Saturday 23rd November,200211013العددالسبت 18 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شيء من شيء من
التأمين على الرخصة
محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

التأمين على الممتلكات، والضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، ومخصصات التقاعد، كل تلك من إفرازات العصر التكافلية، والتي تسعى الدول اليوم الى الأخذ بها لتحقيق اكبر قدر ممكن من التكافل بين الأفراد، اي بين من يملك ومن لا يملك، وحماية حقوق الطرفين انسانيا، خشية انفراط العقد الاجتماعي بينهم بما يقود الى الفتن والكوارث في النهاية. وهي من زاوية اخرى سمة من سمات العصر، وانجاز حضاري انساني ثبتت جدواه وعمليته وعدالته اجتماعيا في العالم اجمع.
ولعل قرار التأمين الالزامي على رخصة قيادة السيارات الذي تم تطبيقه مؤخرا، يصب في هذا الاتجاه وما زلنا ننتظر ان يتبعه قرارات تكافلية اخرى، واهمها «التأمين الصحي».
أعرف ان بعض العلماء، وليس جميعهم، اعترض على سلامة هذه العقود من وجهة النظر الشرعية حتى وان كانت تعاونية. مستندين في أدلتهم الى رؤية هذه القضية رؤية مجردة، لا تأخذ في الحسبان تغير العصر، واختلافه عن العصور الماضية.. فمن نافلة القول ان الدولة، أي دولة، ككيان وحكومة، ومواطنين، تختلف اليوم اختلافا جذريا عنها في الماضي وهنا تبرز فكرة «الوطن والمواطنة» بالمفهوم المعاصر، والتي لم يكن لها وجود كما هي عليه الآن في تاريخ أسلافنا، ففي الماضي لم يكن هناك «وطن» بالمفهوم الحالي، بمعنى كيان جغرافي، ذو حدود ومواطنون واجانب وجنسية وهوية وحقوق مواطنة وحكومة ومؤسسات خدماتية وعلاقات دولية. وهذا بلاشك يجعل الفارق كبيرا بين شكل ووظيفة الدولة وحقوق المواطن والمقيم في الماضي، وشكل ووظيفة الدولة وحقوق المواطن والمقيم اليوم، الى درجة تجعل من الضرورة بمكان، ان تواكب الرؤى الفقهية المعاصرة، والاجتهادات في هذه الشؤون، هذه المتغيرات، ولا تتوقف عند اجتهادات وآراء السلف، بما يحقق في النهاية مقاصد الشريعة وغاياتها على اعتبار القاعدة التي تقول: أينما يكون العدل فثم شرع الله.
ولأن حديثنا هنا عن التأمين على رخصة قيادة السيارات إلزاميا، فان الضرورة، ومصالح الناس، ومسؤولية الدولة، تحتم اتخاذ مثل هذا القرار. وهو بكل المقاييس قرار تكافلي، في ظل الواقع السياسي والاقتصادي والانساني الذي يفرضه تغير شكل ومضمون وعلاقات الناس بعضهم ببعض في الدولة المعاصرة فالتأمين كفكرة يعني ان تدفع القليل نسبيا كي تضمن التخلص من الكثير مستقبلا، مطمئنا ان ثمة من سيتولى انقاذك من آي ورطة مالية قد تحملها لك الأقدار مستقبلا وهو في الوقت ذاته يضمن حقوق الغير من الضياع في حالة عدم قدرة من يكون عليه الحق من دفع ما يترتب عليه ماليا من حقوق الآخرين. والتأمين يحيل المسؤولية من مسؤولية خاصة الى مسؤولية جماعية، او من الفرد الضعيف الى المؤسسة القادرة، وهذا تحديدا ما يسعى اليه التأمين في شقه التكافلي.
وفي ظل ما تشهده المجتمعات اليوم من استعمال كثيف للمركبات الآلية في المواصلات، وما نتج عن ذلك من شيوع الحوادث المرورية، وما يترتب على هذه الحوادث من هلاك في الأنفس، والممتلكات فان غياب التأمين يعني بالضرورة خللا في التكافل الاجتماعي، الأمر الذي يلقى بتبعاته السلبية على المجتمع ككل. ولعل تلك السجون المليئة في المملكة بمن ترتب عليهم حق بسبب حوادث مرورية، ولم يستطيعوا الدفع يؤكد مثل هذه التبعات. وفي المقابل نجد ان ظاهرة سجناء الحق الخاص في الحوادث المرورية لدى الدول التي تطبق مبدأ «التأمين الإلزامي على السيارات» ليست اقل، وانما شبه معدومة، متى ما ثبت ان مثل هذه الحوادث لا تكتنفها شبهات تعمد او جرائم هذا ما تقوله الحقائق الاحصائية بيننا وبين الدول التي تطبق التأمين الالزامي، ولا اعتقد ان العالم او الفقيه لا تهمه هذه الحقائق عند التفكير في هذه المسألة وفي تقديري ان ذلك كافٍ لتبرير سلامة وصوابية وعدالة التأمين الالزامي كمبدأ، اما التفاصيل فبالامكان ضبطها بما يتوافق مع مقاصد الشريعة، وهذا ما نفذه القرار الأخير.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved