Thursday 16th January,2003 11067العدد الخميس 13 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في الاقتصاد في الاقتصاد
إعادة صنع الاقتصاد العالمي
د. سامي الغمري

تحرك عناصر وعوامل الإنتاج الاقتصادي مصالح واستثمارات الأمم في العالم. هذه المصالح يحددها ضمنياً تاريخ الأمم وخلفياتها العقائدية والثقافية. فإذا كانت روابطها متقاربة ثقافياً ومكانياً فإن احتمالية نشوء تآلف واستقرار بينها هي احتمالية متوقعة الظهور. أما إذا كان التضارب سمة المصالح والتنافر عنوان الموارد فإن احتمالية الصراع الحضاري بينها واردة لا محالة. وقد شهدت حضارات سائدة وبائدة منذ فجر التاريخ تكرارا لحالات التقارب الاقتصادي والتعايش السلمي لبعضها فيما شهد بعض منها صراعاً مريراً وتباعداً أزلياً. يقود هذا إلى أن حقيقة قرارات الاستثمار والتوظيف والتمويل عادة ما تتم وتتخذ بناء على تلك الخلفيات والمفاهيم الثقافية الموقعية. وما توصل إليه صامويل هنتجتون «1996» إنما هو استقراء لمستقبل النظام العالمي الحاضر معتمداً في تصوره إلى أن احتمالية مواجهة المصالح بين الغرب والغير وارداً آجلاً أو عاجلاً. ويعني هذا أن الصراع الحضاري بين الأمم سيستمر وسوف لا يختفي عن سطح الأرض وهو واقع أزلي نادراً فيه ما شهدت البشرية عصراً خالياً من التصادم. ذلك أن الطبيعة الكونية التي فطر عليها الإنسان في حب الذات والذود عن الحياض تحتم نشوء صدام بين الحين والآخر. وبناء عليه فإن توقعات صامويل هنتجتون المستقبلية لم تأت للغير بإضافة جديدة. كل ما في الأمر أنه حفز عالمه الغربي إلى استغلال قواه المتطورة بأنواعها لاستغلال الآخر الأضعف إذا أراد الغرب أن يبقى مسيطراً على الموارد العالمية بفوقية لا تنازع. فوقية يستطيع بها الغرب أن يتجنب الدخول في صراعات حضارية مع الغير وأن يمنع التاريخ من تكرار نفسه.
ويتضح من مرئيات هنجتون في أن الغير أو الآخر الضعيف له خياران. إما أن يقبل بالتعاون والتكيف الاقتصادي طبقاً للمفاهيم الغربية بسلبياتها وإيجابياتها وإما لا. وإذا ما اختار الغير الخيار الثاني فهذا يعني تضارب وتصادم أكيد للغرب وعليه أن يسارع في استخدام كل الأساليب والقوى المتوفرة لديه لانطماس وحسر الغير قبل أن يتمكن ويفرض كيانه في النزاع على الموارد. ومستنداً في أطروحاته المبنية على الماديات أن كل ما أنجزته الحضارة الغربية من مكتسبات تقنية وعلمية يبرهن أن ثقافاتها المتجددة والمتأقلمة استطاعت بها أن تهيمن على حضارات الغير التي لم تتطور. ومعتقداً أن ثقافة ومناهج الغير عاجزة على النهوض باقتصاديات مواقعها وأن ليس لها إلا أن تتطور إذا أرادت أن تساير القوي الغربي نحسب أن هنتجتون فوت حقيقة أخرى وهي أن كل قوي إلا وعنده أسباب الضعف وما هنالك من ضعيف إلا وامتلك سبباً من أسباب القوة. وغاب عليه كم من حضارات تراجعت في اقتصادياتها ولكنها ظلت قوية في عقيدتها الخالدة التي تقتبس منها طريق التصحيح والتطور.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved