|
|
النهضة التي شهدتها المملكة في العقدين المنصرمين، هي أكبر من العدّ والإحصاء. حيث أصبحت مثالاً عظيماً في المجالات والميادين والمستويات كافة. ولا بد من الاشادة بالدور المحوري الذي لعبه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في قيادة مسيرة المملكة، وذلك من خلال ما اختزنه من تجربة عميقة وما تتميز به شخصيته من حكمة وعقل راجح وبعد نظر وذكاء كبير وحسم وعزم ومتابعة دقيقة لأمور البلاد وأحوال الناس والأمة. وفي هذا السياق نستذكر خبرته المميزة يحفظه الله في إنشاء وتطوير وزارة المعارف؛ وكذلك دوره المعروف في أثناء توليه وزارة الداخلية. ثم اضطلاعه بولاية العهد ورئاسته لعدد من الهيئات والمجالس واللجان المتصلة بقضايا البترول والجامعات والشباب وشؤون الحج. وبعد تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم ملكاً للمملكة العربية السعودية قاد البلاد وفق خطة تنموية - نهضوية شاملة صارت موضع اعجاب واعتزاز العرب والمسلمين كافة. حيث جرى تنفيذ ست خطط للتنمية الاجتماعية - الاقتصادية الشاملة أوصلت المملكة إلى مستوى عظيم، سواء على صعيد البنية التحتية أم على صعيد الخدمات والمرافق، أم في مجال التربية والتعليم والثقافة، ورفع المستوى المعيشي لعامة الناس.. وتوفير الرعاية الصحية المجانية والخدمية للمسنين والعاجزين وذوي الدخل المحدود، وغير ذلك من مجالات. ومن متابعة ما بلغته المملكة من رفعة وتنمية وازدهار، نستطيع القول ان المملكة حققت توازناً ممتازاً بين الأصالة والمعاصرة.. بين المحافظة على القيم العربية الأصيلة والحضارة الإسلامية العظيمة من جهة، والاستفادة الواعية من معطيات العصر والتقدم العلمي - التقني من جهة أخرى. هذا التوازن في أبعاده التراثية والقيمية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ، أضحى سمة مميزة للمملكة، تشكل بالفعل مفخرة لنا جميعاً.. الأمر الذي تؤكده الوقائع والمستوى المتقدم، والمنجزات الكبيرة والرائدة في قطاعات الانتاج والخدمات والحركة الثقافية والنهضة التعليمية العالية. ويكفي ان نشير إلى جامعات المملكة التي تضاهي أرقى الجامعات والأكاديميات العالمية، من حيث المستوى العلمي والتنظيم والتجهيزات التقانية المتطورة. ولايغيب عن الذهن ذلك التطور الاستثنائي الذي حصل - مثلا - في ميدان الزراعة، فانتقلت المملكة من بلد مستورد للأغذية إلى مصدِّر لعدد من المنتجات الزراعية، محققة الاكتفاء الذاتي في معظم المواد الزراعية نتيجة للدعم الكبير الذي تقدمه للعاملين في هذا القطاع، إضافة إلى استخدام أحدث التقانات في العالم.والأمر نفسه شهدته قطاعات الصناعة والتعدين والنقل والمواصلات والاتصالات والرعاية الصحية والاجتماعية والصحافة وشؤون الشباب والرياضة وغيرها. إن جهود المملكة العربية السعودية في المجال العربي معروفة وتحظى باحترام العرب شعوباً وقيادات. فالمملكة الشقيقة تنطلق في سياساتها العربية من التضامن مع العرب في قضاياهم المصيرية، والعمل الدؤوب من أجل لم شملهم والحد من خلافاتهم والانقسامات بينهم. وهي تقود سياستها بمنتهى الحكمة والتوازن والعقلانية والشعور القومي؛ لأنها تؤمن بأهمية التلاحم والتراحم والدور الذي تلعبه مؤسسات العمل العربي المشترك، ولهذا نرى أنها تسارع دائماً إلى تلبية أي جهد أو لقاء يضم الأشقاء العرب ويقوي صفوفهم ويرفع شأنهم في عالم لا مكان فيه للضعفاء، فهي لم تغب أبدا عن أي تجمع عربي هدفه صالح الأمة وتقوية جهودها ومقاومة أعدائها. إن سياسة المملكة تعد في واقع الأمر مثالاً للحكمة والتوازن والوعي والشعور الرفيع بالمسؤولية، ولهذا فمن الطبيعي أنها تحظى بالاحترام والثقة لدى العرب والمسلمين، بل في الأوساط العالمية جمعاء. وتعتبر العلاقات السورية - السعودية ضاربة في التاريخ، وتعود إلى آلاف السنين.. حيث انطلقت موجات الهجرة العربية من موطننا وأرض العرب جميعاً بقبائلهم ولهجاتهم ومرابعهم المختلفة. ونحن في سوريا نعتز بانتمائنا إلى العروبة دون تعصب أو نظرة فوقية، بل ان تاريخنا كله يؤكد على العلاقة العضوية بين بلداننا القائمة حاليا، فكانت الحركة السكانية الطبيعية بين الجزيرة العربية ومنطقة بلاد الشام دينامية، تقوم على الترابط والتلاحم في وجه الغزو الأجنبي وهكذا سارت الأمور في العصر الحديث، حيث ترتبط سوريا والمملكة بعلاقات الأخوة الوشيجة والاحترام المتبادل منذ عشرات السنين، أما الازدهار الحقيقي للعلاقات بين البلدين الشقيقين فقد برز عملياً في سبعينيات القرن العشرين وذلك بمبادرة من باني سوريا الحديثة القائد حافظ الأسد وأشقائه قادة المملكة ولاسيما خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود. إن سياسة البلدين الشقيقين تشكِّل أبرز مرتكزات القوة العربية، فهي تقوم على التضامن والتنسيق وتغليب المصالح العربية الكبرى على القضايا الهامشية - الجزئية، وكلاهما يسعى إلى تقوية العمل العربي المشترك والدفاع عن مصالح الأمة في وجه الصهيونية وعدوانها مع دعم الانتفاضة الباسلة لشعبنا الفلسطيني المناضل حتى يحصل على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، واستعادة الأراضي العربية المحتلة تنفيذاً للقرارات الدولية الواضحة في هذا الشأن. لقد وقفت المملكة دائماً إلى جانب سوريا في مقاومتها للعدوان الصهيوني، ولها مواقف مشرِّفة مشهودة في حرب تشرين التحريرية (في عام 1973) وفي مجمل التحركات العربية والإقليمية والدولية، وهو أمر يلقى عظيم التقدير لدى المواطنين السوريين. واليوم فإن سوريا العربية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد والمملكة بقيادة أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.. تعملان بأقصى جهود ممكنة من أجل لم شمل الأمة وتقوية مكانتها ومواقفها في المحافل الدولية، انطلاقا من علاقاتهما التاريخية المميزة والحكمة والتوازن، اللذين يشكلان العناصر الأساسية في سياسة الدولتين، ولهذا فإنه ما اجتمع قادة البلدين إلا من أجل قضايا العرب المصيرية، ومن أجل البحث عن أفضل السبل للنهوض بواقعنا العربي.. وكيفية تجاوز مواقع الضعف في الوضع العربي الراهن، وصولا إلى الحد المناسب من التضامن والتنسيق والعمل العربي المشترك. |
![]()
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |