الحشود العسكرية قوة ضغط من أجل السلام

يتعزز التوجه نحو الحرب مع تعاظم الحشود العسكرية، ومع ذلك فإن مجرَّد حشد القوات لا يعني الانتقال تلقائيا نحو الحرب، فهذه القوات التي تتجاوز الـ300 ألف مقاتل يمكن استخدامها كعنصر سلام أو وسيلة للضغط مثلما أشار إلى ذلك كبير مفتشي الأمم المتحدة هانز بليكس لدى تقديمه يوم الجمعة تقريره في مجلس الأمن مشيراً بذلك إلى أثر تلك القوات في تعزيز تعاون العراق مع المفتشين.
أما من يجادل بأن مجرد وجود هذه القوات ينبغي أن يقود إلى الحرب فهو إنما يسعى إلى الحرب بأي ثمن ومهما تضاءلت المبررات لشنها..
فقد أثبتت تقارير المفتشين أن لا مبرر للحرب بل أن هناك ما يستوجب إفساح المجال أمام المفتشين لاستمرار مهمتهم وانه يجب أن تكون هناك فترة تقدر بعدة أشهر وفقا لتوصيات المسؤولين عن عمليات التفتيش.
لقد أدرك كل من هانز بليكس ومحمد البرادعي رئيس اللجنة الدولية للطاقة النووية انهما أمام مسؤوليات تاريخية قد تترتب عليها مخاطر جمَّة يروح ضحيتها الكثيرون من البشر ولهذا فقد حرصا في التقريرين اللذين قدماهما لمجلس الأمن على التركيز على أن العراق يظهر المزيد من التعاون وأن مهمة المفتشين تحرز تقدماً ولهذا فقد طالبا بالمزيد من الوقت.
ويقر المسؤولان، وسبق لهما الاشارة إلى ذلك، أن مهمة المفتشين لن تستمر إلى ما لا نهاية لكنهما تحدثا عن مجرد شهور لاكمال العمل.
وفي المقابل فإن مشروع القرار الأمريكي البريطاني الأسباني يحدد السابع عشر من الشهر الحالي مهلة أخيرة للعراق لنزع أسلحته.
ويطرح مشروع القرار بهذا الشكل تساؤلات حول ما إذا كانت الدول التي قدمته قد رضيت منذ البداية بمهمة المفتشين من أجل أن تقود فقط في نهاية الأمر إلى إدانة العراق ومن ثمَّ ضربه، وانه طالما لم يصل المفتشون إلى تلك النتيجة فإن الدول الثلاث ترى أن عليها أن تهمل المفتشين تماما وتضطلع هي ذاتها بتنفيذ مرئياتها المتمثلة في شن الحرب.
لقد شكَّل مجلس الأمن ساحة لإجماع دولي، مهما كانت المآخذ عليه خصوصاً من جهة عدم الالتزام بقراراته من قِبل إسرائيل، ومع ذلك فإن هذا المجلس يبقى الساحة التي تواضع العالم على الاحتكام إليها في نزاعاته، وبدلا من تقويض سلطاته فإنه ينبغي العمل على تعزيز دوره من خلال الالتزام بما يطرحه من قرارات والعمل على تنفيذها مع الحرص على العمل ضمن إطاره وعدم تجاوز سلطاته كي لا تتحول إلى مسؤوليات بأيدي الدول منفردة أو مجتمعة في تكتلات صغيرة حيث تحاول فرض مرئياتها على بقية الأسرة الدولية.