أثيرت منذ أسابيع زوبعة إعلامية بخصوص العمل التلفازي الدرامي المصري «فارس بلا جواد» وكان سبب هذه الزوبعة هو أن العمل المذكور قد قدم قراءة تاريخية من منظور فني وإعلامي عربي للأحداث التاريخية التي عرفتها المنطقة العربية منذ نهايات الحكم التركي ودخول الاستعمار، وحتى تمكن الاستعمار البريطاني من التفويت في فلسطين إلى الصهاينة.
ولئن كان هذا العمل ليس الأول من نوعه في تناول هذه الأحداث إلا أن الشيء الذي تميز به هو استلهام كاتبه لمحتوى السيناريو من «بروتوكولات حكماء صهيون» الشهيرة تلك البروتوكولات التي وضعت كتصور وخطة قابلة للتنفيذ من أجل سيطرة اليهود على العالم. ولئن كان البعض يشكك فيها، فإن الغالبية من الناس لا يشكون في التطابق اللافت بين ما جاء فيها وبين ما حدث على أرض الواقع في العالم بعد وضعها، وفي المنطقة العربية خاصة لدرجة أن المرء يقف مأخوذاً أمام قوة التطابق بين ما احتوته البروتوكولات وما تحقق في العالم من أحداث تمحورت حول اليهود عامة والصهاينة خاصة والتي ما زالت تتكشف حتى اليوم.
المهم، ان العمل الفني والدرامي المصري «فارس بلا جواد» قد أراد كاتبه وبطله الرئيسي، الفنان القدير «محمد صبحي» أن يذكّر العالم بهذا التطابق الغريب بين محتويات البروتوكولات والأحداث التاريخية التي عاشها العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وما زال البعض منها يتكشف، بل يتحقق في واقعنا المعاش اليوم.
ولعل هذا التذكير الذي أراد الفنان «محمد صبحي» أن يقوم به خاصة في هذا الخضم الحالي من الأحداث الموغلة في تجسيد البروتوكولات وخصوصاً ما يتعلق منها بمدى استحكام السيطرة الصهيونية على القرار العالمي من خلال تحكمها في القرار الأمريكي، قد شكل ما يمكن أن يكون وخزاً فنياً وإعلامياً يمس حقيقة الظلم الذي تعرض له العرب ويتعرضون له الآن بكل انكشاف واستهتار. وبذلك يجري تذكير الشباب العربي بالحقيقة المرة لهذا الظلم الذي أراد الغرب أن يضرب حوله جداراً إعلامياً سميكاً يحول دون معرفة هذا الشباب بالوثائق التاريخية الحقة.
ومن جهة أخرى أراد اليهود ومن تحالف معهم ان يشوهوا الحقائق ويقدموا العدو في ثوب الحمل البريء الذي يبحث عن السلام والأمن في منطقة لا تريد له ذلك، كما حاولوا ان يصوروه على أنه قابل لأن يتعامل مع جيرانه العرب بكل الثقة والأمانة، وانه لا يريد إلا أن يترك للعيش بسلام بين جيران لا يضمر لهم إلا السلام، بل إن بإمكان هذا السلام أن يجلب كل صنوف الخير والازدهار لأهل الجوار وساكني الديار حتى القاصي منها.
أضف إلى ذلك، فان هذا العمل الدرامي قد عمد إلى كشف مدى الازدواجية وثنائية المكاييل لدى «حماة الحريات» وخاصة حرية التعبير والرأي والإبداع، إذ نراهم الآن يعملون كل ما لديهم من قوة التأثير والضغط لمنع الجميع من بث المسلسل ويهددون باستعمال سلاح العقوبات ضد كل دولة تبثه تلفازياً. وهنا يعجب المرء من هذا التناقض المكشوف والفاضح، فعندما يتعلق الأمر بعمل يسيء إلى العرب والإسلام فلا ينبغي منعه أو مصادرته لانه يدخل في إطار حرية الرأي والإبداع، وعندما يتعلق الأمر بالصهاينة واليهود، تنقلب الآية ويعد ذلك من باب الإساءة إلى السامية والى المعتقد..
ثم إن «العالم الحر» الذي لطالما مارس وصايته على الآخر من خلال حرية الرأي، ولطالما نعتنا نحن العرب بالدكتاتوريات التي تصادر الحريات ولا تقبل بالرأي المغاير، نراه اليوم يتصاغر أمام هذا العمل الدرامي ويعمد هو ذاته إلى إسكات الصوت الحر الناقد، بل ويرتجف أمام هذا الصوت.
من هنا، جاء العمل الدرامي «فارس بلا جواد» ليقدم قراءة حية لواقع الممارسة المقلوبة «للقيم الكونية» البراقة لدى ما يعرف «بالعالم الحر» كما جاء ليذكر القائمين على المشروع الإعلامي المضلل، أن الحقائق لا يمكن أن تنطلي على أحد وأن ما يقومون به هو أشبه بتغطية «عين الشمس بالغربال» وأن سلاحهم الإعلامي العاتي وما سخروه خلاله من أنواع الدعاية يمكن أن يرد عليه بمثله، وانه ينبغي مخاطبة الناس بما يفقهون ومقارعتهم بالسلاح ذاته الذي يستعملون. ولِمَ لا التفوق عليهم في ذلك؟.
وأمام تأكد هذه الحقيقة، فقد قامت قائمة الصهيونية وحماتها، وتحركت الآلة الإعلامية من غرب المحيط إلى تل الربيع مشهرة بالعمل الجديد، وركبت جوادها الرابح عادة وهو معاداة السامية، وكأن العرب من أبناء «حام أو شيث». وأريد للتلفازات العربية أن تمتنع عن بث «فارس بلا جواد» واستعمل في ذلك كل أنواع الترغيب والترهيب وهُدد الممثلون بالمتابعة القضائية. غير أن الاستماتة التي أبدتها الأطراف العربية المتعاطية مع الحدث كانت أكبر، والجواد العربي في هذه القضية وفي هذه المرة، كان أكثر قوة وقدرة على العدو وأصحاب حملة معاداة السامية كانوا هذه المرة بلا جواد.
ولكن إذا نجحت اسرائيل والصهيونية العالمية في إخضاع العرب للابتزاز من الآن فصاعدا اعتماداً على مسألة السامية، فإن ذلك سيكون سابقة خطيرة قد تنتهي إلى إقناع العالم بلا سامية العرب مما سيؤدي في النهاية إلى مضاعفة مفعول الدعاية الخبيثة المعادية للعرب في العالم وفي الغرب بالذات.
أما إذا تحرك العرب في حملة مضادة تعمد إلى إقناع العالم بأحقيتهم بالسامية من اليهود، وبأنه من السخافة اتهامهم بمعاداة السامية ولأنه من الغباء أن يعادي المرء ذاته بل وبإمكان العرب أن يطوروا مفاهيم تشكك في سامية الصهاينة، وتبرهن على ذلك أخلاقياً وجينالوجياً وجغرافياً وتاريخياً، وأن يتخذ ذلك بعداً إعلامياً عالمياً واسعاً.
ونحن متأكدون ان العرب سيجدون من يساعدهم في ذلك نظراً لأن العالم قد سئم لعبة معاداة السامية التي أصبحت أمراً ممجوجاً ومجتراً بل ومقيتاً أكثر من اللازم، ولذا فإن العرب لن يعدموا العون والتأييد في حملة من هذا النوع خاصة انهم ساميون وعندها يكونون قد خدموا قضيتهم وأنقذوا العالم من غول ظل يتربص بهم لعقود كثيرة.
* نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
|