السلامة هذه المفردة التي تعني الكثير من المعاني والدلائل التي لا بد من التوقف والتأمل عندها، وصولا إلى تحقيق المبتغى الذي عنيت من أجله اسماً ومعنى، ولهذا لعلنا ندرك هذه المعاني والدلائل لنسعى جاهدين إلى توظيفها التوظيف الأمثل فيما يحقق الآمال والأماني في كافة مناحي الحياة.
وتأتي السلامة المهنية كأحد أركان السلامة عامة، والتي تعد الركيزة الأساسية لوقاية العمال من الأخطار المهنية،، ويتأتى النيل من هذه الوقاية عندما يكون في تطبيق السلامة المهنية التطبيق السليم الذي من شأنه إيجاد بيئة عمل صحية ملؤها التكيف والانسجام لدى العمال أنفسهم، الأمر الذي يرفع من مستوى الانتاجية تحقيقاً لعلو قوة العمل المنشودة، ولهذا وجب المضي قدماً في تعزيز روح السلامة المهنية عبارة ومعنى، داخل وخارج محيط دائرة العمل، وبجهود تتظافر من الجميع عمالا وأصحاب عمل وجهات حكومية مشرعة لأنظمة وقواعد السلامة المهنية ومشرفة على تطبيقها، لجعل السلامة المهنية محققة المبتغى الحقيقي منها وهو رفع شعار «الأمن والأمان لسلامة بيئة العمل» وإذا ما أردنا أن ننشد ونحقق المطلوب في النيل من سلامة مهنية حقه، فإن الأمر لم يعد متمثلا في تفويض المسؤولية المطلقة تجاه جهة دون أخرى، فالمسؤولية الرئيسية هي مسؤولية مشتركة لا بد من توافرها بين أيدي الجميع، لأن هؤلاء مجتمعون كل منهم يكمل الآخر قولا وفعلا، تحقيقاً لسمو السلامة المهنية المؤملة، ولهذا باتت المسؤولية مشتركة، والإتيان بها أمر تتطلبه الحياة العملية من كافة جوانبها، ولهذا فانه إذا ما أردنا أن نوجد بيئة عمل صحية فاعلة، فان الأمر يتطلب مبادرة الجميع في إحياء مستمر ومطور لمشاريع السلامة المهنية، والكل يعول عليه الشيء الكثير كل حسب إختصاصه وواجباته، فالجهات المشرعة لهذه التنظيمات لا بد بداية أن يتأتى منها أنظمة تتضمن المبادئ والتنظيمات التي من خلالها نكتسب شأناً ذا أبعاد مؤملة في السلامة المهنية الحقيقية، كما انه ليست التشريعات النظرية وحدها المعين في تحقيق ما نصبو إليه من نيل سلامة مهنية منشودة، ولهذا لابد من أن يتبع ذلك تفعيل مستمر في تطوير أنظمة السلامة المهنية القائمة من جانب وكذا الإشراف في التأكد من تحقيق هذه الأنظمة على أرض الواقع من جانب آخر، وذلك من لدن كافة المنشآت الاقتصادية، ودور منتظر من لدن أصحاب العمل الذين هم قادة دفة بيئة العمل الذي ننشد سلامتها دائماً، بأن يتأتى منهم الكثير من تفعيل روح السلامة المهنية بجعلها مطبقة داخل منشآتهم تطبيقاً فعلياً سليماً وقويماً، حسب ما تمليه مبادئ وأصول هذا النمط المنشود، سعياً لإيجاد بيئة عمل محقق السلامة المهنية حسب أصولها وأعرافها، والعاملون الذين هم المعنيون بهذا الأمر، لا بد أن يتأتى منهم أمور أساسية أهمها الالتزام بأنظمة السلامة المرعية، التي من الواجب اتباعها بين وقت وآخر، لأن العامل هو المورد البشري الذي من أجله نسعى إلى تفعيل أنظمتنا العمالية، تحقيقاً لإنتاجية العمل المؤملة. ولذلك وجب على هذا العامل المشاركة الدؤوبة في تفعيل أنماط السلامة المهنية، ولعلنا هنا ننادي بتفعيل الدور الوظيفي الخدمي من لدن الإدارة العامة للأخطار المهنية بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومكاتبها التابعة لها في كل منطقة ومحافظة، فالملاحظ أن هناك البعض من أصحاب العمل يلاحظون مدى تدني مستوى الخدمة المقدمة في معالجة العاملين المصابين لديها بإصابات مهنية، حيث يواجهون روتيناً مطولا في إعداد الإجراءات اللازمة لتحقيق المبادرة في معالجة إصابات العمل، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يذكرون أن بعض المراكز الصحية المكلفة بمعالجة العمال المصابين، يقدمون الاعتذار عن المعالجة الطبية، تبريراً أو إدعاء منهم أن هذه إصابة عمل وتلك لا تعد إصابة عمل، في الوقت الذي تتم فيه الإصابة داخل منطقة العمل على حد ما يذكر بعض أصحاب العمل موضوع القضية، ويبدو أن هذا الأمر يزداد تعقيداً حينما تتم معالجة الإصابة في مراكز صحية لا تتبع المؤسسة، خصوصاً وأن المؤسسة لا تتوافر لديها سواء مراكز أو مشاف محدودة للغاية على مستوى البلاد، في الوقت الذي لم تعتمد المؤسسة مراكز صحية أهلية إلا بأعداد قليلة لا تتناسب والأعداد الكبيرة لعمالة القطاع الخاص التي تربو على عشرة ملايين عامل المنتشرة في كافة مناطق ومحافظات ومراكز المملكة، خصوصا بعد أن تم تطبيق نظام التأمينات على كافة المنشآت الاقتصادية عامة.
وأما عن أصحاب العمل فانه يلاحظ ان العديد منهم، الذين لا تتوافر داخل منشآتهم أدوات السلامة النظامية أو ربما يتوافر ذلك بصورة عينات من الإسعافات الصحية الأولية أو الوقائية اعتقاداً بتفادي شبح الأخطار المهنية بشكل أصبح ذلك يمثل لديهم طابعاً رمزياً في تحقيق مبدءاً السلامة، في حين أن المفترض تفادي هذه الأخطار بتأمين كافة وسائل السلامة المهنية حسب مواصفاتها ومقاييسها المحلية والعالمية تجاه عامل المنشأة، بدءاً عند تأدية واجبه من خلال ما يرتديه وما يكون له ضرورياً في استعماله لأي أجهزة صناعية أو غيرها في بيئة العمل، في الوقت نفسه لا بد من أن تطبق كافة المنشآت وبالذات الصناعية منها ضوابط وتقرنها بعقوبات إدارية تجاه العمال الذين لا يلتزمون باستخدام أو استعمال أدوات السلامة المهنية، وبمفهوم آخر نحث على وجوب تطبيق عناصر السلامة المهنية بصفة مستمرة وفي أي موقع من مواقع العمل، كما انه لا بد من نهج سياسة إعلامية مدروسة لتحقيق أمن صناعي منشود، ولأن هذا من وجهة نظر أرى أن في تطبيقه مكسباً كبيراً للنيل من بيئة عمل عنوانها الأول والأخير «السلامة المهنية أولاً وأخيرا»، بجانب ما يتحقق لها من أنظمة وضوابط من جهات أخرى تشريعية ورقابية سواء رقابة حكومية أو رقابة أصحاب ومديري المنشآت الاقتصادية في الحث المستمر على تطبيق هذا النوع من السلامة، وكما هو معروف أن للإعلام دوراً بارزاً في زيادة الوعي لدى الفرد، ولهذا يأتي دور الإعلام ملحاً في هذه المرحلة لجعل السلامة المهنية تتحقق في نفوس العاملين مفهوماً وتطبيقاً، كما علينا ألا ننسى أن هناك عمل رقابياً حكومياً يتمثل في دور مكاتب العمل والعمال المنتشرة في أنحاء البلاد والتي يصل تعدادها إلى سبعة وثلاثين مكتباً، هذه المكاتب يشاهد أنها تؤدي دوراً ملحوظاً في إلزامية تطبيق أنظمة العمل التي من خلالها تؤكد على ضرورة توافر أجهزة وآليات السلامة المحققة للوقاية من الأخطار المهنية، في الوقت الذي نقترح أن تتضمن هذه الرقابة الحكومية في إلزامية المنشآت الاقتصادية بضرورة توفير وسائل السلامة المهنية كاملة مع وجوب السعي إلى تحديثها ومواءمتها لمتطلبات آليات العمل عامة.
* الباحث في شؤون الموارد البشرية للتواصل فاكس: 2697771«01» ص ب 10668 الرياض 11443 |