في مقال سابق تعرضت لموضوع صغير ولكنه حسب وجهة نظري خطير. وهو التنازل عن الحقوق الصغيرة لأنها مجرد صغيرة. وهذا التنازل هو الثغرة الكبيرة التي ينفذ منها كثير من التجار الجشعين. قلت بما معناه عليك أن تقف صلباً عند حقوقك الصغيرة قبل الكبيرة.
فإذا اشتريت لعبة صغيرة لطفلك لا تتعدى قيمتها عشرة ريالات واكتشفت في المنزل أنها لا تفي بالغرض لا تتكاسل وترميها، وإنما عد بها مرة أخرى للبائع واسترد فلوسك بكل الوسائل. فالقيمة ليست في المبلغ الذي دفعته وإنما في المبدأ نفسه. لأن هذا النوع من التنازل هو الكارثة عليك وعلى الاقتصاد الوطني وعلى أخلاقات التجارة والعمل في البلاد.
أبشركم رزقت يوم أمس الأول بطفلة جميلة انضمت إلى عصابتي الصغيرة المكونة من يارا وسارا ومحمد ومهند. وأتمنى منكم جميعا الدعوة لها بأن تكون من أهل الصلاح في هذه الدنيا. لم أذكر اسمها لأن مستشفى الحمادي رفض أن يعطيني شهادة ميلادها لكي أتمكن من تسجيلها رسمياً إلا بعد أن أسدد فاتورة قيمتها 260 ريالا.
رفضت تمام الرفض تسديد هذه الفاتورة وسوف أستمر في رفض تسديدها إيماناً بالمبدأ الذي ذكرته لكم قبل قليل وهو أن يقف الإنسان بصلابة للدفاع عن حقوقه الصغيرة قبل الكبيرة. لا شك أن الذي يدفع مبلغ أربعة آلاف ريال لن يتردد في لحظة فرح أن يسدد فاتورة بمائتين وستين ريالا وخصوصا إذا كانت هذه الفاتورة صادرة بطلاسم طبية باللغة الإنجليزية تلخم القارئ.
دفعت مبلغ أربعة آلاف ومئة ريال قيمة توليد وغرفة لمدة يومين على أساس ما يعرف ب«البكج» الحزمة الكاملة.. حسب الاتفاق يغطي هذا المبلغ كل مصاريف الولادة الطبيعية من توليد وأدوية وغرفة مفردة «راقية!!!» وطعام وحضانة الطفل لمدة يومين الخ. وقد اخترت البكج لأنه حسب ما فهمونا يريحك ولا يعرضك لمشاكل المبالغة في الفواتير والتكاليف الخفية التي لا تظهر إلا عند المغادرة.
وعندما حانت ساعة المغادرة قالت لي الممرضة لا بد من تصريح خروج من المحاسبة ذهبت للمحاسبة. فوجدت هناك فاتورة «صغيرة!!» يجب تسديدها قبل الخروج. ظننت أنها فاتورة طلبات الغرفة «أكل، شاي، مجلات» إلخ، فإذا بها تتضمن قيمة الأدوية والمواد التي استخدمت في عملية التوليد في غرفة التوليد. فذكرتهم بأني دفعت أربعة آلاف ومئة ريال تغطي جميع مصاريف الولادة أي «بكج» كما يسمونه.
من حسن حظي أنني لا أجهل الأدوية والمواد المذكورة في الفاتورة وهي مواد لا يمكن أن تستغني عنها عملية التوليد حتى في أفقر الدول. جادلتهم بالتي هي أحسن وعندما عجز الأخوة عن تفسير ذلك قالوا إن هذه مواد زائدة عن المقرر طلبتها الطبيبة المعالجة.
وعندما شعروا بضعف هذه الحجة طلبوا مني أن أذهب إلى مدير المستشفى لإسقاط الفاتورة كمجاملة. فرفضت أن أمنح أي أحد فضلا علي بالمجان. وقررت إخراج طفلتي أما بالطيب أو بالقوة.. وبالفعل انتزعتها منهم بعد أن قرروا إبقاءها رهينة. وطالبتهم بأي أدوية يجب أن تأخذها زوجتي أو الطفلة لكي لا تحدث مضاعفات فرفضوا.
أضع هذه القضية أمام الرأي العام ليس فيها أي شيء شخصي. فمن دفع أربعة آلاف ريال لن يعجز عن دفع مائتين وستين ريالا. ولكن لأني أرى في هذه القصة تطبيقاً نموذجياً لاستغلال استعداد الناس للتنازل عن المبالغ الصغيرة طالما أنهم قادرون على دفع المبالغ الكبيرة.
وأنا هنا لا أطالب وزارة الصحة بالتحقيق في هذه الفاتورة فحسب، وإنما في تقييم سعر الغرف لأني سوف أطالب رسمياً بإعادة قيمة الغرفة. فقد وضعت زوجتي في غرفة لا يوجد فيها تدفئة ولا يوجد فيها ماء ساخن ومستوى نظافة الحمام متدن. هنا بدأت غلطتي الحقيقية فعندما وجد الأخوة أني قبلت هذه الغرفة بهذا المستوى بأربعة آلاف ريال، ما المانع أن تمرر علي فاتورة بمائتين وستين ريالا. هذا تطبيق نموذجي لمبدأ معروف وهو أن التنازل يجر إلى التنازل.
القضية الآن أمام الرأي العام ووزارة الصحة.
فاكس:4072164 |