Tuesday 17th December,200211037العددالثلاثاء 13 ,شوال 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دفق قلم دفق قلم
المخالطة والصبر على الأذى (2)
عبدالرحمن صالح العشماوي

آداب المخالطة للناس واضحة المعالم في ديننا الحنيف، ففي القرآن الكريم والسنة النبوية أدلةٌ كثيرة على آداب مهمة في موضوع «المخالطة» بصفة عامة، تتمثَّل في عدم التحاسد والتباغض والتدابُر، وعدم النيل من الأعراض، وفي وجوب الابتعاد عن الغيبة والنميمة، وعن سوء الظن لأنّ بعض الظن إثم، وتتمثَّل تلك الآداب في سلامة الصدر، وحسن المنطق، والوضوح والصراحة حين بذل النصيحة، مع البعد عن نية الإساءة والإيذاء، وقد مدح الله سبحانه وتعالى رسوله بصفةٍ تُعد من أهم آداب المخالطة التي تؤلِّف الناس، وتفتح صدورهم لقبول الحق، والاستماع الى النصيحة: {فّبٌمّا رّحًمّةُ مٌَنّ اللّهٌ لٌنتّ لّهٍمً وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ}.
وتبرز آداب المخالطة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ، بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمُه، وعرضه، ومالُه، إنَّ الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم».
ولاشك أن هذه الآداب عظيمة في بناء حياةٍ إنسانية قائمة على الخير، وقصد الإصلاح بعيداً عن «الظن السيِّئ» الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه «أكذب الحديث»، وعن الصفات الدنيئة التي تجلب الدَّمار للحياة الاجتماعية المستقرة، وهي صفات الحسد والبغضاء والمقاطعة والتجسُّس، والظلم والخذلان والاحتقار، نعم.. إن آداب المخالطة والمعايشة للناس واضحة كل الوضوح في شرعنا الإسلامي الحنيف، ولها أبعادها وحدودها وتعليماتها التي يجب أن يضعها العالم، والداعية المصلح، والمفكر والأديب، والمثقف الواعي نصب أعينهم حينما يخوضون غمار الحياة العامة، ويعايشون الناس في أعمالهم ومجالسهم ولقاءاتهم، واحتفالاتهم، ومناسباتهم العامة والخاصة.
ولا شك أن المخالطة القائمة على هذه الآداب مهمة لكل من يسعى الى تقديم ما يستطيع من الخير الى الناس، ولكنها في الوقت نفسه لا تعني أبداً أنْ يُقرَّ الإنسان المخطئين على خطئهم، والمنحرفين على انحرافهم، بل لا بد أنْ يكون له أثرٌ إيجابي في الناس الذين يخالطهم، بحسب قدرته واستطاعته.
ويبرز أمامنا هنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم علامةً واضحة في تحديد أهمية هذه المخالطة الإيجابية للناس، يقول عليه الصلاة والسلام: «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خيرٌ ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم»، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهنا تحديد واضح، وعبارة صريحة في قضية «المخالطة»، فالحديث الشريف ينقل هذا الموضوع نقلاً جليَّاً من الهامش الى المتن، ومن الأطراف الى القلب مباشرة، حيث يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ المخالطة مع الصبر على الأذى، خيرٌ من عدم المخالطة وعدم الصبر على الأذى، وأنَّ ذلك الرجل المصلح الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم يفوز بلقب «الخيريَّة» الممنوح ممن لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلا حقاً عليه الصلاة والسلام.
وهنا تصبح المسألة مسألة «الأفضلية والخيريّة»، وترتفع عن كونها عملاً جانبياً يستوي من يقوم به ومن لا يقوم.
والحديث الشريف يوضح لنا بجلاءٍ نوع المخالطة، فهي ليست مخالطة خاصة بأهل الخير والصلاح، ولكنها مخالطة عامة للناس بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «ويصبر على أذاهم»، فهناك أذىً، وهو أذىً يتصف بالشدة، والكثرة أحياناً، وإلا لما كان الانسان بحاجة الى الصبر، فهنا صبرٌ على مكروه ينال الذي يخالط الناس من الدعاة والمصلحين، وهذا الصبر على ذلك الأذى يحقق للمخالط الصابر المحتسب الخيريَّة التي تجعله خيراً من ذلك الداعية المنعزل عن الناس الذي لايتعرض للأذى بسبب مخالطته لهم.
هل يجبر الانسان على المخالطة؟، كلاَّ، ولكن المخالطة الإيجابية مع الصبر على الأذى خيرٌ من عدمها، إنها تعاليم الدين الذي ختم الله به رسالات السماء.
إشارة:


قد أشرقت شمس دين الله فانتظري
على ضفاف الأماني البيض أشعاري

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved