Thursday 16th January,2003 11067العدد الخميس 13 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المفتشون بين تحمل بغداد وتحامل واشنطن المفتشون بين تحمل بغداد وتحامل واشنطن
د. حميد عبدالله (*)

بدأت العلاقة بين العراق والمفتشين الدوليين تدخل مرحلة «التسميم» من خلال تحسس بغداد من تصرفات بعض المفتشين وارتيابها من أسئلة البعض الآخر، بما جعل المسؤولين العراقيين بدءاً بالرئيس العراقي صدام حسين لا يستطيعون كظم غيضهم، أو لجم غضبهم أكثر مما تحملوا فطفح عندهم الكيل لينعتوا المفتشين بالتجسس.
هذه النغمة التي بدأت هادئة ستتحول إلى دوي صاخب في الأسابيع المقبلة كما يرى المراقبون السياسيون في بغداد ذلك لان واشنطن التي يطربها هذا العزف ستدفع المفتشين إلى التمادي في الأسئلة ذات الطابع الاستخباري المدعومة بتصرفات استفزازية دفعا باتجاه أن يقول العراق «لا».. وهذه ال «لا» هي الكلمة السحرية التي تنتظرها واشنطن لتدعو مجلس الأمن إلى القصاص من العراق، وإذا «ما تخاذل» المجلس فان الولايات المتحدة وحدها ستشن الحرب مطالبة بالثأر من الذين قالوا «لا» للتجسس!!
ليس من حق العراق أن يعترض مهما كانت دواعي الاعتراض واسبابه، وليس من حقه أن يرفض مهما كان حجم ذلك الرفض ومستواه ونوعه، وقد ادركت بغداد هذه الحقيقة وتيقنت ان واشنطن تريد استدراجها نحو الفخ. فتعاملت بحذر ومهارة وهي تسير داخل حقل من الألغام.
إن مفتشي «الانموفيك» قد دخلوا العراق في ظروف اقسى واصعب على بغداد من الظروف التي دخل فيها مفتشو «اليونسكوم» لكن عناصر «اليونسكوم» قد دخلوا لعبة التجسس من الأبواب اما مفتشو الانموفيك فأنهم يريدون دخولها من الشبابيك والفتحات الضيقة، وفي كلتا الحالتين فان بغداد كانت ترى وتسمع لكنها تتكلم مرة وتسكت مرات، لأنها تريد أن تدفع بالتي هي احسن، غير أن تحمل بغداد بدل أن يواجه بمكافأة وامتنان، راح يقابل بمزيد من التحامل والوعيد فكم تتحامل بغداد على جرحها، وتكظم غيضها، وتستعيذ بربها مما يلحق بها من أذى، ومما يصيبها من جور.. ومقابل ذلك إلى أي مدى سيصل التحامل بواشنطن.. وهل تنتظر اشهراً أخرى من التفتيش الذي أصبح أشبه بحكاية البيضة والدجاجة وأيهما من الأخرى..؟!
ليس من المستبعد أن تتفجر أزمة بين العراق والمفتشين قبل مناقشة تقارير المفتشين في مجلس الأمن يوم 27/ يناير الجاري، خاصة وان الإدارة الامريكية باتت منزعجة من عدم الإمساك بالصاعق الذي يفجر الأزمة ويحولها إلى مواجهه مسلحة، وليس من المستبعد أيضاً أن يتمادى المفتشون في سلوكهم «المخابراتي» إمعانا في استفزاز العراق، عسى أن ينفد صبر بغداد فينجم عن ذلك تصرف أوموقف تبنى عليه افتراضات قابلة لان تكون الشرارة التي تحرق جبل القش.
إن تصريحات البرادعي وبليكس توحي بأن زمن التفتيش سيطول، وان استجلاء حقيقة ما إذا كان ثمة بيض تحت الدجاجة العراقية أم لا يحتاج ربما إلى اشهر أخرى قادمة، وهذا يعني أن على الولايات المتحدة إما أن تتحلى بالصبر وتتعامل مع العمل العسكري على انه قائم مع وقف التنفيذ وهذا خيار لا ينسجم كثيرا مع مزاج الإدارة الامريكية وتوجهاتها الرامية إلى حسم الملف العراقي قبل حلول فصل الصيف.. لذلك فمن المرجح أن تذهب واشنطن إلى خيار«إثبات النفي» بمعنى أن تطلب من العراق ان يثبت عدم حيازته لأسلحة الدمار الشامل، واثبات النفي يدخل في باب المستحيل حسب قوانين المنطق، وقد لمحت الإدارة الامريكية إلى اعتماد هذا الخيار من خلال تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين الذين رأوا «ان من واجب العراق ان يثبت عدم امتلاكه لأسلحة محرمة عليه».
على ان المراقبين في العاصمة العراقية باتوا شبة متيقنين من ان المفتشين سوف لن يعثروا على أية أدلة تقودهم إلى اكتشاف ما يثبت وجود اسلحة للدمار الشامل في العراق، أو حتى محاولات لاحياء برامج انتاج هذه الاسلحة.
فالمفتشون زاروا خلال سبعة اسابيع من التفتيش أكثر من 350 موقعا، وقد شملت زياراتهم المواقع المشتبه بها والتي وردت في تقرير توني بلير وبعضها كانت المخابرات الامريكية قد وضعتها في دائرة الشبهات لكن جميع تلك المواقع كانت نظيفة من كل «الشكوك والشبهات»، وهذا يعني ان ما يقرب من نصف المواقع التي يخطط المفتشون لزيارتها قد ثبتت براءتها مما دفع بليكس والبرادعي ان يطالبا الدول دائمة العضوية في مجلس الامن بمساعدة المفتشين وتزويدهم بمعلومات حول المواقع العراقية المشتبه بها في اشارة واضحة إلى اتهامات واشنطن ولندن حول ضعف أداء المفتشين.
ان واشنطن تدرك أن ارجاء العمل العسكري ضد العراق حتى ولو لاشهر قليلة سيجعله قراراً في مهب المتغيرات الدولية وهي كثيرة.. ربما أسخنها الأزمة الكورية، وقد يظهر ما هو اسخن منها، لكن الإرجاء قد يفرض نفسه على الإدارة الامريكية فلا تجد منه فكاكا، وعند ذاك سيظل الزمن الآتي مشحونا بالوعيد الأمريكي وستبقى الأيام حبلى بما تلد.. واغلب الظن أن ولادتها سوف لا تكون عفوية بل عبر عملية قيصرية سواء كان مشرطها السلاح أو الدبلوماسية!

(*) كاتب وصحفي عراقي

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved