ثمة من البشر من لا يقع ضمن دائرتي «الائتلاف أو الاختلاف» الواقعتين ضمن الحدود المتعارف والمتفق عليها إنسانياً. على سبيل المثال: منهم من تغضب عليه فيقدم لك الاعتذار وذلك في حال كان لك الحق وعليه الاعتذار.. ومنهم من يكون لك عليه كل الحق غير أنه لا يعترف لك بأسباب غضبك عليه فتكون النتيجة حينها هي القطيعة بينكما.. ورغم «ألم القطيعة» هذا فيكفي الإنسان عذر الإحساس بأن الحق كان له.. وثمة لهذين الصنفين من الأصدقاء صنف ثالث تحار معه وبه من حيث إنك لا تدري أين «موقعه» من سلّم الصداقة.. إنه ذلك النوع الذي مهما غضبت عليه.. مهما كان الحق بجانبك.. فإن مصيرك هو الرضاء عنه وعليه، حتى لو قررت قطيعته فالفشل في تطبيقها غالبا ما يكون النتيجة.. بل إن الأمر أسوأ من ذلك.. ففي كل مرة تقرر قطيعته تجد نفسك تمنحه كل أعذار الدنيا وحينها تغضب على نفسك لعدم نجاحها في الغضب عليه.. «وبل» أخرى تقاطع أنت ذاتك وذلك حين تجد أنك قد عدت إليه بشروط وتوقعات «وشرهات» أقل فأقل، والسبب في ذلك هو تشربك رويداًَ رويداً المزيد من أكواب اليأس من تعديل عوجه.. غير أنك في النهاية تتعلم من هذه الفصيلة فضيلة.. بل فضائل.. ودروساً حياتية مفادها ان نتيجة تكرر غضبك على من لا يكترث به هو المزيد من التنازل من قبلك عن العديد من المبادئ التي من ضمن أهمها على سبيل المثال مبدأ الحفاظ على «الوقت» وذلك حين تجد نفسك «راضية/ مكرهة» تنتظر هذا النوع من الأصدقاء ليطل عليك متأخراً عن الموعد المحدد بينكما بساعات وساعات ومع ذلك لا تستطيع الغضب عليه بسبب «ساعات» حتى لو كنت ممن يخرجه عن طوره - تحت الظروف الطبيعية- التأُخر عن الموعد المحدد دقائق محدودة.
أحياناً قد تجد أن في سلبية بعض «الفشل» بعض الإيجابيات.. فمثلاً قد يُعييك فشلك في تحقيق أية نتيجة إيجابية مع مثل هذا الصديق وحينها يضطرك ذلك الى إعادة «تنظيم» قوائم صداقاتك «نفسياً» وفق مقومات أكثر واقعية على أرض الواقع فتدرك أن لغضبك «قيمة» من المفترض ألا تهدر على كل من هب ودب، فكما أن رضاك عليك «ثمين» فغضبك هو الآخر ثمين أيضاً، وكما أنه ليس كل فرد جديراً بنيل رضاك.. كذلك فليس كل شخص مؤهلاً لأن يحوز على شرف إغضابك، ففي الغضب كما في الرضاء أخذ وعطاء.. عطاء من نفسك وأخذمن قبل من أغضبك وهذا هو السر في اعتياد البعض على «رد» أعصاب الغاضب إليه وذلك حين القول «لا تفقد أعصابك» ولا شك في أن مضامين الفقد هنا طرفها الآخر هو الاسترداد.. الإعادة. فغضبك على هذا الصنف يجعلك تدرك في النهاية انك قد خسرت مرتين.. بل أكثر من ذلك: مرة بتأخره عليك.. ومرة ثانية بخسرانك لأعصابك.. ومرة ثالثة لمنح من لا يستحق ليس شرف سرقة أعصابك وترف تملكها فقط.. بل أسوأ من ذلك.. تفضله بردها إليك - كما يعتقد هو!- وذلك حين يبادر بنصحك بكل برود.. بل بكل تجمّد بألا تفقد أعصابك.
ختاماً يتوجب عليك مع مثل هؤلاء الأفراد إدراك حقيقة جد مهمة ألا وهي أن الخلل يقع فيه هو لا أنت.. فهذا هو مبلغ قدرته وهذه هي حدود قدراته بل «جهدته» كما يقال عامياً، فضلاً عن أنه يفعل ذلك مع الجميع وليس معك فقط.. ويكفيك منه ما يمنحك إياه من دروس وطرائق «التلوين والتلون» في هذه الحياة الملونة فعلاً.. حيث تصبح قادراً على الجمع بين النقيضين في آن: العذل والعذر قبل العذل.. بل إنه يعلمك «الأدب» حين تلجأ تعللا الى قراءة الحكم والأقوال والأشعار «المسكنات!».. عليه فإليك ببعض ما اضطررت على تعلمه من الأدب بفضل من يفتقد الأدب.. كقول الشاعر الذي نصه:
الدهر أقصرُ مدة من أن يُقصّر بالعتاب |
أو بمعنى آخر.. ما «به» أمل.. «ما فيه فايده.. وما كو.. ماكو فكّه!.. لزقة والشكوى لله..!».
|