Thursday 6th february,2003 11088العدد الخميس 5 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أشواك أوسلو والحصاد المر أشواك أوسلو والحصاد المر
جانبي فروقة

بعد ما يزيد على قرن من النزاع العربي الإسرائيلي وكل دروب الأمل مسدودة، تسعى اسرائيل دوماً جاهدة للتخلص من الحمولة القانونية لتشريعات مجلس الأمن ولاغتيال الشرعية الدولية جلست مع العرب على طاولة مدريد وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام ولكن ما يغيب عن بال الساسة ان إسرائيل لم تطلق يوما سهام حلولها إلا من قوس مصالحها لذلك بدأت بحفر نفقها الأول في أوسلو النرويج عبر أقنية سرية مع السلطة الفلسطينية أفضت إلى ضرب اسفين الفرقة مرة أخرى وعزلت مسارات السلام مع العرب كل على حدة استناداً لمبدئها الخالد «فرق تسد» ودخلت السلطة الفلسطينية ظلمة النفق ودهاليزه وهي متوهمة في إبصار النور في اخره وقد أفضت أوسلو إلى توقيع إعلان المبادىء في عام 1993م.
واسرائيل بحنكتها السياسية وأحابيلها افترشت الطريق بعد أوسلو بالشوك والسلطة الفلسطينية تحلم بقطف وردة بناء دولتها وكان ذلك في البدء على حساب تحييد وتأجيل القضايا الأساسية كتوسيع مناطق السلطة وانسحاب القوات الاسرائيلية منها والحقوق المائية وتسوية أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وموضوع القدس ليتم تداولها في مفاوضات المرحلة النهائية، تخيلت السلطة الفلسطينية أن أوسلو هي أول درجة في سلم تحصيل حقوقها ولكن تبين فيما بعد أنها كانت أول درجة في سلم نزولها إلى المصيدة. وكان تلهفها في عد الفراخ قبل أن تفقس سببا في هرولتها لإقامة دولة أشباح تبين لاحقا أنها خاوية على عروشها.
إن مسلسل الحل الصهيوني بدأ برئيس الحكومة شامير الذي قبل المفاوضات ومن ثم لحقه رابين وبيريز اللذان رسخاها في اوسلو وتلاهما نتياهو الذي عارضها ومن ثم إيهود باراك الذي جمدها ومن ثم آرييل شارون الذي اغتالها وقوضها. كان من المفترض ان تكتمل مفاوضات الحل النهائي في مايو 1999م ولكن تجميد نتياهو للمفاوضات بين عامي 1996-1999م ومن ثم تركيز خليفته إيهود باراك على المسار السوري في محاولة منه لحمل سوريا (العدو اللدود لاسرائيل) على توقيع اتفاقية سلام مما أدى إلى إهمال المسار الفلسطيني، وخلال هذه الفترة الزمنية لتجميد المفاوضات والمماطلة عمل حزبا الليكود والعمل على بناء وتوسيع المستوطنات في المناطق المحتلة وانهمكت ببناء شبكة مواصلات آمنة تمكن المستوطنون من العبور والسفر الآمن دون المرور بمناطق الوجود الفلسطيني والسلطة الفلسطينية تهاود وهي تقنع نفسها بأن اسرائيل تحضر نفسها للمفاوضات النهائية ولم تكن سمفونية العزف المنفرد للسلطة الفلسطينية على أوتار أوسلو إلا نشازا ولم يمنع ذلك اسرائيل من المضي بشكل منفرد في انتهاكاتها لكل الحقوق المدنية والانسانية الفلسطينية. ومع إطالة بدء المفاوضات النهائية من عام 1996م إلى عام 2000 كانت السلطة الفلسطينية تتمتع بحكم ذاتي فقط على 40% من الضفة الغربية و65% من قطاع غزة. ولم تفقس الفراخ كما عدتها السلطة الفلسطينية وكان الخطأ القاتل في عدم اعتماد تسوية القضايا الأساسية ولا سيما موضوعي القدس واللاجئين منذ البداية ودخول السلطة وهي ضعيفة في المفاوضات ولا سيما بعد ان ظهرت بعد حرب الخليج الأولى مفتقدة لجناح الدعم العربي نتيجة مواقفها.
وفي يوليو عام 2000م وعندما دعا الرئيس كلينتون باراك وعرفات إلى كامب ديفيد لإطلاق محادثات الوضع النهائي كان باراك وهو يتعازم مع ياسر عرفات في الباب للدخول (كما ظهرا على شاشات التلفزيون) قد خط خطوطه الحمراء وهي أن اسرائيل لن تعود إلى حدود 1967م والقدس الشرقية، وبوجود 175 الف مستوطن ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية وسوف تبقى اسرائيل على مستوطناتها في الضفة الغربية ولن تلتزم اسرائيل لا شرعيا ولا أخلاقيا بقضية عودة اللاجئين الفلسطنيين. فاليهود منذ البداية لم يكونوا غافلين عن فكرة خطر التكاثر الديموغرافي السرطاني للفلسطينيين ولا سيما بعودة اللاجئين إلى داخل اسرائيل. وعلى الرغم من عرض باراك الانسحاب المكثف وبشكل أكبر من عرض اي رئيس حكومة اسرائيلي سابق فإن ذلك جلب الوبال عليه عند عودته إلى اسرائيل وانهار الائتلاف الحكومي واتهمه شركاؤه بأنه قدم الكثير من التنازلات للفلسطينيين وكسر طوق التحريم في مناقشة مستقبل القدس وهي العاصمة الأبدية لاسرائيل في سفرهم.
واعتلى شارون «وهو المجرم الأول في مجازر العرب ومنها صابرا وشاتيلا» سدة الحكم بعد أن أشعلت زيارته الاستفزازية لجبل الهيكل في المسجد الأقصى وبحراسة ألف من الشرطة الانتفاضة الثانية التي أمست أكثر دموية من الانتفاضة الأولى وحدثت مجزرة جنين التي تداولت ملابساتها الأمم المتحدة بحياء وتحت تأثير سحر اللوبي الصهيوني مشيرة في تقريرها إلى أن عدد القتلى كان 50 بينما تشير الحقائق إلى أكثر من 500 قتيل وكانت منظمة العفو الدولية قد أخذت على تقرير الأمم المتحدة حكمها الجائر دون التبين من صحة المعلومات التي تزدوها بها اسرائيل وقد نصبت نفسها القاضي العادي وهي في الوقت نفسه الجلاد، وحتى دون ان تتكلف عناء إرسال فريق للتحقيق، وقد أشار كل من جوزف ياكلي وستيفن زونس «مستشاري الأمن الأمريكيين لاسرائيل» إلى جوهر تصاعد مشكلة العنف قائلين: «إن مصدرالعنف الفلسطيني المتنامي نابع من الشعور بالإحباط تجاه عملية السلام، فخلال سنين من الانتظار للمكاسب المرجوة وجد الفلسطينيون ان مستوى المعيشة لديهم قد تدهور للحضيض وبعد 7 سنوات من معاهدة أوسلو وما تلاها مازلت السياسة الاسرائيلية تغذي هذا الشعور بقبضتها العسكرية المحكمة علي الحدود واحتجازها المال الفلسطيني وفرضها قوانين صارمة على التبادل التجاري والاستثمار والوصول الى مصادر المياه مما ادى لعجز الميزان التجاري الفلسطيني وتفاقم نسب البطالة لتصل إلى 50% ورزوح أكثر من نصف الشعب الفلسطيني تحت خط الفقر إذ إن (عشرين بالمائة من العمالة الفلسطينية يتعلق كسبها لقوت يومها بأمزجة متاريس اليهود التي تغلق أبوابها دونهم بأقل الأجواء ضرراً) وتدهور الرعاية والخدمات الصحية وخنق الفرص لليافعين، كل هذه السياسات الاسرائيلية اثرت سلبا في حياة الفلسطينيين وتراكم الغضب واليأس في النفوس فكانا عود الثقاب لثورة وانتفاضة 2000م وما تلاها من تدفق أمواج الانتحاريين ومع إعادة الاحتلال العسكري لمناطق السلطة في ربيع 2002م زادت رغبة الفلسطينيين في الانتقام، وانخفضت وثائر الأمن الاسرائيلي.
كان أوسلو مفصلا تاريخيا في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وقد كسب اليهود أن عينوا السلطة كبوليس على الشعب الفلسطيني، وهذا ما حدا بالسلطة إلى تشكيل قوة أمنية مكونة من 13 مؤسسة وقوامها 40 ألف رجل أمن والحصاد المر للسلطة الفلسطينية بعد أوسلو تمثل في إحكام اليهود سيطرتهم على المياه اكثر وبنسبة 90% ونصيب الفرد الاسرائلي أكبر29 مرة من الفلسطيني وقام اليهود بعمليات توسعة في 60% من المستوطنات وتم إنشاء أكثر من 70 مستوطنة جديدة وأعادت احتلال مناطق السلطة وتم تصفية نشطاء فتح واغتيالهم تباعا وهي الآن ماضية في بناء جدار برلين الشرق في فسطين مخلفة ما يزيد على 11 قرية خلف الجدار في ظل العنف المتنامي وامتشاق الفتية والفتيات الأحزمة الناسفة وهم يجترعون كؤوس اليأس.. وانكفاء شموع الأمل ألبس الصهاينة السلطة الفلسطينية ثوب العاجز في محاربة التطرف والإرهاب وبدمغة من الباب العالي في واشنطن متهمة ياسر عرفات بأن عقيدته قد شاخت ولا بد من استبداله بكرزاي اسرائيلي وقد تمادت اسرائيل بمطالباتها الرعناء ويعلق على ذلك الكاتب نور من سولومن: قائلا: بهذه الوتيرة من تمادى اسرائيل سنقرأ يوما عنوانا مفاده أن اسرائيل تطالب الفلسطينيين أن يوقفوا هجومهم على رصاصات الاسرائيليين بأبدانهم.
إن اسرائيل لم ولن تسمح يوما بقيام دولة فلسطينية داخل حدودها فتهتك بذلك ستارها الأمني وهي تؤثر النوم بين قبور الفلسطينيين على أن ترى كابوس نشوء دولتهم. وعلى الرغم من ذلك فإن معادلة السلام القديمة المملة ما زالت متمثلة في القرار 242 ومازالت هي مفتاح وناقوس الحل الأساسي لقضية النزاع العربي الاسرائيلي.
واليوم وعلى خشبة مسرح مصائب الشرق الأوسط فإن الدور الرئيسي مُسند للعراق وتم إدراج الدور الفلسطيني وراء الكواليس وهذا ما أعطى شارون الفرصة الأكبر لتدمير المنازل وزهق الأرواح وممارسة أبشع أنواع التهجير القسري لشعب لم يذق طعم السلام أو ينعم بظلال دولة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved