترقين المدنيين بمن فيهم من أطفال وتدمير المباني وملايين اللاجئين؟ هل أمريكا مستعدة؟ وما هي خطة تحديد أماكن أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين وتأمينها؟ ويمكن لأي شخص أن يتصور إمكانية انتقال مثل هذه الأسلحة في ظل غبار المعارك إلى الشبكات الإرهابية سواء داخل العراق أو خارجه وأيضا ما هي خطة تحديد مكان صدام حسين والسيطرة عليه؟
يقول الجنرال متقاعد نورمان شوارتزكوف الذي قاد القوات الأمريكية في حرب تحرير الكويت ضد القوات العراقية التي كانت تحمل اسم عاصفة الصحراء لشبكة إن بي سي نيوز: أعتقد أن الهدف رقم واحد للقوات الأمريكية في حالة شن حرب ضد العراق سيكون صدام حسين ولكن العثور على صدام حسين هدفا سهلا بالكلام ولكن صعب تنفيذه لأننا لم نتمكن من العثور عليه أثناء حرب تحرير الكويت قد بدا العنف الذي شهدته مثل هذه الحرب بعيدا جدا بالنسبة لأغلب الأمريكيين.
فقد كانت بالنسبة لهم لعبة من ألعاب الفيديو أو برنامج تلفزيوني ولكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر أوصلت عنف الإرهاب إلى قلب أمريكا ومازال الإرهاب وليس العراق هو ما يشكل الخوف الكبير بالنسبة لأغلب الأمريكيين في اللحظة الحالية.وقد تجسد هذا الخوف بدون أي شك عندما قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت أمام الكونجرس أن مخاطر تعرض الولايات المتحدة لهجوم إرهابي مازالت بنفس الدرجة التي كانت عليها في الصيف السابق على هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهنا يثور سؤال مهم: ما هو احتمال ان يؤدي ضرب العراق وعواقبه إلى تشتيت الانتباه والجهود والإمكانيات عن مواجهة التهديدات الإرهابية الحالية.
وقد شهد ذلك الأسبوع الذي منح فيه الكونجرس الأمريكي الرئيس بوش تفويضا باستخدام القوة ضد العراق سلسلة من الهجمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة بينها الهجوم الذي شهدته مدينة بالي الإندونيسية وأسفر عن مقتل أكثر من مائتي شخص وفي عالم أصبح خطيرا بالصورة التي عليها الآن فإن الأسئلة المتعلقة بالآثارالعميقة لغزو العراق تستحق مزيداً من الإجابات التي نحصل عليها حاليا والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في حاجة إلى قيادة حكيمة ونزيهة وحريصة كما هي الآن فهذا ليس الوقت المناسب للرقص في الظلام.

(*) نيويورك تايمز - خدمة الجزيرة الصحفية

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved