|
|
التفت إلى الفرقة وقال كلمة سريعة ثم عاد إلينا وهز رأسه فصدحت الموسيقى. كانت اللحظات الواقعة بين بداية الموسيقى وبين رد فعل الجمهور أقل من أن تذكر ولكنها بدت كدهر مديد حيث تحسس الجمهور في تلك اللحظات بهجة الاصغاء والترقب التي تنتجها نشوة الموسيقى التي تصنع أمامك. كان يمكن للجمهور أن يصمت أكثر ولكن أحد المتربين في مدرجات الكورة صاح: عاش أبو مسعود. دون أي سبب يدعو لذلك فانفجرت عندها الحناجر: اختلطت كلمات الترحيب بالتصفيق بالصفافير. ولأن الجمهور الحاضر جمهور كرة في الأساس تقاذفت التعليقات المتنوعة بما فيها التعليقات الثقيلة. إلا أن الموسيقى راحت تتخلل هذا الهواء المليء بالأصوات وتتحرك في فراغات الصراخ كالرغوة. كما شدد أعضاء الفرقة موقفهم الموالي للفن وضغطوا على آلاتهم فانتصرت الموسيقى أخيراً وراحت تملأ أي فراغ يتركه الجمهور في الهواء. فاستقر الوضع. فدخلنا في أجواء الفن وحلت النشوة محل التوتر. ارتفقت على المنصة فالليل طويل ومن حسن حظي أن المنصة لم تكن عالية. تصل إلى مستوى خصري مما أتاح لي أن أتأمل في حركات قدمي الفنان. صدمت عندما لاحظت أنه يلبس نعالا زبيرية قديمة وأظافر قدميه لم تقلم منذ زمن بعيد. ويبدو أن هناك كدمة مزمنة عند التقاء الساق مع القدم. أقدامه بصفة عامة غير منظمة تحس أنها أقدام شايب لا تليق بأن تحمل على كاهلها فنانا وصلت جماهيريته إلى الطائف وجدة وأغانيه تطبع في استديوهات أثينا. حيث برز في الفترة التي بدأت الاسطوانات الشفافة الملونة تغزو الأسواق. والبكمات تفرض وجودها حتى على المنازل المحافظة. و بدت الناس على استعداد أن تشتري الأسطوانة بأي سعر حتى بلغت سعر بعض الأغاني مثل أغنية «أبكي على ما جرى لي يا أهلي» أكثر من مئتين وخمسين ريالا عندما كان راتب أكبر موظف لا يصل إلى خمسمائة ريال. لم يصل سعر اسطواناته أكثر من عشرة ريالا، ولكن عشرة ريالات كانت مبلغا مجزياً لفنان يقف على الدرجة الأولى من سلم المجد. |
![]()
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |