Friday 22nd November,200211012العددالجمعة 17 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

حاجة الشباب إلى العلماء حاجة الشباب إلى العلماء
عزيز بن فرحان العنزي (*)

يقول عبدالله بن أبي الحسن الشامي الفقيه الحنبلي: «كنت أسمع كتاب حلية الأولياء، على شيخنا أبي الفضل بن ناصر، فرق قلبي، وقلت في نفسي اشتهيت ان انقطع عن الخلق، واشتغل بالعبادة، ومضيت وصليت خلف الشيخ عبدالقادر الجيلاني، فقال لي إذا أردت ان تنقطع، فلا تنقطع حتى تتفقه، وتجالس الشيوخ وتتأدب بهم، فحينئذ يصلح لك الانقطاع، وإلا فتمضي فتنقطع، قبل ان تتفقه، وأنت فُريخٌ ما ريشت، فإن أشكل عليك شيء في أمر دينك، تخرج من زاويتك، وتسأل الناس عن أمر دينك!!، وما يحسن بصاحب الزاوية ان يخرج من زاويته، ويسأل الناس عن أمر دينه، ينبغي لصاحب الزاوية ان يكون كالشمعة، يستضاء بنوره».
إن فترة الشباب من أعظم الفترات التي تمر على المرء، فالشباب هم الدماء التي تسري في جسد الأمة، وهم مصدر عزها، وقوتها بعد الله تعالى، وهم العاطفة المتقدة، والإبداع في كل المجالات، وهي في الوقت نفسه من أخطر المراحل، ذلك لأن الشباب بطبيعته ميال إلى المغامرة، والتطلع للجديد، واستشراف المخالفة، غير هياب بعواقب الأمور، يدفعه إلى ذلك عنفوانه، وشبابه، وقوته، وصحته، وقد تتشكل عقليته، ونفسيته في طريق غير محمود العاقبة، ولذلك تجد الشاب في هذه الفترة في الغالب كثير الترحل، والتنقل من حيث الأفكار، والأفكار، والآراء، والتصورات، وغالباً ما يقدم عاطفته على عقله، فقد يتأثر بمقولة، أو قراءة كتاب، أو سماع كلمة، قد تشط به بعيدا، أو تهوي به في مكان سحيق، ولكن متى ما ان وفق الشاب لناصح عاقل من أهل العلم، ثبت بإذن الله على طريق واحد، ولزم صراطا مستقيماً، ولذلك يقول بعض السلف «من علامة الفلاح للشاب والأعجمي ان يوفق لعالم سني»، وكانوا يقولون «عليك برأي الشيخ، فقد مرت على وجوههم عيون العبر، وتصدعت لأسماعهم آثار الغير».
فالشاب لا سيما السالك لا يستغني عن عالم عاقل، يستشيره في أموره كلها، ويصدر عن رأيه، سواء في قراءة كتاب، أو النظر في مقالة، أو الخوض في حديث ما، أو تعلم فن ما من العلوم، وقد قيل «المشورة عين الهداية» وهذه طريقة من سلف من أئمة الدين من علماء المسلمين، ولذلك إذا رأيت الحدث عاقلاً، يقر الأمور بتؤدة وروية، وينظر في المصالح والمفاسد، فاعلم انه افراز البيئة العلمية النظيفة، القائمة على الصدور عن العلماء الربانيين الناصحين ولذلك حمدت العرب قديماً آراء الشيوخ، لأنهم قد خاضوا غمار الحياة، وركبوا الصعب والذلول، فحنكتهم التجارب، وعركتهم الأهوال.
فآراؤهم إنما هي عصارة تجارب طويلة، يقطفها الموفق من شيخ قد نضج فكره، ورجح عقله، وتميزت عنده الأمور تميزاً واضحاً لا لبس فيه.
حتى قال بعضهم: المشايخ أشجار الوقار، ومناجع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، ولا يسقط لهم وهم، ان رأوك في قبيح صدُّوك، وان أبصروك على جميل أمدوك.
وقيل: عليكم بآراء الشيوخ، فإنهم ان فقدوا ذكاء الطبع، فقد مرت على عيونهم في وجوه العِبر، وتصدت لأسماعهم آثار الغير.
وقيل في منثور الحكم: من طال عمره نقصت قوة بدنه، وزادت قوة عقله.
وقيل فيه: لا تدع الأيام جاهلاً إلا أدبته.
وقال بعض الحكماء: كفى بالتجارب تأدبا، وبتقلب الأيام عظة.
وقال بعض البلغاء: التجربة مرآة العقل، والغرة ثمرة الجهل.
وقال بعض الشعراء:


ألم تر ان العقل زين لأهله
ولكن تمام العقل طول التجارب

وقال آخر:


إذا طال عمر المرء في غير آفة
أفادت له الأيام في كَرِها عقلاً

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved