Thursday 16th January,2003 11067العدد الخميس 13 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

(البطل في «سقف الكفاية») (البطل في «سقف الكفاية»)
د.عبد الله بن أحمد الفيفي

القصيدة - الرواية: 6
من يقرأ عمل الشاعر محمد حسن علوان بعنوان «سقف الكفاية» «2002» سيجده يحمل «حدّوثة» عادية.. كان بإمكانها بالكثير أن تأتي في شكل قصة قصيرة، أو «معلّقة قصصية» طويلة نسبياً. فالحكاية لا تعدو أن ناصراً، وهو فتى في العشرين، سَبَاه حب فتاة اسمها مها. ولأسباب غير مقنعة تزوجت شخصاً آخر اسمه سالم، فتقلّب الفتى في ذكراها حتى غادر الرياض الى فرانكوفر بكندا للدراسة مدة عامين.
يلتقي هناك بمس تنغل، عجوز كندية، وبديار، مهاجر عراقي، وكان بطول المدة والتفاعل مع الآخرين وعرضهما يلهج بمها ويتضوّر عليها شعراً ونثراً، وإن استطرد به الحديث هنا تارة وهناك تارة. ثم إذا هو يعود الى الرياض، ليجدها تدخل عليه فجأة. هذه كل الحكاية! بيد أنها أبت إلا ان تأخذ بُعداً مكسيكي الطول. أي مسلسل وَجدٍ لا ينتهي إلا ليبتدىء، تماماً كمسلسل غرام مكسيكي من أربعمائة حلقة «أو صفحة» وأربع. إذ انطلق الكاتب يُبدىء ويعيد في مجموعة خواطر شعرية، يعبئها باستعراض ثقافي للمعلومات وتسجيل استطرادي للأوضاع الاجتماعية والأوجاع السياسية والتاريخية. تصاحب ذلك اسقاطات نقدية مباشرة، وبوح عاطفي مكشوف. وما كان أغنى علوان - بما يتمتع به من خصوصية لغوية باذخة الشعرية - عن الاتكاء على مثل هذه اللعبة الأخيرة، أي البوح المفرط، الذي تفتعله بعض الأعمال الأخرى، حينما تتسوّل خيالات القارىء السُّفلَى!.
ولقد كان يستدرج الكاتب الى كل هذا - الى جانب رغبته الجامحة في انشاء نص روائي - شهوته اللغوية الشعرية، الرائعة حقاً، لكنها قد أصابت هنا عمله - من حيث يريد له أن يغدو رواية - في مقتل حقاً كذلك، إذ جعلته يجترّ العبارات النارية للوعة عاشق «يسبّح ويقدّس» لمعشوقته، كما قال «ص16».
لكنه يفضي في نهاية المطاف، البالغ من الصفحات 404 الى تدوين بكائية طويلة على أطلال الذات، لفتى ظلّ متجاذباً في هيامه بين حالتين من شعور بالظلم وشعور آخر بالرضى. ماضياً في وصف حالات بطله «ناصر» على درب من الاضطراب النفسي، مسبيّاً بصاحبته - ذات المقاييس الجمالية الغريبة - التي يكرر منها على نحو خاص وصف شفتها العليا البارزة! تلك الصورة التي تقابلها من الناحية النفسية أطوار تلك الفتاة المتناقضة، ومرض ناصر «مجنون مها» قد عرّج به من الرياض الى فانكوفر في كندا، مثلما كان مرض العشاق العرب يعرّج بهم على الديار، ما يبكون أطلاله منها وما يلتمسون فيه الشفاء والسلوى، مرض يبدو - في حقيقته، ومن وجهة نفسية اجتماعية - رديفاً لمفسدتي الفراغ والجِدَة، لا أكثر. وهذا وجهُ تناقضٍ بيِّن بين شخصيتي ناصر وديار، من حيث كان الأخير يكافح منفيَّ وطن مستلب - لا كناصر، منفيَّ عشق مريض، وهكذا، تتردد على الذائقة اليوم تيميات العشق العربية، بشطحاتها غير المسوغة فنياً، أو قل - من وجه آخر - تتكرر مغامرات القصور والسراديب في نسيج «ألف ليلة وليلة» «الفنتازي». كل ذلك في نسق من اعترافات جريئة، حدّ الحرج.
وكذا، يتبدّى التخلخل القصصي في نوع من انفصام يعتور شخصية ناصر، وهو ليس ذلك الانفصام النفسي، الذي يتأتى عن التركيب الإنساني للشخصية، ليكون من ميزات العمل الروائي سبرُ أغواره. بل هو هنا عيبٌ ناجمٌ عن سوء تمثل الكاتب الشخصية الروائية وما ينبغي لبنائها الفنيّ. يظهر ذلك جلياً حينما يقارب القارىء بين وجهي الحكمة والجهل في شخصية البطل. أي بين ذلك الرجل الذي يُلقي الراوي على لسانه مقولات الحكمة والفكر والفلسفة - حيث يسفّه أوهام سقراط، نفسه! «ص123»، ويرد هرطقة لوركا! «ص134»، ويعلّق فرويد بحبلين على قوائم السرير ثم يصلبه «على فقر نظريته!» «ص147-148»- هذا اضافة الى شاعريته المحلقة وثقافته العالمية الواسعة. تلك الشخصية التي كثيراً ما تبدو لغتها أكبر من سنّها، لمّا تقول مثلاً:
«إن قضية الأحلام هذه تزداد تعقيداً في أول العمر!
بقدر ما تكون أحلامنا جميلة مثل الطيور.. بعضها يحلق في الأفق.. وبعضها يحطّ على أشرعة الصيد.. وبعضها ينام بين دموعنا.. بقدر ما تختفي كلما كبرنا، فلا نعود نراها، أو تموت في أيدينا، وتتعفّن، وتؤذينا رائحتها!
أحلام كبرى، صرنا نتمنى ألا تتحقق، لأن تيار حياتنا لم يعد آمناً للسباحة!
وأحلام صغرى، لم تعد ذات قيمة، لأنّ تحققها صار يشبه احتفالاً صغيراً، في مدينة منكوبة!»
«ص342».
ثم وجه هذه الشخصية الآخر، بضحالتها وضيق أفقها، خانعة مستسلمة؛ صورة ذلك الشاب الضعيف، المريض حبّاً، الهزيل فكراً، المهتزّ كياناً ووجوداً.
أتلك شخصية واقعية، بالمعنى الفني، أم هي شخصية مضطربة التركيب؟ شخصية حشاها المؤلف بكل ما توفّر عليه من مواد معلوماتية متنافرة، واستعمل لها شتى النصوص المقتبسة. يبحث عنها ليحشرها من كل حدب وصوب. ذلك فضلاً عن أنها شخصية جاءت جوهرياً ثمرة التياثٍ روائي بمسّ شعريّ؟! ولولا هذا كله. تُرى أيّ رجل عاشق هذا الذي كان يمكن أن يقول عن صاحبته ما قاله البطل «ص277»، متضاحكاً بشكل صاخب مع صاحبه ديار!
على أن القارىء قد يعجب لشخصية ناصر من وجه ثالث. ذاك أنه الى دعاوى تلك الموسوعية المعرفية، لابد أن ينطرح على الكاتب سؤال حول ذكريات ناصر في كندا، وهو: كيف تسنّى له مع غضاضة سنه - في العشرين من عمره - وعقب وصوله الى هناك، فإقامته القصيرة في فانكوفر، أن يجري بينه وبين تلك العجوز الكندية «مس تنغل»، التي اكترى لديها شقته، كل تلك الحوارات الواسعة والمناقشات الفلسفية الدقيقة في شؤون الإنسان والروح والحياة، حتى لقد تمّ لها بنفسها بعد تلك العشرة الفكرية واللغوية، «القصيرة في واقعها المضخمة في نصها»، اكتشاف ان الرجل شاعر؟! «ص240». كيف تهيأ لجدار اللغة بينهما أن ينهدّ بهذه السرعة؟ وأنّى كان لحاجز الثقافة أن يتلاشى بهاتيك السهولة؟ حتى لكأنهما كانا منحدرين من ذات الأرومة والثقافة واللغة! أومن طبائع الأمور أن يتفق ذاك في غضون عام دراسي أو نحو عام؟! لكن فيم الغرابة، والبطل قد كان يُحسن مختلف اللغات! فهو لا يتقن الانكليزية وحدها، بل لقد كان مثلاً في فرنسا يوماً ما، ولقد قرأ ذات مرة عن الانفعال العاطفي «في كتاب فرنسي قديم!» «ص112».
تلك شخصية البطل في «سقف الكفاية»، فماذا عن شخصيات النص الأخرى؟ ذاك مدار التحليل في المقال التالي.
إصدارات:
عن المركز الثقافي العربي، صدر للناقدة المبدعة الدكتورة فاطمة عبدالله الوهيبي كتابها بعنوان «نظرية المعنى عند حازم القرطاجني»، في طبعته الأولى 2002. والكتاب في أصله أطروحة الباحثة لنيل درجة الدكتوراه، باشراف الأستاذ عبدالله الغذامي. ولقد جاء الكتاب بمثابة اضافة حقيقية، تستجلي في تراث النقد العربي «نظرية المعنى» لدى القرطاجني «684ه»، في مقابل «نظرية النظم» لدى عبدالقاهر الجرجاني « 474ه»، مع ما بين النظريتين من توالج طبعي. يتألف الكتاب من أبواب ثلاثة هي: «الأسس الفلسفية واللغوية والبلاغية الجمالية»، «المعنى وقضايا الشعرية»، «المصطلح النقدي من حيث علاقته بصناعة المعنى». ويتبدّى انجاز الباحثة المهم في محاولتها الانتقال بالتحليل الى التركيب، لاستنباط الكليات وصوغها في بناء نظريّ.
وهوما يتوخّى أن يفضي - ضمن حقل الاستقراء لمنظومات المصطلح البلاغي والنقدي العربي - الى الإسهام في تأسيس مرحلة من التعامل مع التراث لا بوصفه متحف أفكار ورؤى ولكن بوصفه مادة حية، قابلة لأن يُشاد عليها نقدٌ حديثٌ ذو ملامح عربية.
هذه كلمة احتفاء بحق كتاب جديد حريّ بالاحتفاء!.

الأستاذ المشارك بآداب جامعة الملك سعود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved