Saturday 23rd November,200211013العددالسبت 18 ,رمضان 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

حركات التجديد في المسرح العالمي الحديث حركات التجديد في المسرح العالمي الحديث (4)
الواقعية الأخلاقية بين إميل أوجيه وتوماس روبرتسون
د. محمد أبوبكر حميد

سارت أعمال الكاتب المسرحي الفرنسي إميل أوجيه Emile Augier (1820-1889م) على درب معاصرة ألكسندر دوماس الابن في توجهها نحو نوعٍ من الواقعية الأخلاقية أي العمل الفني الذي يرصد الواقع ولكن من وجهة نظر أخلاقية تعليمية ومن منطلق هدف إصلاحي يرمي إليه الكاتب. وهي وجهة نظر يرفضها الواقعيون الأصليون -إذا جاز التعبير- لأنهم يرون أن وظيفة الكاتب الواقعي هي تصوير الواقع كما هو. والمجتمع في نظرهم مليء بالشرور، وبالتالي فعلى الكاتب الواقعي أن ينقل هذا الواقع إلى خشبة المسرح دون أي تعديل أو تعليق أخلاقي الذي يعتبر في نظرهم تصويراً مثالياً غير واقعي فهم لا يعترفون بنزعة الخير من الإنسان ورغبته في السمو الروحي والخلقي.
مسرحيات أوجيه
بدأ إميل أوجيه حياته الأدبية سنة 1844 بكتابة المسرحيات الشعرية ولكنه في غضون سنة 1850 اتجه للكتابة للمسرح النثري واجتذبته قضايا عصره الاجتماعية. وكان اول عمل له في هذا الاتجاه مسرحية «ربيب السيدة بيرير» Tne Son in Law of M. Poirier التي كتبها سنة 1854م. وكانت هذه المسرحية وما تلاها قد جعلته في مقدمة الثائرين على إفراط الرومانسية. وتعتبر هذه المسرحية نوعاً من ملهاة السلوك Comedy of Manners في القرن التاسع عشر، فقد سجلت الصراع الدائر بين الطبقة الارستقراطية والطبقة الوسطى النامية الثراء بطريقة تنتهي فيها المسرحية إلى حل عاطفي حيث تتصالح الزوجة مع زوجها الذي ينتمي لطبقة النبلاء وفي نفس الوقت ترضي والدها البرجوازي الغني.
وفي سنة 1855 قدم مسرحية «زواج الاولمب» Olympe's Marriage التي اعتبرها النقاد رداً على مسرحية غادة الكاميليا لدوماس الابن فقد صور إميل أوجيه حياة امرأة ساقطة كما هي في الواقع دون أية نظرة أخلاقية أو تعاطفية فجاءت على العكس من الكاميليا التي ينتهي الجمهور بالتعاطف معها والحقيقة ان مسرحية أوجيه أقرب في تصويرها إلى مسرحية «نصف العالم» لدوماس الابن منها إلى «غادة الكاميليا»، فقد اهتم أوجيه بتصوير العواقب الوخيمة التي يسببها زواج امرأة ذات ماض مشين من رجل نبيل أو ثري. وفي مسرحية «الشباب» Youth التي كتبها سنة 1858م صور جوانب الفساد في حياة المدن الكبرى وتفكك العائلة بخيانة الزوجة. وفي مسرحية «الوقحون» «The lmpertinent» (1861م) يهاجم انحراف الصحافة والقوة الهائلة التي يتمتع بها الصحفيون ورؤساء الصحف وطريقة استغلالهم غير السليم لهذه القوة. وقد أنهى أوجيه حياته بكتابة أقرب أعماله إلى الواقعية مثل مسرحية «السيدة كافرلت» Madame Caverlet (1876) التي تعرض فيها إلى معالجة المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالطلاق.
أثره ومكانته
وعلى أية حال يرى الواقعيون ان مسرحيات إميل أوجيه أقل عيوباً من مسرحيات دوماس الابن فقد حاول أن يكون موضوعياً نوعاً ما في تصوير كافة الأطراف والطبقات كل من وجهة نظره الشخصية نفسها. ومن ناحية البناء المسرحي حاول أوجيه إخفاء ملامح «المسرحية المتقنة الصنع» التي استفاد منها كما حاول ألا يجعل رؤيته الأخلاقية وأهدافه التعليمية واضحة وضوحها في أعمال دوماس الابن بل ألبسها قناعاً من الاعتدال. ومن هنا يحتل إميل أوجيه مكاناً وسطاً بين مسرحيات يوجين سكريب المتقنة الصنع ومسرحيات أبسن التي تمثل النضج الواقعي. المهم أن أعمال كل من ألكسندر دوماس الابن وإميل أوجيه كانت الارهاصات الأولى للواقعية في فرنسا وإن لم يرض عنها الواقعيون كل الرضا بسبب التزامها الأخلاقي. وقد سجل لهما تاريخ المسرح الحديث بأنهما لم يكونا من الكُتَّاب المبدعين والمنتشرين في فرنسا وحدها فحسب بل تجاوزاها إلى كافة البلاد الأوروبية.
توماس روبرتسون
اما في بريطانيا فإن الارهاصات الأولى للواقعية بدأت مع أعمال توماس وليم روبرتسون Thomas William Robertson (1829 1871م) الذي يعتبر رائد الاتجاه الواقعي في الملاهي (الكوميديا) الاجتماعية التي أخرجها وأنتجها أو التي كتبها.
ففي الفترة ما بين 1865 1870 تفرغ روبرتسون لكتابة مسرحيات اسست شهرته كمؤلف واقعي يتعرض لقضايا عصره الاجتماعية فكتب مسرحيات مثل المجتمع Society (1865)، (لنا) Ours (1866) ومدرسة School (1869). وهكذا تدل عناوين مسرحيات روبرتسون على موضوعاتها، وكأن تمرس الكاتب بالاخراج والانتاج المسرحي قد اعانه على اعطاء صور مقنعة لمشاهدة المسرحية، فيسهل التعرف على شخصياته كنماذج حية في المجتمع وبالمثل برع روبرتسون في معالجة عُقد مسرحياته واستطاع ان يجعل الحوار سهلا وقريبا من لغة الحوار في الحياة اليومية. وكمخرج مسرحي أرسى روبرتسون قواعد العمل الجماعي في التمثيل والاهتمام بالدقة والتفاصيل الواقعية فيما يتبع المشهد المسرحي من تصوير كامل للبيئة التي يدور فيها الحدث لدرجة انه يصعب فهم مسرحياته بدونها، لذلك فإن وصف المشهد المسرحي في مسرحياته يحتل مساحة كبيرة قبل البدء في الحوار.
وهكذا أصبح تجديد روبرتسون في طرق الاخراج المسرحي واتجاهه به نحو الواقعية لا يقل أهمية عن إنتاجه المسرحي بل يعتبره بعض النقاد أكثر تأثيراً في المسرح الإنجليزي في زمنه من مسرحياته نفسها.
الواقعيون الأوائل
ولقد ظلت خطوة روبرتسون نحو الواقعية في المسرح الإنجليزي يتيمة لمدة لا تقل عن عشرين عاماً من بعده حتى يأتي من يواصل هذا الاتجاه. ومن هذا نخلص إلى ان جهود كل من الكسندر دوماس الابن، وإميل أوجيه وتوماس وليم روبرتسون هي أهم من بشر بالارهاصات الواقعية في المسرح الأوروبي ووضع حجر الأساس لها في المرحلة الانتقالية التي يحددها النقاد الغربيون في الفترة من 1850 إلى 1870م. ومهما يكن النقد الذي يوُجه لانتاج كُتَّاب هذه الفترة فإنهم هم الذين مهدوا الطريق لكبار أدباء الواقعية الذين جاءوا من بعدهم في سبعينيات القرن التاسع عشر وفي مقدمتهم هنريك إبنس.
المصادر:
1- Savin, Maynard, Thomas William Robertson His plays and his stagecraft providence, R.i., 1950.
2- Smith, Hugh, A main Currents In modern French Drama, New York, 1925.
3- Watson, Ernest, Sheridan to Robertson; A stndy of the 19 th century London Stage.
4 - Weinberg, Bernard, French Realism: 1830 - 1870, Chicago, 1937

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved