ومن منجزات خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله صدور ثلاثة أنظمة مهمة في 27 شعبان تقتضي بإقرار النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق.
النظام الأساسي للحكم
يتكون النظام الأساسي للحكم من ثلاث وثمانين مادة قسمت الى تسعة أبواب هي:
المبادىء العامة، نظام الحكم، مقومات المجتمع السعودي، المبادىء الاقتصادية، الحقوق الواجبات، سلطات الدولة، الشؤون المالية، أجهزة الرقابة، وأحكام عامة. وتضمنت المواد فيما تضمنت تحديد الدولة من ناحية انتمائها الديني والقومي، وتحديد طبيعة نظام الحكم وفيمن يكون الحكم وتحديد السلطات وتوزيعها.
والتأكيد على ان الأسرة هي نواة المجتمع السعودي وحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والاسلامية.
وتحديد طبيعة النظام الاقتصادي، وهو نظام رأسمالي حر يسير وفق أحكام الشريعة الاسلامية.
وتفصيل حقوق الدولة والواجبات التي تقع على عاتقها من ناحية المواطن والمقيم وكل ما يفرضه عليها انتماؤها العربي والاسلامي. وبينت المهام المنوطة بالسلطات الثلاث «القضائية والتنفيذية والتنظيمية» وتوزيع الاختصاص فيما بينها.
نظام مجلس الشورى
تكون نظام مجلس الشورى من ثلاثين مادة ومن ضمن مواده اعطاء أعضاء المجلس حق ابداء الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال اليه من رئيس مجلس الوزراء وله وعلى وجه الخصوص، مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وابداء الرأي منها، ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات واقتراح ما يراه بشأنها، وتفسير الأنظمة ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها.
نظام المناطق
يتكون نظام المناطق من أربعين مادة ترمي الى رفع مستوى العمل الاداري والتنمية في مناطق السعودية، كما تسعى الى المحافظة على الأمن والنظام وكفالة حقوق المواطنين وحرياتهم في اطار الشريعة الاسلامية.
لقد شهدت المملكة بشكل عام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد تطوراً كبيراً في جميع المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية والعسكرية، وبرز في عهده الاهتمام الكبير بقطاع المواصلات؛ فشقت الطرق الجديدة، كمازادت خطوط الطيران الداخلية والخارجية، وازداد عدد الطائرات العاملة على تلك الخطوط، وأنشئت عدة مطارات داخلية ودولية، بالاضافة الى شق عدد من الأنفاق في الجبال، واقامة الجسور الكبيرة والطويلة، وتم تطوير الموانىء القديمة وتوسعتها، وانشاء موانىء صناعية جديدة لتصدير النفط والصناعات النفطية في المشروعات الصناعية في كل من منطقتي الجبيل وينبع الصناعيتين.
لقد كانت المهمة الصعبة التي قادها خادم الحرمين الشريفين بنجاح، من موقعه مليكاً للبلاد، هي استمرار خطط التنمية من دون توقف، وتصحيح مسار الاقتصاد الوطني ليعتمد على نفسه في نموه، بدلا من الاعتماد الكلي على موارد البترول، الذي بدأت أسعاره في الانخفاض، نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية كثيرة، واستطاع بتوفيق من الله ان يحقق الاستقرار المنشود للاقتصاد الوطني، ودخلت المملكة العربية السعودية السوق العالمية منتجاً لكثير من مشتقات المواد الهايدروكربونية.
واستن طريقة غير مسبوقة، بالاجتماع الى أبناء شعبه من طلاب الجامعات، وغيرهم من فئات الشعب، والتحدث اليهم في حوار مفتوح وصريح حول مختلف الأمور.
خادم الحرمين الشريفين وملامح من تطور التعليم والثقافة في عهده:
قال خادم الحرمين الشريفين في خطبة ألقاها في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عام 1402هـ «لست بغريب عن رجال العلم وطلبة العلم، فإن من أفضل أيامي التي اعتززت بها في الماضي وسوف اعتز بها في الحاضر والمستقبل ان شرفني الله فقمت بأعمال أول وزارة معارف شكلت في المملكة العربية السعودية، ومعها تقلدت مناصب أخرى ولكنني في الواقع أجد ان العلم ورجال العلم هم الذين أشعر بأنهم حولي، وأنا كذلك في الوقت نفسه حولهم».
وأضاف:«أذكر حينما أصبحت وزيراً للمعارف لم يكن في المملكة سوى مدرسة ثانوية واحدة في مكة، وكان مجموع الطلاب الذين يؤمون المدارس في المملكة حينئذ لا يتجاوز 35 ألف طالب».
أما الآن فقد أصبح في المملكة أكثر من عشرين ألف مؤسسة تعليمية يتعلم فيها ما يزيد على ثلاثة ملايين وتسعمائة ألف طالب وطالبة ويعمل فيها ما يزيد على مائتين وخمسين ألف معلم ومعلمة، كما شهد التعليم الجامعي والعالي نموا واضحاً في عهده. إذ اتيح نوع هذا التعليم لملايين من الطلاب والطالبات وحدث توسع كبير في مجالهما.
وأصبح عدد الجامعات ثماني جامعات بعد انشاء جامعة الملك خالد في الجنوب من المملكة العربية السعودية.
وفيما يخص الفتاة السعودية فقد حظيت برعاية كريمة تمثلت في أمرين:
الأول: التوسع في انشاء المدارس والمعاهد في التعليم العام، وكذلك التوسع في انشاء كلية للبنات التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات «سابقا، وزارة المعارف حاليا» بلغ عددها عام 19/1420هـ حوالي 72 كلية توزعت ما بين كليات علمية الى تربوية وأدبية على مستوى الدبلوم المتوسط والبكالوريوس، وما خصصته الجامعات السعودية من أقسام لدراسة الطالبات في جامعة الملك سعود في الرياض وجامعة أم القرى في مكة وجامعة الملك عبدالعزيز في جدة وجامعة الملك فيصل في الأحساء، وجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض، وافسح المجال لهن للالتحاق بمعظم التخصصات العلمية والانسانية من مثل كليات الطب والعلوم والزراعة والآداب والعلوم الادارية وغيرها. ويمكن الاشارة هنا الى اقتصار الدراسة في بعض التخصصات على الفتيات فقط وليست مطروحة للذكور مثل تخصص رياض الأطفال التابع لكلية التربية بجامعة الملك سعود.
أما الأمر الثاني: فهو النمو المتزايد في الاهتمام بطالبات التعليم الجامعي نظراً للاستقرار الاجتماعي المدني والنمو السكاني المتسارع، الذي كان من نتيجته الاقبال المتزايد من قبل الفتيات على التعليم العالي رغبة في تحسين وضعهن الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، فعندما نستقرىء الاحصاءات الرسمية نجد ان عدد الطالبات في الجامعات السعودية في عام 1419/1420هـ، بلغ أكثر من 57000 طالبة. أما كليات البنات فقد وصل عدد المقيدات بها حوالي 000 ،145 طالبة في نهاية العام الدراسي 19/1420هـ.
وفيما يخص الدراسات العليا فقد بلغ عدد الطالبات الملتحقات بها في الجامعات 2094 في العام الجامعي 19/1420هـ، وفي كليات البنات بلغ العدد 1149، ولتوضيح الصورة نبين انه قبل تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد مقاليد الحكم لم يكن مسجلا لدرجة الماجستير في كليات البنات إلا طالبتان اثنتان، ثم زاد العدد قليلا مع بداية عهده ليصل الى «12» طالبة ثم سرعان ما وصل في 25 ربيع الأول 1422هـ الى «651» طالبة وفي مرحلة الدكتوراه لم يتجاوز عدد الطالبات المسجلات «4» طالبات في بداية عهده بينما وصل الآن الى «279» طالبة.
أما بالنسبة إلى اللاتي تم منحهن درجات علمية بالفعل، ففي بداية حكمه منحت «13» طالبة درجة الماجستير، بينما وصل عدد الحاصلات على درجة الماجستير والدكتوراه حتى بداية عام 1420هـ الى «1191» رسالة ماجستير ودكتوراه.
ومما يدل على الاهتمام بتعليم المرأة ما شهدته ميزانية الرئاسة العامة لتعليم البنات من نمو كبير إذ قفزت من 000 ،085 ،055 ،6 في عام 1402هـ/1403هـ، الى 000 ،388 ،793 ،19 في عام 1420/1421هـ.
وكان ناتج الحركة التعليمية النشطة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد التي توفرت للمرأة ان اصبح لها دور في كل مجالات الحياة في المملكة، فهناك الطبيبات والمدرسات والصحفيات والأدبيات، والمهندسات، والمتخصصات في الاقتصاد المنزلي، وعلم التغذية والمتخصصات في المكتبات والمعلومات والممرضات والصيدلانيات وغير ذلك.
وتزايد عدد النساء العاملات بشكل تصاعدي بحيث أصبحن عنصراً مهماً يعتد به في القوة العاملة الوطنية، وبالتالي اسهم استخدام المرأة في بعض القطاعات كالتمريض والتعليم والطب وسواها من المهن في عملية السعودة التي هي أحد الأهداف الرئيسية لخطة التنمية.
وهاهي الجامعات قد «آتت أُكلها» وامتلأت الصحف بالأسماء المبدعة الجديدة الهاضمة لمختلف ثقافات العالم علماً وشعراً ونثراً بما لا يصل الى حد الانبهار وتناسي الخصوصية المحلية، ولم يتوان الفهد في اعطاء الثقافة ما تستحقه من الدعم. وادرك المثقفون ان دورهم في التطوير ليس هامشياً ابداً إذ اصبح لكلمتهم رد فعلها. فقد استصدر الأمير فيصل بن فهد عليه رحمة الله أمراً من خادم الحرمين الشريفين بتأسيس الأندية الأدبية التي تتوزع حاليا في كبرى مدن المملكة وتشرف عليها الرئاسة العامة لرعاية الشباب وهي ترمي الى نشر الأدب والثقافة ونشر الوعي بين المواطنين.
وأنعشت الأندية الحركة الأدبية انعاشا كبيرا لما حفلت به أمسياتها ونشاطاتها من مساجلات فكرية وندوات ومحاضرات ونشر للمطبوعات في مختلف مجالات المعرفة والثقافة والعلم لناشئة الأدب وشيوخه.
كما بدأت صناعة الكتاب في المملكة في الازدهار لما تلقاه من دعم حكومي. وتُمثلُ العشرون عاما من حكم خادم الحرمين الشريفين مرحلة مهمة في تطور حركة النشر، إذ تشير الأرقام الى ارتفاع حركة النشر وتنوعها بين أعمال التراث والتراجم وتحقيق المخطوطات ونشر الأعمال المنبرية، اضافة الى الأعمال المعادة طباعتها وأدب الرحلات والرسائل العلمية والأعمال المترجمة وأعمال باللغات الأجنبية.
وانتشرت في مدن المملكة وقراها مجموعة كبيرة من المكتبات التي ترمي الى نشر الثقافة وتوفير أوعية المعلومات للباحثين وتشجيع الناشئة على الاطلاع والبحث في مصادر المعلومات، منها على سبيل المثال في مدينة الرياض مكتبة الملك فهد الوطنية التي افتتحت في عام 1410هـ، وهناك مكتبة الملك عبدالعزيز العامة التي تضم مكتبة للطفل، كما تضم جامعة الملك سعود أكبر مكتبة جامعية هي مكتبة الأمير سلمان بن عبدالعزيز المركزية التي تعد من أكبر المكتبات الجامعية في العالم العربي، إذ بلغ عدد ما تحتوي عليه من الكتب 556 ألف كتاب، ومن الدوريات 264 ألف دورية الى جانب 106 آلاف وثيقة و200 ألف مخطوطة و119 ألف مادة سمعية بصرية، و48 ألف مادة أخرى.
ولقيت المهرجانات دعماً من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، من أبرزها مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة الذي بدأت انطلاقته للمرة الأولى بافتتاح خادم الحرمين الشريفين له يوم السبت 12 رجب 1405هـ.
ومهرجان الجنادرية نافذة يطل منها الشعب السعودي على تراث الآباء والأجداد وتتعانق فيه عراقة الماضي وأصالته بإشراقة الحاضر والمستقبل، ويتميز بأنه يجمع معظم فنون مناطق المملكة كلها وتراثها في مكان وزمان واحد، بحيث يسهل على المواطنين والمقيمين والوافدين التعرف اليه دون الحاجة الى زيارة كل منطقة على حدة.
ويشارك في هذا المهرجان المهتمون بالتراث والثقافة وأصحاب الحرف اليدوية القديمة في مختلف مناطق المملكة، وهو بذلك يعد تجسيداً عملياً لاهتمام الدولة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بتراث البلاد والمحافظة عليه وابرازه بأحدث الوسائل، وفي الجانب الثقافي يشمل المهرجان لقاءات وندوات فكرية تعرض قضايا تهم المثقف العربي.
وايمانا من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بعالمية الثقافة الاسلامية العربية صدرت توجيهاته بانشاء مركز حضاري عالمي ليكون منارة اشعاع لتلك الثقافة وعنوانا مطوراً للثقافة السعودية المعاصرة، فأنشىء مركز الملك فهد الثقافي الذي صمم على طراز فريد يمثل درة من درر العمارة الإسلامية ومنظومة العراقة المعاصرة، ومن أهداف إنشاء هذا المركز ان يكون بوتقة تتفاعل داخلها ومن خلالها المعطيات الثقافية والفنية فيما بينها من ناحية وبين المجتمع من ناحية أخرى من أجل الارتقاء بمستوى الثقافة والفنون في المملكة.
ان المعلومات السابقة توضح بجلاء الدور الكبير الذي قام به خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - حفظه الله - في مسيرة بناء المملكة العربية السعودية التي يمكننا من خلالها ان نقول ان عهده هو عهد مواصلة البناء والتوسع في الخدمات التعليمية والثقافية، وهو بحق عهد الانجازات الكبيرة.
*) أستاذ مساعد - كلية الآداب
|