Tuesday 28th January,2003 11079العدد الثلاثاء 25 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هيئة التحقيق والادعاء العام هيئة التحقيق والادعاء العام
تشعب القضايا وتعقيدها عجل بإنشاء الإدعاء والتحقيق

أنشئت هيئة التحقيق والادعاء العام بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم «م/56» وتاريخ 24/10/1409ه، كجهاز مساند لأعمال القضاء الشرعي يتولى التحقيق في الجرائم والادعاء العام بإقامة الدعوي الجزائية أمام المحاكم الشرعية، وباشرت الهيئة مهامها بصورة تدريجية ابتداء من عام 1416ه في الرقابة على السجون والادعاء العام، ثم في التحقيق في قضايا المخدرات، ثم قضايا العرض والأخلاق، وهي الآن بصدد مباشرة التحقيق في قضايا الاعتداء على النفس ثم الاعتداء على المال.
وعندما أنشئت الهيئة لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد بأنها ستصل إلى هذا المستوى الذي هي عليه الآن، بل ربما اعتقد البعض ممن تعودوا «التنظير» على عدم قدرتها على مواصلة متطلبات تلك المهام المنوطة بها، وهناك من توقع أنها ستعاني من مشكلات عند التطبيق، لأن طبيعة نشأة مثل هذه الأجهزة تختلف عن غيرها، لما لها من علاقة مترابطة ومتداخلة بين حقوق الدولة وحقوق الناس.
لقد أثبتت الهيئة نجاحها من واقع قدرتها على الأداء، وترك أعمالها تتحدث، وهذا ما حقق تطلعات الدولة عندما أدركت ضرورة إنشاء مثل هذا الجهاز فجاء قرار مجلس الوزراء رقم «140» في 13/8/1409هـ موضحاً الأسباب التي دعت إلى ذلك عندما أشار إلى أن قضايا التحقيق في الجرائم والإدعاء بها أمام الجهات القضائية قد أصبح على درجة كبيرة من التشعب والتعقيد، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة البت فيها، وأنه في ضوء هذه المتغيرات، وانطلاقاً من الاتجاه التطويري في كافة المجالات فقد رئى إنشاء سلطة مختصة بالتحقيق والادعاء، باعتباره تقليداً سارت عليه البلاد وحققت في ضوئه نتائج إيجابية يمكن زيادة فاعليتها برفع المستوى العلمي للقائمين بالتحقيق والادعاء وتنظيم الإجراءات الخاصة بذلك.
إن وجود مثل هذا الجهاز يعتبر وسيلة للاستكشاف والكشف عن الحقيقة لأن الإجراءات الجنائية كما تكشف عن جوانب الإدانة تكشف أيضاً عن البراءة، وهذا لا يتم إلا من خلال ضبط هذه الإجراءات والتأكد من سلامتها، وقد لا يتحقق ذلك إلا بإيجاد جهاز متخصص يتولى عملية التحقيق والادعاء.
إن الدولة حينما تمارس حقها في ملاحقة الجاني للمثول أمام القضاء إنما تهدف من وراء ذلك إلى إقامة العدل وتحقيق المساواة، وإلى أمن المجتمع واستقراره، وهذه لا تتم إلا عن طريق اتخاذ إجراءات سليمة وصحيحة تؤدي إلى اتخاذ حكم بالإدانة أو البراءة، وبناء على ذلك يجب أن تكون الجوانب المراد التدليل عليها واردة بصورة واقعية بحيث تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى إثبات الواقعة الإجرامية أو نفيها، وترك تفسير وتقييم ووزن الأدلة للمحكمة المختصة من حيث قوتها وضعفها، فالإجراءات تتضمن القواعد التي تبين الأساليب والطرق اللازمة لتحقيق الأهداف النظامية، ونحن ندرك أن «الجرائم» لا يمكن أن تعلن عن نفسها، وإنما يجب كشفها وإثباتها بواسطة أجهزة مختصة تساعد على حسن تطبيق الأحكام الشرعية، وإلى حفظ الحقوق، ورفع الظلم، وتحقيق العدالة على أفضل وجه، وهذا هو الهدف من إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام.
إن قدرة الهيئة على استيعاب وتخطي هذه المرحلة يؤكد للعالم بأن الإسلام لا يرفض الاستفادة من ثمرات الجهود العلمية، طالما كانت متفقة مع أحكامه، وقد حث الأمة على أن تستفيد إلى أبعد مدى من تلك الثمرات في تنظيم بعض القواعد وتطبيقها فيما يحتاج إليه المجتمع.
ومن هنا كانت رغبة الدولة وفقها الله في تطوير النظام الجنائي الذي يمثل القواعد النظامية العامة التي تنظم حقها في العقاب، وجاء إنشاء جهاز الهيئة لينظم القواعد الخاصة بالإجراءات والأساليب الواجب اتباعها من وقت وقوع الجريمة حتى صدور حكم نهائي فيها، فهي تنظم سير العدالة الجنائية، أو بمعنى آخر «تخدم العدالة الجنائية» لأنها توفر الضمانات اللازمة للحفاظ على الحقوق والحريات،
وهذا لا يتحقق إلا من خلال حسن السياسة التنظيمية.
إن فكرة إنشاء مثل هذا الجهاز لم تكن وليدة اليوم أو الأمس، وإنما كان التفكير فيها من عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حيث أنشئت وظيفة المدعي العام سنة «1353ه» بموجب الأمر الملكي رقم «1310/813» وتاريخ 6/4/1353ه المؤيد بقرار مجلس الشورى رقم «171» في 1/8/1352ه بغرض ضمان الحق وإقامة العدل، وظل هذا مرتبطاً بالأمن العام إلى أن تم إنشاء الهيئة كجهاز متخصص.
لقد مضى على مباشرة الهيئة لبعض مهامها ما يقارب الثماني سنوات، وهذه المدة وإن لم تكن كافية للحكم النهائي على النجاح إلا أنها أعطت مؤشراً قوياً بأن الهيئة تسير بخطوات محسوبة هدفها الأساسي الالتزام بما نصت عليه القواعد الشرعية بما يتفق ورعاية المصالح العامة، وبما يكفل الحقوق ويحافظ على المكتسبات، من خلال استقرار المجتمع والحد من الجريمة، و لعله بهذا القدر من المستوى وهذه الكفاءة، يدرك المجتمع اهتمام الدولة بخدمة الجانب الأمني.
إنه وفي ظل هذه المتغيرات المتتابعة، وفي ظل هذا التطور السريع للعلوم والتقنية لم يعد التحقيق أو الادعاء مجرد إجراء يقوم به المختصون لحالة قائمة تستدعي الإنهاء، وإنما أصبح عملاً في غاية الدقة والتنظيم، حيث يعتمد على الأسلوب العلمي في المعالجة بما يضمن حقوق المجتمع، ويردع مرتكب الجريمة وفق الإطار الشرعي المحدد.
إننا أمام مرحلة انتقالية تطلبت تتابع صدور عدد من الأنظمة الإجرائية الهامة فصدر نظام المرافعات الشرعية، ونظام المحاماة، ونظام الإجراءات الجزائية وكلها تصب في خدمة العدالة الجنائية، ولا بد أن نكون متفائلين جداً بنجاح عملية التطبيق، وإن كان الأمر يتطلب توفير أكبر قدر من الامكانات البشرية المؤهلة للقيام بهذه المهام، إلا أن الواقع العملي يشير إلى امكانية استيعاب هذه المرحلة، من خلال هذه المجموعة العاملة في جهاز الهيئة والتي تتمتع بمستوى علمي ومهني عال بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به الهيئة حول عملية التدريب المتخصص، مما جعل أعمال الهيئة تتحدث عن مستوي هذا النجاح الذي تحقق، وجعلت المراقب لذلك يشيد بالجهود المبذولة في هذا الاتجاه، وإبراز الدور الذي يقوم به أعضاء الهيئة في خدمة العدالة الجنائية، وتطوير الإجراءات الجزائية بما يساعد على رفع مستوى الأداء، ويوسع المفهوم العام لفقه الإجراءات.
وإذا كان الواقع يوجب أن ينسب النجاح لأهله، فإننا لا نغالي أو نفرط إذا ما أبرزنا الدور الهام الذي بذله ويبذله صاحب السمو الملكي وزير الداخلية في خدمة تطوير هذا الجهاز، وكذلك الدور المتواصل الذي بذله ويبذله معالي رئيس الهيئة الشيخ محمد المهوس، وفضيلة نائبه الشيخ سليمان الفالح في سبيل تطوير هذا الجهاز وخدمة أهدافه، الأمر الذي يوجب أن يسجل هذا النجاح لهما كأول مسؤولين باشرا هذه المهمة، واستطاعا بكل حنكة، ومن خلال خبرتهما الطويلة والمتخصصة أن يقودا مسيرة هذا الجهاز، حتى أصبح واقعاً حياً يخدم العدالة الجنائية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
فشكراً لكل المخلصين.. وإلى مزيد من التطوير الذي لا يقف عند حد.وبالله التوفيق.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved