* الجزيرة الترجمة:
لم يكن دانيال إلسبيرج صحفيا في يوم من الأيام، ولكنه واحد من أعظم الشخصيات في تاريخ الصحافة الأمريكية، فكشفه عن «وثائق البنتاجون» في عام 1971 لم يكن فقط بمنزلة حجر زاوية في قضية حرية الصحافة الأمريكية، ولكن أدى ذلك إلى تغيير مسيرة الصحافة إلى الأبد، كما قاد إلى مرحلة جديدة من «التسريبات» الصحفية و«المبلغين»، وإلى شكوك عامة حول التصريحات الرسمية.
وكتابه «أسرار: ذكريات فيتنام ووثائق البنتاجون» نشر وسط تأييد وترحيب واسع في الخريف الماضي، وإلسبيرج مؤهل بصورة خاصة لمخاطبة موضوع الإعلام والحرب، فقد عمل كضابط سابق بالبحرية الأمريكية ومحلل سياسي لدى مؤسسة راند للأبحاث، ومستشار لروبرت ماكنامارا وكلارك كليفورد وهنري كيسنجر في فيتنام، وغني عن الذكر أنه واحد من أشهر مصادر الصحف في التاريخ، وقد قام جريج ميتشل المحرربمؤسسة E&P للنشر بمحاورة إلسبيرج، والذي عاش معظم حياته في منطقة خليج سان فرانسيسكو. وفيما يلي نص الحوار:
* ما رأيك في التغطية الإعلامية الحالية والهرولة نحو الحرب ضد العراق؟
لقد اعتاد الناس أن يسألونني في وقت نشر وثائق البنتاجون: كيف قامت الصحافة بتغطية حرب فيتنام؟ وأستطيع أن أجيب بأنني يمكن أن أصيغ ذلك في طريقتين: كانوا يفعلون ذلك بصورة سيئة؛ ولكن أفضل من أي مؤسسة أخرى في المجتمع، أو أنهم كانوا يعملون أفضل من أي مؤسسة أخرى في المجتمع؛ ولكن بصورة سيئة، ففي ذلك الوقت بدا أن الصحافة كانت تعمل بصورة جيدة بالمقارنة بأداء الإدارة الأمريكية وتقييمها لذاتها، والذي كان فظيعا من البداية وحتى النهاية، وأيضا بالمقارنة بالكونجرس والذي عقد جلسة استماع واحدة فقط حقيقية بشأن الحرب، كما تصرف المعارضون داخل الإدارة الأمريكية نفسها بصورة سيئة، فقد أدركوا أن الحرب أصبحت تتحرك نحو كارثة، ولكن كلنا بلا استثناء بما في ذلك أنا لم نفعل شيئا لوقف ذلك، ولم نرد أن نخرق الصف.
صحافة الكتمان
أما فيما يتعلق بفيتنام فقد قبلت الصحافة رؤية الحكومة حتى نهاية المطاف وقبل أن توشك اللعبة على الانتهاء بقليل، إلى أن ظهرت وثيقة البنتاجون إلى النور، وعندها شعر الجمهور «لماذا لم نعلم تلك الأشياء إلا الآن فقط؟؟» وكان العديد من تلك الوثائق يتعلق بحوارات مع مسؤولين، والذين كانوا يعلمون القصة الحقيقية للحرب، وقد تعجب الجمهور: «لماذا بقيت القصة الحقيقية لصنع القرار داخل الحكومة في طي الكتمان؟»
* ولكن هل تعلمت الصحافة من حرب فيتنام؟
لست متأكدا إذا ما كانت الصحافة قد تعلمت من درس فيتنام كيف تقوم بتحسين أدائها، ولكن في كل الأحوال الصحافة بصورة عامة لا تفعل ما هو صحيح الآن.
* إذن ماذا بالتحديد الذي يحتاجون أن يفعلوه بصورة أفضل؟
إنهم لا يفعلون الدور الواجب عليهم أن يفعلوه في إعلام أنفسهم والكونجرس والشعب بعملية صنع القرار والمواقف المعارضة داخل الحكومة والاعتبارات الحقيقية في صنع القرار، ودون ذلك فإن الكونجرس والجمهور لا يمكن أن يقوموا بممارسة ضغوط قبل أن يتم إلقاء القنابل.
حرب متهورة
ولكن يبقى أن الصحافة لا تزال تحصل على الكثير من التسريبات الصحفية، فالكثيرون من أعضاء البنتاجون والمخابرات ووزارة الخارجية يرون تلك الحرب القادمة ضد العراق بمنزلة حرب متهورة، وأنه ربما يموت الكثيرون بلا فائدة من وراء ذلك، وبالتأكيد أننا أصبحنا نعلم الآن أكثر بكثير مما كنا نعرفه مقارنة بوقت فيتنام، ولكن كما كان الحال في السابق، فإن الإعلام الأجنبي يقدم معلومات أكثر دقة من إعلام الولايات المتحدة، ولكن الإعلام يتجاهل ذلك بصورة كبيرة، كما كان يحدث دائما.
هل يشعر كل من المحررين والناشرين بصفة خاصة أنهم يفهمون أسباب ذهابنا للحرب وعواقب ذلك؟ أما إذا كانوا يرتكزون في فهمهم هذا فقط على ما تقوم الحكومة بنشره وترسيخه في الأذهان، فهم إذن لا يفهمون الوضع على الإطلاق، وأنا أعتقد أن الجمهور الأمريكي سوف يدخل هذه الحرب بفهم محدود جدا عن سبب ذهابنا لتلك الحرب، وعن العواقب على كل من المدى القريب والبعيد، فالآن وبعد ثلاثين سنة من حرب فيتنام، لا يزال الأمريكيون يتساءلون لماذا دخلنا في تلك الحرب وبقينا فيها حتى النهاية، وبالتأكيد أن الرؤساء الأمريكيين قد أعطوا إجابات عن تلك الأسئلة في السابق، ولكننا ما زلنا نبحث عن إجابات أفضل من تلك.
الثقة المفقودة
* وما هي الاختلافات التي تراها بين أزمة العراق الحالية وفيتنام؟
أحد الاختلافات عن فيتنام في عام 64 هي أننا الآن نعلم أننا نتجه إلى حرب كبرى بقوات كبيرة، ولكن لا يزال الوضع كما هو، فالجمهور يشعر أنها سوف تكون قصيرة ورخيصة، مثل حرب الخليج أو الحرب في كوسوفو أو في أفغانستان؛ إنهم يتوقعون حربا من ذلك الطراز، لماذا؟ هل فشل الإعلام في تصور سيناريوهات أخرى؟ فالإدارة قد قامت بصفة أساسية بنقل وتوصيل الصورة التي يراها القادة المدنيون أو بالأحرى ما يريدوننا أن نعتقده وهو أن هذه الحرب يمكن أن تكون رخيصة وسريعة مثل الأمثلة السابقة، ولكن في المقابل لا يبدو أن هناك قائدا عسكريا واحدا لديه مثل هذه الثقة، ربما تسير الأمور مثل تلك الحروب، ولكن كما رأيت أنا في فيتنام فإن في وقت الحروب تكون هناك الكثير من الشكوك والاحتمالات، وأن يثق أحد تماما من أي نتيجة في تلك الحرب فذلك ببساطة سذاجة وحمق، ويمكن أن يدخل الإعلام من تلك الثغرة، وهي أن يقوم بإجراء حوارات وتقارير عن وجهات النظر المعارضة، والذين هم بالفعل كثيرون للغاية، حتى بداخل البنتاجون والمخابرات ووزارة الخارجية.
* ولكن أليس هناك المزيد من القصص الكاشفة والفاضحة تظهر الآن؟ وكيف يستفيد المحرر العادي من ذلك؟
نعم هذا صحيح، وموجود بفضل الإنترنت والروابط التي تشير إلى مواقع المشككين في الحرب، أو المقالات والتحليلات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في العالم، فبقليل من المجهود يمكن أن نصل إلى صورة واضحة للغاية عن الأسباب الحقيقية لتلك الحرب، ويمكننا أن نكشف الخداع والأسباب المزيفة التي يقولها المسؤولون والتكاليف الحقيقية ومخاطر تلك الحرب، وهي موجودة على الإنترنت.
الكثير من الكذب
* إذن لماذا تأخر الإعلام أو قضى وقتا عصيبا قبل أن يصل إلى الحقيقة، كما تراها أنت؟
هناك الكثير من الكذب يجري الآن؛ كما كان الوضع في فيتنام، مثل الفترة التي حملت فيها الصحافة على إيران، مثل فضيحة شركة إنرون للطاقة، لا يمكن أن تجد كذبا أكثر من ذلك، وهذا هو القدر الذي لدينا بالفعل، ولكن هل المسؤولون الأمريكيون يعتبرون استثناء في ذلك؟ بالطبع لا، فكل مسؤولي الحكومات حول العالم يكذبون مثلما قال أ. ف. ستون. فكل شيء يجب التحقق منه من مصادر أخرى للمعلومات، وأي شيء يقولونه يمكن أن يكون كذبة كبيرة، وهذا كان صحيحا في فيتنام، ووثائق البنتاجون أثبتت ذلك، إذا لم يكن هناك أشياء أخرى أيضا قد أثبتت ذلك، لذا سوف يكون تصرفا غير مسؤول من أي شخص في مجال الإعلام بأن يقوم بأخذ وجهة نظر واحدة وهي تصريحات الحكومة، سواء من الرئيس أو من وزير الدفاع أو المسؤولين الأقل منهم، وهذا بالطبع يشمل اللاعبين في الكواليس الذين يزعمون أنهم بالفعل داخل القصة الحقيقية، كما أن المؤتمرات الصحفية هي مطية للكذب على الجمهور وإقناع وسائل الإعلام بأنهم يتلقون التفاصيل الداخلية للقصة في الوقت الذي كل ما يحصلون عليه هو فقط للاستهلاك الإعلامي، وهذا لا يعني أن كل ما يقولونه مزيفا، ولكن يعني أنه لا شيء يمكن أن نعتمد عليه ونعتبره أنه الواقع أو الحقيقة المطلقة.
بين العراق وكوريا
* وما هي بالضبط الأكاذيب التي تقول أن الإعلام يجب أن يتم اختباره فيها بعمق أكثر؟
أول كذبة: أن صدام يمثل الخطر رقم 1 على أمن الولايات المتحدة والعالم، وأن نسمح للرئيس ولرامسفيلد بتكرار تلك العبارة مرارا وتكرارا دون تحد حقيقي من الصحافة فهو بمنزلة التصديق بأن الأرض منسبطة وليست كروية؛ هل صدام أخطر من تنظيم القاعدة؟ هل أخطر من كوريا الشمالية؟ هل هو أخطر من الصواريخ النووية الروسية المنتشرة حول العالم؟ أو من احتمال حدوث حرب نووية بين الهند وباكستان؟ولقد أعجبت بشدة بشهادة الجنرال أنتوني زيني وسيط بوش لدى الشرق الأوسط، والذي قال إنه يمكن أن يضع صدام في المرتبة السادسة أو السابعة في أي قائمة بالمخاطر التي نواجهها، والسؤال هو: هل نحن نخدم قضيتنا وموقفنا ضد التهديدات الخمسة الأخرى بأن نذهب في ملاحقة رقم ستة أو سبعة أولاً؟
ثاني كذبة: اننا سوف نقلل من التهديدات باستخدام السلاح النووي عن طريق هجومنا على العراق، وهذه واحدة من أخطرهم، وكل الأدلة تشير إلى أننا سوف نزيد التهديدات لهذا الخطر الإرهابي بهجومنا عليه كما قال مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جورج تينت في خطابه إلى الكونجرس، فقد قال تينت ان الخطر ضئيل للغاية أن يقوم صدام حسين باستخدام أسلحته ضدنا دون أن نهاجمه، ولكن يتعاظم ذلك الخطر في حال بدء هجومنا عليه.
الكذبة الثالثة: السبب في أننا اخترنا صدام هو أنه لم يمكن احتواؤه أو ردعه بعكس القادة الآخرين في العالم، وأيضا هذا لم تقم وسائل الإعلام بالتشكيك فيه بصورة كبيرة، ولم يحاول أحد إظهار هذه النقطة: ان هذا الرجل كانت لديه أسلحة دمار شامل في حرب 1991، بما في ذلك غاز الأعصاب، وصواريخ قادرة على ضرب إسرائيل ومستعدة للخوض في حرب في ذلك الوقت، ولكن لم يعد يملكها الآن، وقد أزاح إصبعه من على الزناد، والآن بالطبع لا يمكن التعويل عليه في الوقت الذي يقترب فيه من حافة الإطاحة من السلطة أو القتل.
توقيت خاطئ
* ما هي الأسئلة المحددة التي لم يتم طرحها، أو لم تسأل بصورة كافية في وسائل الإعلام؟
أحد أسئلة الذي لم يتم سؤاله في وسائل الإعلام هو: هل هناك قائد عسكري واحد يعتقد أن هذه الحرب يجب أن تتم الآن، أو أن التوقيت مناسب أو أنها تستحق المخاطرة؟ إن كل المؤشرات التي يتم تسريبها تشير إلى أنها بعيدة كل البعد عن ذلك، حتى من غير المحتمل أن تلك الحرب سوف تكون قصيرة وناجحة كما يقول القادة المدنيون. ما الذي سوف نكسبه من جراء تلك الحرب ويستحق المخاطرة بحدوث نتائج فظيعة؟ إن القادة العسكريين لا يوافقون المدنيين في البنتاجون على حد علمي، وهل يوجد أحد في وزارة الخارجية أو المخابرات يفضل الحرب بقوة؟ وهناك سؤال آخر لم يتم سؤاله هو: ما الذي سوف نفعله إذا ما أطلق صدام صواريخه الكيماوية، أو غاز الأعصاب.. إلخ، ضد القوات الأمريكية الغازية؟ وبناء على سنوات خبرتي في الحكومة ومعرفتي بمثل هذه السيناريوهات، دعوني أجيب بأني متأكد أننا لدينا خطط طوارئ تتيح لنا استخدام الأسلحة النووية كرد على محاولة ناجحة لاستخدام الغاز ضد قواتنا، وأنا أقول إن هناك فرصة محتملة بشدة بأننا سوف نرد بشن حرب نووية، لذا يجب عليك أن تضغط على المسؤولين بشدة، سلهم: «في أي الظروف سوف تستخدمون السلاح النووي؟ هل هناك خطط؟ هل تم اختيار الأهداف؟» سلهم: «هل هناك أسلحة نووية في هذه المنطقة الآن؟»، ولابد أن تكون هناك مناقشات عامة عن جدية واحتمالية استخدام السلاح النووي، ولكن المسؤولين لا يريدون فعل شيء خشية أن ذلك سوف يخيف الجمهور وحلفاءنا الذين سوف يظنونهم قد فقدوا عقلهم، وفي الواقع، هم أناس أذكياء بالفعل، ولكن فقدوا السيطرة على عقولهم.وسؤال آخر، كيف سيلعب الاحتياطي البترولي في هذه الحرب، هل تم مناقشة تلك المسألة بصورة كاملة للجمهور الأمريكي، وهل تم وزن المسألة بدقة؟ وأكرر، إذا ما قرأت الصحافة الأجنبية، سوف ترى الكثير من المناقشات الجادة عن «الحرب من أجل النفط»، وحتى مقدار المكاسب والخسائر لذلك، في حين لا أرى ذلك في الصحافة الأمريكية، لذا لم يطلب من الجمهور التساؤل عن الدوافع الحقيقية لتلك الحرب.
تعتيم إعلامي
* وماذا عن احتمالات الخسائر في الأرواح من الجانب العراقي؟
إن الدرس الذي تعلمته الحكومة في فيتنام هو أن تعتمد على القصف الجوي بدلا من الغزو البري، بصرف النظر عما ستكون عليه الخسائر في المدنيين، وأن يكون ذلك من على ارتفاع عال للغاية، ثانية، أن تقوم بعمل تعتيم إعلامي على الأمريكيين فيما يتعلق بالعدد الفعلي للأجانب الذين قتلناهم، وفي هذه الحالة، قبل أن نبدأ في قتل الجنود العراقيين، ينبغي على الصحافة أن تتساءل: هل لدينا الحق في قتل كل هذا العدد من الناس وبخاصة المدنيين؟ هل هددونا للدرجة التي يستحقون بها الموت؟ هل سأل المحررون كم قتلنا في حرب الخليج؟ هل رأيت أرقاما حول ذلك أبدا؟ نحن في الواقع لم نتلق أرقاما حقيقية في فيتنام أبدا، وفي بداية حرب فيتنام كنت أضغط لكي نقوم بتقدير عدد الضحايا المدنيين للقصف، ومرارا وتكرارا، كنت أسأل قنصل السفارة الأمريكية في فيتنام، وبعد ذلك هنري كيسنجر في عام 1969 لكي يتولى بذلك: ما هو مقدار الأرقام أو التوقعات؟ وإدارة الرئيس بوش لا تريد الإجابة على هذا السؤال الآن، ولكن ينبغي على الصحافة أن تستخرج ذلك منهم.
* كيف يمكن للصحافة أن تستقطب الكثير من «المبلغين والفاضحين» وتخرجهم من صمتهم؟
لقد استطعنا بالفعل أن نحصل على المزيد من التسريبات الصحفية عما كان في الماضي، ولكن لدي انطباع أن التنافسية والتي هي شيء صحي للغاية في كثير من النواحي لخدمة الصحافة الحرة لها جانب آخر، وهو أن العاملين في الصحف يترددون في أن يعترفوا بسبق صحفي لجريدة أخرى أو يعترفوا بالفضل المستحق لتلك الجريدة، وعندما تأتي إحدى الصحف بكشف كبير، عندها أقوم بالبحث في الصحف الأخرى التي ذكرت ذلك لكي استفيد مما نشروه في هذا السياق فأجدهم في المقابل لا يذكرون شيئا عن ذلك ويتركونها بمنزلة السبق الصحفي لتلك الجريدة، ولا يريدون أن يعقبوا عليها لكي لا يظهروا بأنهم يلعبون دورا ثانويا أو تابعون للصحف الأخرى، وبتلك الصورة فإن القارئ يرى السبق الصحفي من خلال جريدته فقط بدلا من أن يرى الصورة كاملة من نواح عدة، وهذا هو السبب في أنهم يمكن أن يحصلوا على صورة أشمل من خلال روابط الإنترنت للصحف الأجنبية، قبل سقوط القنابل وأنا أعتقد أننا ليس لدينا كشف عن حقائق غير مصرح به، ولكن ما يمكن أن نطلق عليه تسريبات فإن تسعة أعشارها يكون مصرحا بها، من خلال ممارسة «إدارة المعلومات» في الحكومة، لذا فعندما يشتكي رامسفيلد من التسريبات الصحفية، فإنه يقصد فقط تلك التي لم يصرح بها، وبعيدا عن سعادتي بعدد التسريبات الصحفية غير المصرح بها، فإن الصحافة ينبغي عليها أن تسأل نفسها: «كيف نستطيع أن نزيد ذلك وأن نختار التوقيت الأفضل قبل أن تبدأ القنابل في السقوط في الوقت الذي لا يزال الكونجرس لديه وقت اللتحرك؟» وكل المسؤولين لديهم عشرات الأسباب التي تمنعهم من قول الحقيقة، فقد يخشون من المخاطرة بفقدان وظيفتهم أكثر من خشيتهم على فقدان العديد من الأرواح، في حين أنهم لو فعلوا ذلك فلن يعتبروا فقط مبلغين عن معلومات مهمة للشعب، ولكنهم أيضا سوف يعتبرون أنهم يقومون بخدمة وطنية جليلة لبلادهم بإخبارهم عن الحقائق التي لا يريد رؤساؤهم أو قادتهم قولها، وذلك لأن قادتهم ليسوا بمنزلة السلطة المطلقة عما يجب أن يعرفه الشعب، ولكن هؤلاء الناس لديهم الاختيار؛ وهو أن يختاروا بألا يصمتوا في الوقت الذي تتجه فيه الأمة نحو الحرب، ويجب على الناشرين والمحررين أن يبدأوا بالاعتراف بأنه إذا كانت السياسات تبدو من الخارج محل اتهام وغير مقنعة وربما تكون أيضا خطيرة، لذا فإن هناك احتمالية كبيرة جدا أن يكون العديد من الموظفين داخل الحكومة يشعرون بنفس الشيء، وربما أعمق بكثير، وهناك الكثير من المعارضين في الداخل بالفعل أكثر مما تتخيل، كما يمكن أن يأتي ذلك من المتحدثين باسم سياسات الإدارة أنفسهم، كما رأينا من جورج بال وآخرين فيما يتعلق بحرب فيتنام، لذا فإن الصحفي ربما لا يستطيع أن يخمن من هؤلاء الناس في الداخل، ولكن يبدأ بالاعتراف بأنهم موجودون، وهذه الحكومة تفعل ما فعلته الحكومة السابقة في فيتنام، وهو أنها تعد الأمة للذبح، ومثلها مثل حرب فيتنام، تلك الحرب متهورة وغير ضرورية، والمخاطر فيها أعظم بكثير من أي مكاسب محتملة، وأنا أعلنها صراحة لأولئك الذين بداخل الحكومة: لا تفعلوا ما فعلته في السابق، لا تغلقوا فمكم عندما تعلمون أن هناك أناسا سوف يتم اعدادهم للذبح، قولوا الحقيقة قبل أن تبدأ القنابل في السقوط، وعندها لن تكون هناك أي فرصة لفعل شيء حيال ذلك.
|