* القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
وسط ظروف دولية وإقليمية بالغة التعقيد تواصل الفصائل الفلسطينية حوارها في القاهرة من اجل توحيد الصف الفلسطيني والاتفاق على برنامج عمل مشترك في المرحلة القادمة، وهذا الحوار الشائك الذي يتم برعاية مصرية اوروبية كان قد بدأ منذ شهور قليلة مضت من خلا ل عدة اجتماعات عقدت في غزة شاركت فيها فتح وحماس والجبهتان الشعبية والديمقراطية والجهاد، ثم استؤنف الحوار الشهر الماضى في القاهرة بين فتح وحماس كجولة اولى وقررت فيه حماس وفتح تعزيز الوحدة الوطنية واكدتا رفضهما لاي قيادة بديلة لقيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الا انهما لم تتوصلا الى اتفاق في شأن العمليات الاستشهادية وهي القضية التى ما زالت محور نقاشات وخلافات بين الفصائل الفلسطينية.
حوار القاهرة بين الفصائل الفلسطينية الذي يتواصل هذا الاسبوع يهدف في الاساس الى إيجاد مساحة اتفاق بين الفصائل كافة حول برنامج عمل مشترك بحيث يكون للسلطة الفلسطينية حق التفاوض باسم الجميع مع اسرائيل على وقف اطلاق النار ووفق آخر التصريحات ستشارك في هذا الحوار حركات فتح وحماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحزب فدا، فيما وجهت مصر الدعوة لجبهة التحرير الفلسطينية للمشاركة في الحوار.
خلافات وصراعات
ووفق رؤية كثير من المحللين فان نقطة الخلاف الجوهرية في هذا الحوار تتمثل في رؤية كل فصيل للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وتتمركز بشكل جوهري في الخلاف حول العمليات الاستشهادية وتبدو المشكلة الاساسية في موقف حركة حماس باعتبارها الطرف المعارض الأقوى الذي يتمتع بوجود شعبي كبير ولايوافق على وقف هذه العمليات.ويصف المحللون حوار الفصائل الفلسطينية بالصعب في ظل الخلافات والصراعات الكامنة بين هذه الفصائل والتي كشفت عن نفسها في الفترة الاخيرة من خلال تبادل الاتهامات ووصلت الى حد اقتتال بعض الفصائل، وهو ما يضع صعوبات كثيرة من وجهة نظر المحللين امام الوصول الى اتفاق يجمع بين هذه الفصائل وهو ما ظهرت بوادره في الجولات السابقة التى تمت في اطار الحوار وكشفت عن ازمة حقيقية داخل الصف الفلسطيني.
ففي حين كان النقاش حادا بين اعضاء تنظيم حركة فتح ووفد حماس في جلسات الحوار التى استضافتها القاهرة الشهر الماضي حول احدى اهم القضايا المطروحة على جدول اعمال الحوار وهي وقف العمليات الاستشهادية وصلت الانباء بحدوث هجوم فلسطيني على مستوطنة بيستر الاسرائيلية قتل فيه خمسة اسرائيليين وجرح ثلاثة واعلان كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح مسؤوليتها عن العملية وهو ما اربك وفد فتح خاصة انهم كانوا يطالبون بوقف العمليات الاستشهادية خلال حوارهم مع حماس وهو ما اضعف موقفهم امام وفد حماس الذي ابدى ارتياحه للعملية ورأت السلطة الفلسطينية في العملية محاولة لاجهاض حوار القاهرة وأن السلطة الفلسطينية هي المقصودة من هذه العملية خاصة ان المستوطنة التى تمت فيها يسكنها عدد من دعاة السلام المؤيدين لحقوق الفلسطينيين وتقع داخل الخط الاخضر ، وظهرت مقولات بان هناك داخل تنظيم السلطة وجناحها العسكري من لا يلتزم بمواقفها ويحاول ان يوجد مسافات بينه وبين السلطة فيما يخص استمرار العمليات الاستشهادية.ولم يتوقف الامر عند هذا الحد فقد حاول مجهولون في غزة اختطاف بهاء المرهون احد قادة حماس وقيل ان هذه العناصر تنتمى الى احد الاجهزة الامنية الفلسطينية، واعلن المتحدث الرسمي باسم حماس انه منذ بدء حوار القاهرة تعرض قيادات من حماس لمحاولات اختطاف واطلاق نار من قبل الاجهزة الامنية وبات واضحا ان هناك من يحاول اجهاض محاولات الصلح بين حماس وفتح في حوار القاهرة خاصة ان هناك قضايا معلقة لم يتم حسمها بين الطرفين منذ اكتوبر الماضي على خلفية قيام عماد عقل احد قادة حماس ومجموعة تابعة له باغتيال العميد راجح ابو لحية مسؤول مكافحة الشغب في الشرطة الفلسطينية في غزة في عملية اخذ بالثأر نتيجة مقتل شقيق عماد عقل في غزة منذ عام في مظاهرات خرجت من الجامعة الاسلامية.الجانب الآخر الذي ظهر في صراع الفصائل الفلسطينية تمثل في اتهامات متبادلة فيما بينها بقيام بعض الفصائل بتبني عمليات استشهادية تقوم بها فصائل اخرى وهو الاتهام الذي وجه الى حركة حماس بعد عملية الخليل في 14 نوفمبر الماضي بأنها تبنت العملية التى قامت بها حركة الجهاد الاسلامية وكذلك صرحت حماس بأن كل الفصائل المقاومة خصوصا الجهاد تبنت بعض العمليات وثبت فيما بعد انها لحماس.
جدل العمليات الاستشهادية
العمليات الاستشهادية التى كانت محلا للسباق بين بعض الفصائل الفلسطينية على تبنيها صارت في حوار القاهرة محلا للخلاف حول جدواها وعدم جدواها واحتدم النقاش حولها مع مطلب حركة فتح والسلطة الفلسطينية بضرورة وقفها قائلة ان الظروف الدولية والاقليمية والاوضاع في اسرائيل وفي الاراضي الفلسطينية تستوجب ضرورة وقف العمليات الاستشهادية التى تتخذها اسرائيل ذريعة لاستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني، وذلك في وقت تعارض فيه بعض الفصائل الفلسطينية وقف هذه العمليات ما دام العدو الإسرائيلي مستمر في سياسات العنف والقتل ضد الشعب الفلسطيني، في حين يرى فريق ثالث من الفصائل التمسك بهذه العمليات ويرى انها الوسيلة الوحيدة الأنسب لمقاومة العدوان الإسرائيلي.
هذا الجو من الخلاف حول احد اهم محاور الحوار الفلسطيني الفلسطيني في القاهرة يمثل صعوبة كبيرة كما يقول الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أمام الوصول إلى اتفاق بين الفصائل الفلسطينية ويقول (جاد) إن المشكلة تكمن في وجود منطلقات مختلفة لعمل هذه الفصائل واداراتها للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي خاصة حركة حماس التى تعمل من منطلقات اسلامية تنكر على اسرائيل حق الوجود وتدعو الى قيام دولة فلسطينية في حدودها التاريخية من البحر المتوسط الى نهر الاردن وترفض حتى القبول بالعودة الى حدود 1967.
وأضاف: المعروف ان حماس تبنت معظم العمليات الاستشهادية التى وقعت في اسرائيل منذ 1994 حتى اليوم وتنسب اليها قوات الاحتلال القيام بنسبة 50 ،7 من هذه العمليات ولذلك فمن الصعب قبولها بوقف العمليات الاستشهادية، وهناك حدود للوصول الى حل معها في هذا الاطار. ومن ناحية اخرى فان هناك فصائل اخرى يمكنها القبول بحل وسط يحدد أساليب المقاومة بعيدا عن العمليات الاستشهادية ولكنها تشترط وقف العمليات الإسرائيلية اولا ومن هذه الفصائل حركة الجهاد الإسلامي التى اطلق امينها العام مبادرة اعلن من خلالها انه اذا اوقفت اسرائيل عدوانها على الشعب الفلسطيني واستهدافها للمدنيين الفلسطينيين فانه يمكن للجهاد والفصائل الاخرى ان تفكر في هذا الاتجاه، مؤكدا حرص حركة الجهاد على انجاح الحوار وتوحيد الصف الفلسطيني.ويقول الدكتور عماد جاد ان نجاح الحوار في مصلحة الشعب الفلسطيني ولذلك فلا بد ان تسعى الفصائل الى التوصل لاتفاق وحل يوحد الاجندة الوطنية ويعمل على تهدئة الامور. واضاف: الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وفصائله يسعى لتحقيق هدف واحد وهو انهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة دولة فلسطينية، وهناك ادوات ووسائل عدة لتحقيق هذه الاهداف والعمليات الاستشهادية احد هذه الوسائل وليست كلها، وحينما تقيم كل الوسائل من منظور المكسب والخسارة ووجد ان هناك وسيلة تجلب خسائر اكثر مما تجلب من المكاسب فمن الضروري مراجعتها ووضعها في اولوية متأخرة، وفي ظل الظروف الدولية المعقدة بعد 11 سبتمبر والرفض العالمي لاستهداف المدنيين ووصفهم للمقاومة الفلسطينينة بالارهاب كان من الضرورى مراجعة هذه الوسيلة والتخلي عنها ولو مؤقتا.
ولعل تصريحات مسؤولين في السلطة الفلسطينية تتوافق مع رؤية الدكتور عماد جاد، حيث دعا ياسر عبد ربه وزير الثقافه والاعلام الفلسطيني الى اعادة النظر في اساليب المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي خاصة العسكري منها ووصفها بأنها ليست اساليب مقدسة ويجب تغييرها بما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني العليا، ووفق تصريحات نبيل شعث فان فتح تصر على مواقفها من وقف كل العمليات ضد المدنيين الاسرائيليين كمرحلة اولى لوقف اطلاق النار، وقال ان المحادثات القادمة ستتناول ايضا تعهدا من حماس بقبول قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس حتى حدود 1967 فقط من خلال اتفاق فلسطيني شامل. ويتم وقف اطلاق النار على مرحلتين اولا ان يكون وقف اطلاق نار ضد المدنيين وانسحاب اسرائيل الى الاراضي التي احتلتها مع بداية الانتفاضة والمرحلة الثانية بوقف اطلاق نار شامل وانسحاب اسرائيل لحدود الرابع من يونيو 1967.ويرى ضياء رشوان الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان التوصل الى اتفاق في هذا الشأن سيكون صعبا ولكن ليس مستحيلا، فالمقاومة وتوحيد الصف ليسا خيارين متعارضين وكلاهما مطلوب لتحقيق الهدف الفلسطيني واذا تفهمت الفصائل هذه الحقيقة يمكن التوصل الى صيغة تحقق الاثنين معا فالتهدئة لا تعني بالضرورة وقف المقاومة او الغاء دورها ولكن الهدف هو توحيد تصورات ورؤى جميع الفصائل للمقاومة وكيفية ادارتها فالتفريط في المقاومة لن يكون مقبولا من احد ووقفها بدون مقابل لا يملكه احد وليس من خيار بديل لها ولكن بالوسيلة التى تحقق الهدف. المعروف ان حوارات القاهرة تتم على جبهتين الاولى حوارات حماس وفتح لضبط مفهوم العمليات الاستشهادية والثانية ثنائية بين مصر وكل فصيل على حدة لتوحيد المواقف ورغم الحوارات التى تمت بين فتح وحماس في غزة والقاهرة من قبل حول قضية وقف العمليات الاستشهادية الا انها لم تحسم ومرت دون التوصل الى حل ملموس اللهم الا في التوصل الى اتفاق بتشكيل لجنة مشتركة في الداخل للتنسيق الثنائي وحل الخلافات وتعزيز و تكريس الوحدة الوطنية بكل الوسائل الممكنة واعتبار الحوار امتدادا للحوارات الخارجية.ولكن مؤشرات عديدة ظهرت تؤكد ان حماس وافقت على وقف العمليات الاستشهادية دون اعلان ذلك خاصة مع ضغوط الطرف الاوروبي الذي عقد عدة لقاءات مع قادة حماس في غزة لاقناعهم بذلك لتسيير الامور في ظل التشكيلة الحكومية الإسرائيلية الحالية التى تتسم بالتشدد والمزايدة كعنوان للمرحلة الانتخابية وتتخذ من العمليات الاستشهادية ذريعة لذلك.وكانت حماس قد وافقت في الصيف الماضي على وقف العمليات الاستشهادية داخل الخط الاخضر وتراجعت عن ذلك بعد اغتيال صلاح شحادة. ويشير بعض المراقبين الى ان هناك من عرض على حماس اقتراحا بوقف العمليات ضد المدنيين في مقابل وقف العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
|