* القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
أطلقوا عليها قمة المفاجآت والمبادرات والمصالحات .. تلك هي قمة بيروت 2002 التي كانت من ابرز حصاد العام المنقضي بخروجها بإقرار المبادرة السعودية كمبادرة عربية للسلام في الشرق الأوسط وكان السؤال الهام الذي يطرح نفسه بعد انتهاء أعمال القمة في مارس 2002 ماذا بعد القمة ؟!! هل ستتحقق مبادرة السلام العربية التي طرحتها القمة على ارض الواقع ام أنها ستواجه المخاض الصعب الذي واجهته قمة كانت بحق من اصعب القمم العربية واقلها في نسبة الحضور والمشاركة للقيادات العربية حيث عقدت بغياب 13 قائدا وزعيما عربيا و بمشاركة 9 منهم فقط غادر اغلبهم بيروت بعد الجلسة الافتتاحية كذلك فقد انعكس غياب الرئيس الفلسطيني عرفات الحاضر الغائب على سير أعمال القمة.
ومع بداية أعمال القمة برزت تساؤلات عديدة حول غياب بعض القادة العرب عن القمة والذين كان من المؤكد حضورهم حتى اللحظة الأخيرة ومنهم الرئيس المصري حسنى مبارك الذي أعلن ان غيابه عن القمة يأتي تضامنا مع عرفات ومنعه من مغادرة رام الله للمشاركة في القمة والمخاوف من عدم عودة عرفات مرة أخرى الى فلسطين كما اثار الغياب المفاجئ صباح يوم القمة للملك عبد الله بن الحسين رئيس قمة عمان عن المشاركة العديد من التساؤلات حيث كان يفترض ان يكون آخر الواصلين لبيروت صباح يوم القمة وتردد انه استقل بالفعل الطائرة للتوجه الى بيروت ولكنه غادرها بعد تلقيه معلومات عن الحالة الأمنية ، كما أثارت المشاركة السريعة لملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى وإلغاء كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة للترحيب بأشقائه في البحرين في القمة العربية القادمة العام المقبل بدلا من إلقائه للكلمة في الجلسة الختامية أثار ذلك أيضا العديد من التساؤلات .
وفي الجلسة الافتتاحية انسحب الوفد الفلسطيني احتجاجا على عدم إذاعة كلمة الرئيس عرفات وأثار عدم إذاعة خطاب عرفات بدعوى الأسباب الفنية موجة استياء أدت إلى تصاعد الأزمة التي استمرت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي ، ومع كل هذه الأزمات التي بدأت بها القمة ازداد قلق المشاركين من فشلها قبل ان تبدأ إلا أن جهود المشاركين وعلى رأسهم وفد المملكة العربية السعودية نجحت في تهدئه الأجواء واستئناف أعمال القمة وعودة الوفد الفلسطيني الى المشاركة.
إنجازات القمة
على رأس إنجازات القمة العربية ببيروت 2002 يأتي إقرار المبادرة السعودية كمبادرة عربية للسلام والتي لاقت ترحيبا وتأييدا عربيا ودوليا واسعا وكذلك كان العناق بين سمو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز وعزة إبراهيم نائب الرئيس العراقي في جلسة العمل الثالثة في قمة بيروت رمزا للمصالحات التي نجحت فيها القمة ويعكس الاختراق الجوهري الذي أحدثته قمة بيروت للحالة العراقية الكويتية التي ظلت ساكنه منذ انتهاء حرب الخليج الثانية.
ولعل أهم ما تضمنه البيان الختامي للقمة على الصعيد الصراع العربي الإسرائيلي هو إعلان متابعة العمل على تعزيز التضامن العربي في جميع المجالات والتأكيد على دعم صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته و إدانة العنف الإسرائيلي والتضامن مع لبنان لاستكمال تحرير أراضيه وكذلك مع صمود المواطنين في الجولان السوري المحتل ومقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي كما أعلن القادة العرب التزامهم بالتوقف عن إقامة اي علاقات مع إسرائيل وتعزيز وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من يونيو 1967 وكذلك تنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 242 ، 338 ،425 ومبدأ الأرض مقابل السلام وتأكيد تلازم المسارين اللبناني والسوري وارتباطهما عضويا مع المسار الفلسطيني تحقيقا للأهداف العربية في شمولية الحل .
ودعت القمة الإسرائيليين لقبول المبادرة العربية للسلام حقنا للدماء وتحقيقا للعيش جنبا الى جنب في سلام وكذلك دعوة المجتمع الدولي لدعم هذه المبادرة وتشكيل لجنة لإجراء الاتصالات اللازمة بها.
ومن ناحية أخرى رحبت القمة بتأكيد العراق على احترام سيادة واستقلالية الكويت وضمان سلامة ووحدة أراضيها وتجنب تكرار ما حدث عام 1990 وذلك في إطار من النيات الحسنة وحسن الجوار وتمهيدا لأجواء إيجابية بين البلدين وطالب القادة باحترام سيادة واستقلالية العراق مطالبين العراق بالتعاون لإيجاد حل سريع ونهائي لقضية الأسرى الكويتيين و إعادة الممتلكات وكذلك التعاون مع الأمم المتحدة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وطالبوا أيضا برفع العقوبات عن العراق وأعلنوا رفضهم لأي عدوان على الدول العربية وخاصة العراق وكذلك التأكيد على سيادة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث والقبول بإحالة النزاع لمحكمة العدل الدولية . وكذلك دانت القمة الإرهاب الدولي وهجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن مع تأكيدها على ضرورة التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال وطالب القادة بضرورة الإسراع في إنجاز منطقة التجارة الحرة العربية .
المبادرة السعودية العربية
شهدت قمة بيروت 2002 تكرارا لسيناريو حدث قبل 20 عاما بعد إقرار القمة للمبادرة السعودية التي أطلقها سمو ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز كمبادرة سلام عربية وهو ما جرى أيضا خلال قمة فاس بالمغرب عام 1982 والتي أقرت مبادرة سلام عربية أطلقتها أيضا السعودية ففي العام 1981 أطلقت (خطة فهد) نسبة الى خادم الحرمين الشريفين الذي كان وقتها ولياً للعهد الا أن القمة العربية التي عقدت في فاس في نوفمبر من العام نفسه فشلت في إقرار تلك الخطة كمبادرة سلام عربية بسبب الخلافات السائدة وقتها غير أن قمة عربية ثانية عقدت في فاس بعد ذلك بعدة أشهر في العام 1982 أقرت رسميا خطة الملك فهد.
وفي فبراير من عام 2002 أطلق سمو ولى العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز مبادرته التي تقوم على الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي العربية التي تحتلها بما فيها القدس الشرقية وفق قرارات الأمم المتحدة مقابل التطبيع الكامل للعلاقات بين العرب واسرائيل وتوجه سموه الى الشعب الاسرائيلي بقوله انه في حال تخلت حكومته عن أسلوب القوة والقمع لن نتردد في قبول أن يعيش الشعب الاسرائيلي في أمن مع شعوب المنطقة داعيا الى رفع مشروع سلام عربي الى مجلس الأمن وقد لقيت هذه المبادرة استحسان واشنطن وتأييد عربي وعالمي وسرعان ما أصبح من الضروري أن تقرها القمة العربية لكي تصبح خطة سلام عربية قابله للتطبيق.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من عام على إقرار المبادرة السعودية كمبادرة عربية للسلام الا أن اسرائيل مازالت تتمسك بسياسة العنف ضد الشعب الفلسطيني وتعددت المبادرات لحل النزاع في الشرق الأوسط وعلى رأسها خطاب الرئيس الأمريكي بوش حول السلام في الشرق الأوسط والذي حدد خطة أمريكية لاقامة دولة فلسطينية في غضون 3 سنوات ولكن تبقى المبادرة العربية هي الخيار الوحيد والأمثل للعرب في مواجهة هذه النزاع ولعل هذا هو ما جعل وزراء الخارجية العرب يلتفون حولها في اجتماعات اللجنة الرباعية كطرح عربي وحيد للسلام بعد أن تعددت المحاولات لتعديلها والالتفاف حولها حيث أكد وزراء خارجية لجنة المبادرة العربية للسلام في اجتماعاتهم عدم قبول أي اطار آخر للسلام في الشرق الأوسط بديلاً عن المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت الأخيرة وشدد الوزراء على ضرورة الالتزام العربي الجماعي بالمبادرة جملة وتفصيلاً دون تغيير في ترتيب بنودها أو أولوياتها الموضوعية.
وتم الاتفاق على أن تكون المبادرة العربية مرجعية عربية لأي تحرك نحو اقرار السلام في المنطقة كحل عربي شامل وعادل اقرارا للحقوق العربية وبهذا تكون المبادرة هي التي تحدد الشروط العربية للسلام والتي تنحصر في دولة فلسطينية فاعلة واضحة الحدود والمعالم وعاصمتها القدس الشرقية والانسحاب الاسرائيلي من الأراضي العربية المحتله حتى حدود 4 يونيو 1967 وحل مشكلة اللاجئين والقدس . وأكد الوزراء العرب على أهمية هذه المبادرة باعتبارها الحل العربي والموقف العربي الموحد الذي يأتي من منطلق التضامن العربي في مواجهة المستجدات والتحديات التي يمر بها الوطن العربي وشددوا على أهمية قيام لجنة المبادرة بكامل أعضائها بالاتصال بجميع الأطراف والتأكيد على أنه لا تعديل ولا تغيير أو تجزئة في هذه المبادرة العربية التي تشكل أساسا لأي تحرك وأكدوا ضرورة التضامن العربي في هذه المرحلة باعتباره أهم من أي تفاصيل أخرى .
|