يكتبها محمد الغزولي
* سألني صاحبي متفلسفاً:
هل تعتبر النظافة فناً؟؟
وأجبته: بالتأكيد، نظافة المظهر والمخبر، نظافة النفس والجسم، واليد والقلب واللسان، نظافة الملبس والمسكن والمأكل، نظافة القرية والمدينة، بمبانيها الرسمية والأهلية، بحدائقها وشوارعها كلها جديرة بأن تعد من الفنون بل من الفنون الضرورية، على اعتبار أن هناك فنونا كمالية؛
وسألني هذه المرة متحذلقاً:
ولكن أليست نظافة المدن والقرى من اختصاص البلديات وحدها؟!
وقلت: هذا هو الخطأ بعينه، لأن نظافة المدن والقرى من اختصاص الجميع، الأهالي والبلديات معا، وإليك هذه القصة القصيرة:
كانوا ثلاثة سائحين من الشرق، وصلوا إلى مدينة «برن» السويسرية، ذات الشهرة العالمية بجمالها ونظافتها وحسن تنسيقها. وطاب لهم التنزه سيرا على الأقدام في أحد شوارعها الفسيحة الأنيقة، واشتروا برتقالا، وراحوا يقشرونه ويأكلونه وهم سائرون، وعلى مقربة منهم كان شرطي سويسري يسير في هدوء، وما ان انتهوا من أكل البرتقال، حتى تقدم إليهم الشرطي بلطف وأدب، وأخرج دفترا من جيبه وحرر إيصالا بغرامة مقدارها خمسة فرنكات، وقدمها إليهم، وعلى وجهه ابتسامة مهذبة.
ودفعوا الغرامة حانقين.. واعتبروا الموضوع منتهيا..
ولكن الشرطي، بنفس الابتسامة المهنية، قال لهم: إن كل مواطن في بلادنا مسؤول عن نظافة مدينته، ولذا فنحن نضع قشر البرتقال وما إليه في هذه السلال التي ترونها معلقة على الأعمدة ولهذا أرى ان نعود لنشترك جميعا -وأنا معكم - في رفع تلك القشور، لنضعها في المكان الوحيد الذي أعددناه لها.
وما أن انتهوا من هذه العملية، حتى بلغ الغيظ بأحدهم منتهاه، فامسك بالايصال الذي تسلمه من الشرطي، ومزقه غاضبا، وألقى به إلى الأرض.
ومن جديد كانت الغرامة!
ومن جديد اضطره الشرطي إلى جمع القصاصات المبعثرة!
وما من ريب في أن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين النظافة..
وبلغ الاهتمام بها إلى حد اعتبارها من الإيمان..
والمسلمون أولى الناس بالتزام النظافة بمختلف فنونها نظافة المظهر والمخبر وبذلك لا تكون النظافة فنا فحسب، بل انها في رأيي: فن الفنون!!
|