Thursday 30th January,2003 11081العدد الخميس 27 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ميزات الاقتصاد اللبناني ميزات الاقتصاد اللبناني
بقلم الدكتور لويس حبيقة!

يمر الاقتصاد اللبناني بظروف صعبة مزمنة ومتراكمة بدأت منذ عقود، ساءت خلال الحرب، وأهملت معالجتها فيما بعد أو أجلت. مشاكل الاقتصاد اللبناني لا تتلخص فقط في العجز المالي والدين العام، وإنما في أمور أخرى لا تقل أهمية ودقة كتحفيز النمو وتقوية الانتاجية وتحرير المنافسة في كل الأسواق. لبنان يبقى دولة صغيرة بكل المؤشرات الكمية المتوفرة، علما ان الوجود النوعي يبقى مؤثراً وفاعلا داخل لبنان وخارجه. تميز الاقتصاد اللبناني عبر العقود الماضية بدخل فردي مرتفع مقارنة بمعظم الدول النامية والناشئة وبالدول العربية غير النفطية. استطاع الاقتصاد اللبناني النجاح نسبيا بفضل الانفتاح التجاري والمالي ونشاط القطاع الخاص، وما تبعهما من تبادل للسلع والخدمات ورؤوس الأموال. فانعكس هذا ايجابا على مختلف المؤشرات الاجتماعية من تعليم وصحة وتغذية وسكن وغيرها. وجاءت الحرب لتحدث خللاً خطيراً في تركيبة الاقتصاد ومقوماته، فتزعزع وضع الطبقات المتوسطة التي بنت لبنان وكانت سبب نموه السابق. ولاشك ان عودة لبنان الى الساحة الاقتصادية الدولية، ليس كمياً وإنما نوعياً، تتوقف على عودة الطبقة المتوسطة الى لعب دور رئيسي في حركتي الانتاج والاستهلاك. فهل تساهم السياسات الاقتصادية الاجتماعية المتبعة اليوم في عودة الطبقات المتوسطة الى الساحة الاقتصادية؟
من الخطأ الوقوع في فخ العجز أو الدين العام، أي لا يمكن جعل هاجس تخفيضهما يقضي على نمو الاقتصاد اللبناني ومقومات نهوضه. من الأهمية بمكان تخفيض العجز وخدمة الدين، ولكن لا يمكن ان يشكلا الثقل الأساسي أو الوحيد في السياسة الاقتصادية العامة. فالمطلوب مثلا ليس زيادة ساعات العمل في القطاع العام، وإنما زيادة انتاجية القطاع عبر قيام الموظف بواجبه كاملا ضمن ساعات العمل الحالية. فما نفع زيادة ساعات العمل وبقاء الانتاجية كما هي، بل ربما انخفاضها لشعور الموظف بعدم الرضى تجاه نظام العمل الجديد. لاشك ان عمل الموظف خلال الدوام الرسمي الحالي هو كاف جداً إذا أحسن القيام به، وجرى التنويه المادي والمعنوي بأعماله. وما الذي يجلب النمو؟ هل تخفيض الدين والعجز أم القيام بالاصلاحات القانونية والادارية التي تجذب المستثمرين الينا؟ فالمستثمرون يشكون من العوائق القانونية والادارية التي تقف في وجه اعمالهم ومعاملاتهم. فهل نقوم كدولة وكمجتمع بما يكفي في هذه الاتجاهات؟ هل تلبي الدولة طلب القطاعات الاقتصادية الانتاجية التي تشكو من ارتفاع كلفة انتاجها؟ لماذا نعفي مثلا المواطنين من الرسوم السابقة على الكهرباء في وقت نحتاج الى كل قرش، وفي وقت تفرض المنافسة الخارجية علينا تخفيض كل الرسوم والضرائب لاجتذاب المستثمرين.؟
ما نطلبه، قبل وضع أي رسم جديد وأية ضريبة جديدة، هو أن تقوم الدولة بواجبها في ترشيد الانفاق ورفع انتاجية الادارة العامة وتحصيل كل الرسوم والضرائب الحالية. أما الخصخصة فيجب القيام بها ولكن بشفافية تختلف كليا عما قامت به الدولة في ملف تحويل أصول الخلوي اليها. ان تنفيذ الخصخصة بالطرق التي اعتمدت حتى اليوم تجعلنا نطالب بتأجيلها، بالرغم من تأييدنا المبدئي النظري الكامل لها. لا يمكننا كمجتمع ان نخاطر بخصخصة ملتوية، أي تضر بالمصالح المالية للدولة وبالتالي بالشعب على المدى المتوسط والبعيد. فالأفضل تأجيلها الى مواعيد لاحقة نكون فيها كمجتمع وكدولة جاهزين للقيام بها بكل مصداقية وشفافية. فلبنان ليس عنده الكثير ليخصص، لذا من المهم جداً تنفيذ الخصخصة بشكل مدروس وفاعل يخدم مصالح الدولة والمواطن. وإذا عجزت الدولة اليوم عن الاستمرار في ادارة بعض المرافق العامة، فمن الأفضل تأجيرها لسنوات قليلة وليس بيعها تخفيفاً للمخاطر وللخسارة المحتملة وتحسينا للخدمة. يرتكز قلب الاصلاح المالي المرتجى على ترشيد الانفاق ووقف الهدر ورفع انتاجية الادارة وتحصيل كل الرسوم والضرائب الحالية. ضمن هذه الهوامش ربما الضيقة، يمكن التقدم سوية في معالجة الخلل المالي والتأثير ايجابا على الاقتصاد الحقيقي أي على ركائز الانتاج. ضمنها يمكن تقوية المنافع وتخفيف المخاطر لمصلحة الجميع. ضن هذه الهوامش، نوجز التوصيات التالية:
أولاً: نعم لتقوية الاستقرار الاقتصادي - الاجتماعي المؤثر ايجابا على النمو. يتحقق هذا الهدف في حسن الممارسة وتطوير الأداء على مختلف الأصعدة العامة وعبر ترشيد الانفاق، أي انفاق ما يجب وضمن الامكانات المتاحة. لاشك ان بامكان الدولة اليوم توزيع انفاقها الحالي بشكل أجدى وأفعل وأفضل، مما يساهم في تقوية الجامع الاجتماعي - الاقتصادي المهم جداً لكل اللبنانيين.
ثانياً: نعم لكل السياسات المشجعة للنمو على المثال التشيلي الناجح والذي أحدث ازدهارا لفترة 15 سنة متواصلة. تتلخص التجربة التشيلية باستثمارات نوعية في البنية التحتية، بتحرير الاقتصاد الوطني من مختلف الحصريات التي ما زلنا ندافع بقوة عن بعضها في لبنان، بتحسين أداء القطاع العام شفافية وانتاجية،وبتشجيع الشركات الخاصة والمؤسسات العامة على اعتماد التكنولوجيا الحديثة. فالنمو الجديد، كما طالب به الاقتصادي رومر، يرتكز على المعرفة والتعليم النوعي المدعومين بالتكنولوجيا الحديثة بمختلف أنواعها. فهكذا نما الاقتصاد التشيلي بين سنتي 1986 و2000 سنوياً بمعدل قدره 6 ،6% في وقت كانت الاقتصاديات الناشئة المجاورة والبعيدة تمر في أسوأ أيامها. توزع النمو أيضا بشكل متواز على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وهذا في غاية الأهمية. فنمت الزراعة التشيلية سنويا بمعدل 2 ،6%، والصناعة بـ6 ،5%، والخدمات بـ2 ،6%. نجحت التشكيلي إذاً في تحقيق النمو القوي وتوزيعه على كل المناطق والقطاعات.
ثالثاً: نعم للبحث وللاستفادة منه في تحسين أداء القطاع العام ولجذب بعض الباحثين اللبنانيين العاملين في الخارج. فالدول التي استثمرت في التكنولوجيانجحت اقتصاديا ونذكر منها ايرلندا وسنغافورة وتايوان وغيرها.وها هي أوغندا الأفريقية تنجح في اجتذاب العديد من أبنائها الذين تركوها في أيامها السوداء أي في السبعينيات والثمانينيات. فاستعملت الدولة الأوغندية أفضل البحوث وطبقتها في مؤسساتها وقوانينها. فلابد للعلاقات بين الدولة اللبنانية والمؤسسات التعليمية، الجامعية خاصة، من أن تقوى تفعيلا لهذه المؤسسات ودورها وتشجيعا لباحثيها كي يلعبوا دورهم الطبيعي في المجتمع والاقتصاد.
رابعاً: لا للهدر والخصخصة على الطريقة الأرجنتينية، والحذر من التسنيد كما تنادي به الدولة اللبنانية. فالأرجنتين خصخصت ونمت في التسعينيات، ولكن دينها العام ارتفع من 29% من الناتج في سنة 1993 الى 41% منه في سنة 1998 بفضل الهدر وسوء الانفاق. وهكذا أهدرت الخصخصة، والجميع يعلم ما تعاني منه الأرجنتين الآن. أما التسنيد، فيعني حجز ايرادات مستقبلية معينة لتسديد انفاق ما، تخفيضا للفوائد وتحسينا للتصنيف الائتماني. من الممكن اتباع هذه السياسة مع التنبه الى عدم امكاننا ربط ايرادات معينة بأكثر مما تحتمل. كما يشكل التسنيد ثقلا كبيرا على الأجيال المستقبلية ويحد من حرية تصرفها. كما للتسنيد منافع قصيرة الأجل فقط، فالتسنيد منافع قصيرة الأجل فقط، إذ ان امكانيات الدولة وواقعها يبقيان كما هما ولا ينفعها اتسنيد كثيرا. فالتسنيد هو اجراء مالي ايجابي أو أوكسجين قصير الأمد، ولكن له سيئاته وحدوده التي يجب التنبه لها على المدى المتوسط والبعيد.
خامساً: نعم للانخراط أكثر في الاقتصاد الاقليمي والدولي والتعجيل في تطبيق الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة من عربية وأوروبية - متوسطية تحضيرا للانضمام الى منظمة التجارة العالمية.
فالاقتصاد اللبناني يحتاج الى الأسواق الواسعة ويمكنه بالتالي الاستفادة منها. توسيع الأسواق يفيد القطاع الخاص الذي يشكو من ضيق فرص التسويق. رفع انتاجية القطاع الخاص واعتماد الخلق والابداع والتجدد هو من مسؤولياته الأساسية، علما ان للدولة دورها في تأمين المناخ العام المناسب.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved