هذا الجيل في زمن توافد المعرفة، وتكاثرها، وتعدد مصادرها نشأ لا يألف الكتاب، ولا يعرف لذة الجلوس إلى حروفه، ومتعة الإبحار مع مراكبه...
وهذه المعلومة الحقيقة ليست جديدة، والكلُّ يدركها إنْ لم يسع إلى معرفتها... نلمسها جليَّة صارخة فيمن يقعدن ويقعدون أمامنا فوق مقاعد الدِّراسة، ولئن قُبلت بشكل أو آخر في طالبات أو طلبة المراحل المبتدئة، إلاَّ أنَّها لا تقبل ولا تستساغ من طالبات وطلبة الجامعة، أولئك الذين يحتاجون إلى الكتاب، وتفرض عليهم معاً واقعيةُ وطبيعةُ الدِّراسة القراءةَ والقراءةَ المكثَّفة... لكن ما العمل؟ هل القراءة التي لم يتعوَّدها النَّاشىء منذ نعومة أظفاره، ستكون إحدى عاداته السُّلوكية فيما بعد بالفرض، أو بالعرض؟...
القراءة عادةٌ...
وإذا تعوَّدها الإنسان لا يملُّها ولا يضلُّها...
لا يتركها ولا يهجرها.. تصبح له كالماء والهواء...
فما بالنا لا نحاول أن ننقذ الأجيال الحديثة ممَّا تقع فيه الأجيال القائمة في هذا الشَّأن؟ لماذا نتركهم لمهب ريح الفضائيات، وصولة تيار الأسواق، وفراغ العلاقة بينهم وبين الآباء، بل الأمهات أيضاً؟ والمعلِّمين والمعلِّمات؟...
هذا الجيل الذي يُفترض أن تكون مهيأةٌ له: نماذج المدارس، وأساليب التَّعلُّم، ووسائل التَّعليم... وروافد المعرفة، وكثافة البرامج... ووعي المتفيهقين علماً وثقافةً واعتداداً بمعارفهم واعوجاج ألسنتهم باللُّغات العديدة التي عنها وقفوا على الحديث والثَّري، والنَّادر والثَّمين من أساليب النَّقل للخبرات الكثيرة والمختلفة، وللتَّوجهات النَّاهضة بالفرد والجماعات، هذا الجيل الذي يُفترض أن يجد من كلِّ أولئك قدرةً على اجتياز سالب الخبرات، وتعويضها بموجبها، وتدريبه على أحسنها، وتمكينه من أقومها...، وإمداده بأيسرها، وتدريبه على أكملها... ما باله يغطُّ هو وهم في أميَّة عصرية مهينة للواقع؟...
هذا الجيل أوَ لو كان قارئاً نهماً، حصيفاً مفقّهاً؟ كان هذا أمره؟ ضعفاً وهشاشة، وجهلاً، وتأخراً؟... هل النَّجاح فقط هو كيف يتقن الشَّباب ارتداء أحدث الموديلات؟ ويقتنون آخر صرعات الجوالات، والعطورات، والألوان، والسَّيارات، بل الأحذية والمجوهرات؟
إنَّها الصُّورة المعاكسة لواقع أشدَّ إيلاماً...
من الإحساس بقهر الفجيعة بخسائر الأمَّة العربية...
وهذه لعمري من أشدّ الخسائر في تظاهرة الجهل والأميّة بين من يحسنون القراءة ويجهلون الكتابة، وتتزيَّا مناكبهم بأعلى الدَّرجات، وبين أيديهم أحدث وسائل الاتصالات.
|