Wednesday 6th November,200210996العددالاربعاء 1 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

معقولية السياسة وسياسة اللامعقول في المواقف الأمريكية تجاه قيام الدولة الفلسطينية والعالم الإسلامي معقولية السياسة وسياسة اللامعقول في المواقف الأمريكية تجاه قيام الدولة الفلسطينية والعالم الإسلامي
د. عبدالله بن سالم الزهراني

الصراع العربي الصهيوني صراع طال أمده حيث بدأ منذ قرابة قرن وكل المؤشرات تشير إلى أن هذا الصراع سيطول أمده . ادعاء صهيوني بأن اليهود سكنوا هذه الأرض وكونوا مملكتهم اليهودية وأن التوراة تعدهم بالعودة إليها وهم من ذرية إبراهيم وأن هذه دولتهم قبل أن يصل إليها الفلسطينيون ولذلك من حقهم حسب ادعائهم العودة إلى أرض الميعاد التي دمرها الرومان لحقدهم على السامية . الفلسطنيون يدعون الأسبقية وأن الأرض أرضهم ومن حقهم أن يبقوا وأن يدافعوا عن أرضهم وإذا كانت المسألة ادعاء بما جاء في الكتب السماوية وفي الارث فإنهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. الفلسطينون يعتبرون أنفسهم أصحاب الأرض وهم من يسكنها عندما بدأ اليهود في الهجرة إليها في بداية القرن العشرين حتى ولو كان لليهود جذور وأنهم طردوا في أزمان غابرة فإن القادمين الجدد غير من كان يسكن، كما أن القاطنين لفلسطين جيل جديد . لا صراع في فلسطين حول الدين فالفلسطينيون مسلمون ومسيحيون وأرمن وليس لديهم اعتراض على الديانة اليهودية، ولذا فإن الصراع منذ بدايته تركز على الأراضي . أما الجانب الديني فهو يشمل المقدسات حيث المسجد الأقصى الذي يمثل أولى القبلتين وثالث الحرمين وهو بالنسبة للفلسطينيين بشكل خاص وللعالم الإسلامي بشكل عام مكان يجب ألا يمسه اليهود بأي سوء . وما الإنتفاضة الثانية إلا من أجل الأقصى . اليهود اختلقوا قصة حائط المبكى وتمسكوا بأهمية هذا المكان وقدسيته بالنسبة لهم .
منذ أن تولى شارون قمة السلطة في الكيان الصهيوني والأمور تزداد تعقيدا وصعوبة وقسوة على الشعب الفلسطيني . جاء شارون والحقد يملأ قلبه على الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية. جاء شارون وهو يحمل فكرة الانتقام من القيادة الفلسطينية التي ضيعت عليه فرصة اقتلاعها وإنهاء الحلم الفلسطيني خلال عدوانه على لبنان في عام 1982م . جاء شارون بعد أن بذر الفتنة من خلال زيارته الاستفزازية للمسجد الأقصى في سبتمبر عام 2000م . جاء شارون وهو أسوأ السيئين في الحكومات الإسرائلية راغبا في أخذ كل شيء دون التنازل عن أي شيء . جاء شارون وهو ينتقد سياسات من قبله من الحكومات بأنها فرطت في أمن الكيان الصهيوني . جاء شارون وهو يعتقد بأنه سيأتي بما لم يأت به الأوائل من قبله .
صمد الفلسطينيون رغم ضآلة إمكاناتهم العسكرية والاقتصادية ولكنهم تسلحوا بإيمانهم بقضيتهم وبحقهم وبإرادتهم . آمن الفلسطينيون أن قضيتهم ستطول وآمن الفلسطينيون أن تضحياتهم من أجل الوطن والحرية ستكون باهظة، ولكنهم آمنوا أن هذه التضحيات يستحقها الوطن ويستحقها الوجود الفلسطيني وتستحقها حرية الشعب الفلسطيني . آمن الفلسطينيون بعدالة قضيتهم وبضرورة حمل السلاح من أجلها لقرابة قرن من الزمان عندما كان التعنت الصهيوني والتهجير والمذابح هي عماد سياسة الصهاينة خلال تلك المدة ولكن الفلسطينيون حافظوا على ابراز القضية الفلسطينية مدعومين في ذلك بالمساندة العربية والإسلامية . آمن الفلسطينيون بالحوار وبالمفاوضات عندما لاحت لهم بارقة أمل بأن الصهاينة سوف يجلسون على طاولة المفاوضات. آمن الفلسطينيون بأن المفاوضات قد تكون السبيل الأنسب للوصول إلى حل نهائي، ولذلك ذهبوا لمدريد ولأسلو ولكامب ديفد ولطابا وعندهم الاستعداد للذهاب لأي مكان من أجل التفاوض على سلام شامل وعادل يحفظ لهم أمنهم وكرامتهم ويعيد لهم أرضهم ومقدساتهم ومهجريهم .
وهذا يعني أن الفلسطينيين لم يتخلوا عن ثوابت محددة تتعلق بالأراضي والقدس واللاجئين ، وهذا ما دفع شارون إلى الإمعان في سياسته العدائية ضد الشعب الفلسطيني بأسرة هادفا من وراء ذلك إلى تركيع الشعب الفلسطيني للقبول بإملاءات الكيان الصهيوني .
يحاول شارون إهانة الشعب الفلسطيني وإذلاله من خلال محاصرة عرفات وتدمير مقره وممارسة سياسة التخويف والإرهاب ضده ليتخلى عن قيادة شعبه، سربت اسرائيل فكرة اختطاف عرفات ونفيه إلى مكان ما وكل ذلك وسيلة للضغط على الشعب الفلسطيني للتنازل عن حقوقه . لم يدر شارون أن استشهاد عرفات أو نفيه لن يغير من ثوابت الفلسطينيين شيئا .
عرفات لن يخلد ولن يبقى رئيساً أبديا دائما للسلطة وهذه سنة الحياة ، فقد يستشهد وقد يموت موتا طبيعيا وقد ينتخب غيره وكل الاحتمالات واردة، ولكن يبقى احتمال واحد مؤكد وهو أن من سيأتي بعد عرفات في سدة حكم الشعب الفلسطيني لن يغير من مطالب الشعب الفلسطيني الرئيسية شيئا، لقد سعى شارون ومن قبله بث الفرقة بين أبناء الشعب الفلسطيني وإذكاء نار الفتنة لينشغل الشعب الفلسطيني عن قضيته ولكن ولله الحمد ورغم الخلافات في الرأي بين فصائل الشعب الفلسطيني حول وسائل تحرير فلسطين إلا أن الفلسطينيين مقتنعون بأن الهدف واحد مهما اختلفت الآراء حول تحقيقه وأن العدو يجب أن يكون واحدا كما أن الجهود لا بد أن تكون موحدة تجاه ذلك العدو . فشل شارون حتى الآن في تحقيق الأمن الذي وعد به اليهود في فلسطين المحتلة ، وكل يوم يكتشف أن القوة لن تجني شيئا مع الشعب الفلسطيني ولكن رغم ذلك لا يزال شارون يمعن في غيه وفي حلمه بتحقيق ذلك الأمن متجاهلا أن هناك شعبا فلسطينيا يبحث أيضا عن الأمن وسيكافح من أجل ذلك الأمن .
لقد تغير الموقف السياسي الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية أكثر من مائة وثمانين درجة منذ أن تسلم الرئيس جورج بوش الابن السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان التعالي واضحا من قبل الرئيس تجاه السلطة الفلسطينية منذ البداية دون مبرر ولا سبب . إن عزف الرئيس بوش عن لقاء الريئس الفلسطيني ياسر عرفات وضع علامات استفهام كثيرة منذ البداية . أليست الولايات المتحدة هي راعية السلام في الشرق الأوسط حسب مؤتمر مدريد؟ أليس من المفترض أن تكون كل الأطراف متساوية في التشاور واللقاءات أليس من حق الزعيم الفلسطيني أن يقابل بوش ليبدي وجهة نظره تجاه الأزمة مثل ما يفعل شارون؟ لماذا يستقبل الرئيس الأمريكي شارون أكثر من ست مرات منذ توليه السلطة ولم يستقبل ياسر عرفات ولا مرة واحدة؟ لماذا التبني للمواقف السياسية والعسكرية الصهيونية ودعمها علنا وسرا على حساب المواقف الفلسطينية؟ كيف يمكن أن لريئس أكبر دولة ديموقراطية كما يقال إن يصف شارون المسؤول عن مذابح صبرا وشاتيلا بأنه رجل سلام وأنه رجل إنسانية ؟ أين حقوق الإنسان التي يدعيها الأمريكيون أم أن تلك الحقوق لأناس دون آخرين ؟ أين الشجب والإدانة عندما ترتكب مجازر ومذابح ضد الفلسطينيين المدنيين في حين يعلو الصوت الأمريكي وتتسابق المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة في شجب واستنكار وإدانة ما يقوم به الفلسطينيون انتقاما لشهدائهم؟ أليس هدم المنازل الفلسطينية جريمة؟ أليس حرق المزارع الفلسطينية جريمة؟ قد يقول قائل ان هذا الموقف جاء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولكن الواقع أن هذا الموقف سابق لتلك الأحداث حيث استمر رفض السلطات الأمريكية لاستقبال عرفات قرابة عام قبل أحداث سبتمبر . أما أحداث سبتمبر فقد زادت الموقف الأمريكي تصلبا تجاه السلطة . لم تكتف الحكومة الأمريكية برفض استقبال عرفات وإنما بدأت في الترويج لعدم صلاحية رئاسة عرفات للسلطة الفلسطينية وبدأت تدريجيا في تجنب مفاوضة مندوبيها الذين يتجهون للبحث في القضية الفلسطينية مع عرفات بل أعلنت صراحة أن عرفات لم يعد يصلح لقيادة الشعب الفلسطيني .
كيف يمكن للولايات المتحدة أن تكون راعيا للسلام في الشرق الأوسط الذي من المفترض أن يكون في هذا السلام نسبة معقولة من العدل في وقت تتدخل فيه بشكل سافر في شئون الشعب الفلسطيني من خلال رفض التفاوض مع قيادته المنتخبة ؟ كيف يمكن لنا أن نصدق أن أمريكا ستسهم في قيام دولة فلسطينية وهي تساند سياسة شارون العداونية الدموية ضد الشعب الفلسطيني؟ كيف يمكن لنا أن نصدق أن أمريكا تساند حق الشعب الفلسطيني في قيام دولة مستقلة وهي تطلب من هذا الشعب الخنوع الاستسلام وعدم المقاومة للاحتلال الصهيوني؟ كيف يمكن لنا أن نصدق بأن أمريكا تسهم في قيام دولة فلسطينية وهي تضع منظمات إسلامية في فلسطين تكافح من أجل الحرية ضمن منظمات إرهابية؟ كيف يمكن لنا أن نصدق أن الولايات المتحدة تساند قيام دولة فلسطينية في الوقت الذي تستخدم قوات الاحتلال الصهيوني اسلحة أمريكية من مدرعات ودبابات وطائرات في قتل الفلسطينيين واغتيال الكوادر الفلسطينية السياسية والعسكرية؟ كيف يمكن لنا أن نصدق أن القيادة الأمريكية تسهم في قيام دولة فلسطينية وهي تساند تصرفات الجيش الصهيوني في تدمير مقر القيادة الفلسطينية وحصار الرئيس عرفات ومعاونيه والسعي إلى إهانته وإهانة الشعب الفلسطيني؟ كيف يمكن أن نصدق أن القيادة الأمريكية تسهم في قيام دولة فلسطينية في الوقت الذي يدمر فيه الجيش الصهيوني منازل الفلسطينيين كل يوم دون محاكمة وعلى رؤوس ساكنيها دون اعتراض ولا إدانة من الحكومة الأمريكية ؟ كيف يمكن أن نصدق أن أمريكا جادة في قيام دولة فلسطينية وهي صامتة عن سياسة الحصار والتجويع التي يتبعها شارون ضد الفلسطينيين في كل مدنهم وقراهم ؟ لم يعد الأمر مجرد شكوك وعلامات الاستفهام تدور حول المواقف السياسية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية التي بالتالي تعكس مواقف الولايات المتحدة تجاه الأمتين العربية والإسلامية لأن هذه القضية تهم العالمين العربي والإسلامي وإنما أصبح الأمر مؤكداً وصريح ومكشوفاً لهذه المواقف، لم يعد هناك سياسة أمريكية تقوم على الحوار الهادىء بل يمكن القول إنه لم يعد هناك مبدأ الحوار والأخذ والعطا في القضية السياسية وبالذات تجاه ما يهم العالمين العربي والإسلامي . إن ما نراه اليوم في السياسة الأمريكية هي إملاءات وفرض رأي حتى وإن حصل حوار فهو مسبوق بالتهديد والوعيد . الموقف الأمريكي تجاه العراق مثل حي وصارخ على هذا التهديد . جاءت الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن وهي تهدد بانه في حالة عدم الاتفاق على قرار فإنها ستعمل بمفردها على نزع أسلحة العراق بل قل تدمير العراق . اصبح المسؤولون الأمريكيون يصمون الأمم االمتحدة بالتقصير والضعف وغير ذلك لا لشيء إلا لأنها تحاول أن تؤدي دورها بما يتناسب وميثاقها التي ليست الولايات المتحدة إلا واحدة من دولها المائة والتسعين وإن كان تأثيرها أكبر . الولايات المتحدة تعتبر نفسها راعية لحقوق الإنسان وللديمقراطية وتستخدمها وسيلة للضغوط على كثير من الدول لمساندة سيادتها ، إلا أن موقف الولايات المتحدة في مجلس الأمن والضغوط لاستصدار قرار ضد العراق ينسف مبادىء الديمقراطية التي يفترض أنها تؤمن بها حيث تهدد بأنه إذا لم يصدر قرار يؤيد شروطها فإنها ستهاجم العراق بمفردها . أليس هذا رفضا للديمقراطية ورفضا لميثاق الأمم المتحدة ؟ لم يعد هناك معقولية ولا عقلانية في السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين وتجاه العالم الإسلامي بشكل عام أصبح أكثر من أربعين جمعية من الجمعيات الإسلامية على قائمة الإرهاب وجمدت أموالها وشوهت سمعتها وبين فترة وأخرى تزداد القائمة طولا وأخيرا وليس آخرا جمعية إسلامية في اندونسيا . وهناك قائمة أخرى تضم رجال الأعمال ولعل آخرها القائمة التي وزعت قبل أسبوعين على الدول الأوربية تضم رجال أعمال سعوديين تساند الإرهاب كما تدعي الولايات المتحدة حيث تطالب الولايات المتحدة بتجميد أموال تلك المجموعة . وليس أدل على اللامعقولية في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية هو خطة الولايات المتحدة لحل القضية الفلسطينية التي أسموها ( خريطة الطريق ). أي خريطة يقصدون وأي طريق يقصدون ؟ هل هي خريطة التغيير وطريق الوصول للعراق ؟ الغموض يكتنف كل جوانب هذه الخطة فيما يتعلق بحدود الدولة الفلسطينية المؤقتة وبجدول تنفيذ الخطة وبكيفية تنفيذ الخطة . المبادرة مرتبطة بحاجة امريكية للمساندة ونوع من التهدئة شأنها شأن خطة متشل وتنت ، وهي خطة للتسكين ولتمكين الكيان الصهيوني من إكمال تدمير البنى التحتية الفلسطينية واغتيال الكوادر الفلسطينية . بيرنز يتفاوض مع الفلسطينيين والإسرائليين، والدبابات الإسرائلية تجوب شوارع المدن والقرى الفلسطينية . القرار الذي صدر من مجلس الأمن يطالب بالانسحاب ولكنه في الواقع يظهر وكأنه يدعو الصهاينة للبقاء في أراضي السلطة الفلسطينية . وتظهر اللامعقولية في السياسة الأمريكية في مسودة القرار الأمريكي الذي وزع على الأعضاء الدائمين في الشرق الأوسط الذي يطلب ما لايمكن تنفيذه وحتى لو وافق العراق عليه فإنه مليء بالثغرات التي تبرر للولايات المتحدة مهاجمة العراق.
والسؤال الذي يمكن طرحه هو : ما الفرق بين غزو أمريكا للعراق وبين غزو العراق للكويت ؟ وسؤال آخر هو : هل ستعاد صياغة ميثاق الأمم المتحدة لينسجم مع توجهات الولايات المتحدة ويصبح هناك فرق بين الحالتين ؟ إن كل شيء اصبح ممكنا ما دامت شريعة الغاب بدأت تلوح في الأفق من جديد؟

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved