Thursday 16th January,2003 11067العدد الخميس 13 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المدارس النقدية (2 - 4) المدارس النقدية (2 - 4)
د. سلطان سعد القحطاني

مدرسة المدينة «مدرسة تجديدية محافظة» رائدها عبدالقدوس الأنصاري، هدفها إحياء التراث العربي القديم وخاصة عصر الازدهار الأدبي، في العصر العباسي الثاني، وقد اجتهد الأنصاري وأنصار هذه المدرسة في نقد الفكر الجامد، واستبداله بفكر جديد قائم على التراث الأدبي، في الشعر والنثر، واصلاح طرق الكتابة، حتى ان الأنصاري ألّف كتاباً في اصلاح الكتابة والرقي بالأسلوب عن طريق نادي الخطابة العربية الحديثة، وكان يساعده في ذلك زميله من مدرسة العلوم الشرعية، عبيد مدني، كما انه يعترف بأن أدب المدينة أدب علمي وأدب مكة أدب تصويري، والتصوير يعني في المصطلح الحديث، طرق كتابة الأدب الحديث، من قصة ورواية وشعر جديد، وقد انضم إلى هذه المدرسة كل أدباء المدينة وبعض أدباء ونقاد مكة والاحساء والقطيف وجيزان، وكل محافظ يميل إلى التجديد وينبذ التقليد المتهالك، ويمتح من الثقافة العربية الأصيلة، مع التطوير في الشكل والمضمون، بما يتفق وظروف العصر، وانبثق عنها عدد من التيارات النقدية: كالتيار المحافظ، الذي يرى ان الأدب ونقده يمكن ان يتقدم ويساير الأدب العربي بتطوير لغته وأسلوبه من خلال القديم المجيد، وليس القديم القريب، الذي تحدثنا عنه قبل الآن في الصفحات الماضية، وذلك يعني التيار المتحجر، الذي تم رفضه من كل التيارات، ومثل هذا التيار كل من: عبدالله بن خميس، وحمد الجاسر، وابن الرومي، والجاحظ، ومحمد بن الشيخ عبدالله المبارك، وأحمد إبراهيم الغزاوي، وأحمد عبدالغفور عطار، وأحمد محمد جمال، وعبدالله بن إدريس، ومحمد المسلم، وعبدالله الشباط، وغيرهم من المحافظين، فأحمد الغزاوي يرى ان ما يمكن ان يستفيد منه من أدب الاندلسيين والعباسيين خير من أدب المهاجرين، ومن في حكمهم، كما انه لا يؤمن بأدب القرون الوسطى الضعيفة، وكان لقدوم التيارات الجديدة في الشعر والنثر وقع شديد على هذا التيار من المحافظين، فقد كانت تسمية الشعر الحر والمنثور تشكل هاجساً مزعجاً لهذا التيار، الذي لم يرض عن شعر المهاجرين المتمسكين منهم بالوزن والقافية التقليدية، فكيف يشعر منثور، كان يسميه العقاد «النثر المشعور» فيبدي أحمد عبدالغفور عطار رأيه فيه بقوله: «هناك مقالات تنشر في الصحف أو الكتب على طراز الشعر الحر «المنثور» لا لباب فيها ولا فكرة! وكل ما يوجد أسلوب خلاب وما عداه فسراب.. ويظهر تحامل العطار على دعاة الشعر الحر، وهناك فرق لم ينتبه إليه العطار في نقده للشعر الحر، فالشعر المنثور، أو قصيدة النثر تختلف عن الشعر الحر الذي برع فيه الكثير من الشعراء العرب، وأخفق فيه الأكثر، وصارت المجلات وبعض الصحف تطالعنا ببعض الكلام المرصوف على انه شعر، وما هو بذلك، ومن الذين لم يعجبهم ذلك الشعر، وهو الشاعر والناثر في آن واحد، حسين سرحان، وقد قال في عرضه لديوان الشاعر حسن بن عبدالله القرشي، وانه لم يعجب ببعض قصائده، والسرحان يسخر من أعلام الشعر الحر، في مقاله هذا: «.. وضعف المادة اللغوية وعدم التعمق في أصول الكلمات ومشتقاتها من أكبر وأفظع عيوب الشعر العربي الحديث، وهي في هذا الديوان وفي سواه من دواوين الشعر المنثور، فيقول: لكن هذا العصر يسوقك حتماً إلى التبلغ بالساندويتش في طائرة نفاثة ويجعلك تقول وأنت تلهث أو تلهث وأنت تقول: «يا أيها الطفل الذي مازال عند العاشرة لكن عينيه تجولتا كثيراً في الزمن خلف الخمار، المطرق الكسلان في الدرب الطويل.يا أيها الإنسان في الريف البعيد يا من تعاشر أنفسا بكما لا تنطق وتقودها، وكلاكما يتأمل الأشياء وكلاكما تحت السماء ونخلة وغراب وصدى أنداء» ويسخر حسين سرحان من هذا الشعر بقوله: «ولا يدهش القارئ، أو يضحك فالطائرة سائرة بسرعة الضوء ودرجة الحرارة مرتفعة جداً، وهذا ان لم يكن هذيان محموم، فهو على الأرجح شعر متحرر تجده في ص17 من مجلة الآداب البيروتية عدد يوليو 1957م. إنه عصرنا الذي هو خليق بنا ونحن به جديرون{ وإنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}
ولم يكن هذا التيار بالتيار المتحجر الذي عرضنا لبعض نماذجه في بداية هذه الدراسة، بل هو تيار متجدد، ينشد الأصالة والمعاصرة في كل ما يقوله ويحافظ على عمود القصيدة العربية ويسهل اللفظ، وينكر على من يدعي الأدب ولا يتمسك بجذوره، فحسين سرحان على سبيل المثال من المجددين في الشعر العربي والنثر على حد سواء، لكن حريص على التمسك بأصوله الفنية، ينكر كل هذيان ليس من الشعر في شيء، فالشعر شعر والنثر نثر، وسيظل إلى الأبد، وما كان تحامله على السياب إلا من باب الحفاظ على عمود القصيدة العربية، وكان تركيز رائد هذه المدرسة، ومن أتبعه، منصباً على النواحي العلمية، في اللغة وظاهر النص، والاحصاء اللغوي، فالأنصاري عندما ينقد يضع نصب عينيه الجوانب اللغوية، وظاهر النص، ففي نقده لرواية محمد علي مغربي «البعث» وهي الرواية التي لاقت رواجاً، حين صدورها، قام الأنصاري بنقدها نقداً أقرب إلى التقريظ منه إلى النقد الحديث، فالاعجاب والتشجيع من صفات هذه المدرسة، ومن أصول منهجها، وعندما أراد ان يحللها حللها تحليلاً انطباعياً، فأظهر الأماكن التي دارت عليها الأحداث، وقال: إن هدفها الاصلاح «وصدق في ذلك» ومدح حبكتها وتسلسلها الفني، ولم تكن بذلك القدر الذي ذكره، ويذكر انها عالجت أهم القضايا العالمية، كالاستعمار وأسباب التخلف العلمي، ثم نقد ما فيها من عيوب، كتأثر الكاتب بطه حسين، وبعض الاستعمالات اللغوية، التي لم تكن في مكانها، كصفرة المرض وعلاقتها بالجمال، فالمريض الذي تحولت حالته إلى الصفرة ليس بجميل.. وهذا دليل على تراثية الأنصاري، من جانب، ومن جانب آخر، تعامله مع معطيات الحاضر، والنقد عن طريق علم النفس، فقد قرن هذا اللون بقصيدة ابن الرومي، في رثاء ابنه، محمد، وما اعتراه من المرض الذي قلب لونه من الحمرة على الصفرة، حيث يقول ابن الرومي:
«ألح عليه النزف حتى أحاله
إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد»
ويلاحظ الأنصاري على الكاتب تكرار الكلمات، بأسلوب احصائي، كتكرار كلمة «جميلة» خمس وعشرين مرة، ويفعل ذلك في نقده لرواية أحمد السباعي «فكرة» حيث لم يخرج منها بأكثر من النقد اللغوي، وهذا يؤكد قول العواد: إن الأنصاري صاحب علم وليس بصاحب فن، مع ان الأنصاري أول من حاول في إنتاج الفن الحديث، من خلال روايته «التوأمان» وتشجيعه لكتاب القصة القصيرة ونقدها، وقد فتح الباب في مجلته «المنهل» لنشر ونقد القصة بشكل عام، واهتم بها اهتماماً كبيراً، ويرى ان الأدب الحديث ضرورة حتمية، من ضروريات هذا العصر، ويجب ان نأخذ به، لسببين:
الأول: ان القصة فن جديد في العالم، والثاني: ليواكب أدبنا أدب الآخرين، وقد أكد ذلك في مقال كتبه بمناسبة بلوغ المجلة عامها الخامس والعشرين «الكتاب الفضي».ومن أعضاء هذه المدرسة، وتيارها المحافظ، من دافع عن تيارها النقدي ضد التيار المضاد، مثل، عبدالحميد عنبر من أدباء المدينة المنورة، حيث كتب مقالاً نقدياً يدافع فيه عن رائد المدرسة، ويبين للناقد محمد حسن عواد مبادئ المدرسة، وأهداف تيارها، بأنه تيار يشجع الأدب الحديث ولا يجب ان يهجم الناقد على الإبداع بمقاييس ليست منطبقة عليه، وكاتب آخر رمز لنفسه «كويتب» هاجم العواد دفاعاً عن التيار وأصحابه وما ينتجونه من أدب.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved