Sunday 9th march,2003 11119العدد الأحد 6 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في ضيافة الرحمن يا حمد في ضيافة الرحمن يا حمد
فايز بن عودة المحيسن



يا هشمة قلوباً تفطر لفرقاك
تقطر على فرقاك دماً من العين
وش عاد لو يلقون شخص تبلاك
ما يعيض بك لو هو من الناس عشرين

فجيعة تجل عن الوصف، ثقيلة على الفؤاد يتفطر لها القلب وتبكي العين منها دماً لا دمعاً، ومن لهفتي على ذلك تركت الشعر وانثنيت في كتابتي على النثر حرصاً على استخدام اللغة في دقة الوصف.
هذا وانبثق فجر الاثنين 16/12/1423هـ وقد عاد وكيل إمارة منطقة الجوف الدكتور حمد بن عبدالرحمن الوردي من المسجد مطمئناً منشرح الصدر قد صلى الفريضة، وأصبح صائماً للواحد الديان لسانه رطب بذكر الله، فَسَلم على والده ووالدته فدعا كل منهما له وهو بار بهما حريص على إرضائهما ويغتنم الفرص ولا يفوت على نفسه أوقات استجابة الدعاء.
والدنيا في نظره زهد فهي ممر لا مقر ووسيلة لا غاية وفانية لا باقية يتوق إلى الفوز في الآخرة بجنات عدن.
ارتدى ملابسه ولا يدري ما يخبئه له القدر وأكفانه تنسج في علم الغيب ودع الجميع وركب سيارته متوجهاً إلى مقر عمله بالإمارة كما اعتاد في مسيرة حياته يستقبل يومه بهمة ونشاط ولا يعرف الكلل، وكأني بوالدته تقول: لا تتأخر عليَّ يا ولدي، تحرسك عين الله أنا في الانتظار.
مشى ومشت آماله معه يريد أن ينهي المعاملات التي تنتظرهُ بفارغ الصبر حتى لا يضيع على إنسان مصلحته إدراكاً للوقت وقبل فوات الأوان، يحبُّ أن يعمل الخير ولا ينتظر الثواب من إنسان.
هذا ديدنه في كل الأحوال التزم الاستقامة منذ نعومة أظفاره ولم يدرِ أنَّ هناك لئيماً يريد أن ينقض عليه، ونفساً شريرة تضمر له الغدر توشح هيئتها وحنايا ضلوعها وجوانحها بالسواد وبالذنب الكبير الذي ستقترفه بعد لحظات لتخسر الدارين في صلف وحمق غير مبالية بالنتيجة المرة التي ستؤول إليها.
ومشى حمد والأمل يحدوه لأن يكون شمعة تضيء الطريق أمام الآخرين.
والمنايا رصد للفتى حيث سلك
فما أن دخل المجال المكهرب في شراك الجاني حتى أطلق عليه رصاص الغدر فاغتاله وأرداه قتيلاً يتخبط بدمه فوق مقود سيارته والنهاية الحتمية، فأفل نجمه إلى غير رجعة فانطفأت شمعة من شموع السناء والرفعة وانطوت صفحة مضيئة من صفحات الخير.
رحل وهو صا ئم من شواطئ الدنيا إلى عتبات الآخرة يتوق ويأمل أن يكون فطره على شربة ماء من أيادي الحور العين وأن لكل شيء أجلاً موقوتا لقوله تعالى: {فّإذّا جّّاءّ أّجّلٍهٍمً لا يّسًتّأًخٌرٍونّ سّاعّةْ وّلا يّسًتّقًدٌمٍونّ}.
وقول الشاعر:


وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بُدَّ يوما أن ترد الودائع

آجال تمسي وتغدي، وأنفاس تتقطع حزناً وأسفاً، وعبرات تتفطر وجداً ولهفاً هذه أقدار الله وهي سهام إذا انطلقت لم ترد، والموت آخر سهم في الكنانة.
لقوله جل من قائل:{مّا أّصّابّ مٌن مٍَصٌيبّةُ فٌي الأّرًضٌ وّلا فٌي أّنفٍسٌكٍمً إلاَّ فٌي كٌتّابُ مٌَن قّبًلٌ أّن نّبًرّأّهّا إنَّ ذّلٌكّ عّلّى اللهٌ يّسٌيرِ}.
ولا يستطيع إنسان أن يقدم الأمل أو يؤخر الأجل، وما هي إلا دقائق حتى انتشر الخبر وسرى بين الناس سريان النار في الهشيم.
خبراً عز علينا مسمعه، وآثر في قلوبنا جميعا موقعه وكادت من الحزن أن تنقبض الألسن على هذا النعي الفادح.
فالخطب جسيم والمصاب جلل، وأنه لعمرو الله كبير وليس لنا عزاء إلا الصبر.
فأي يد ضغطت على الزناد؟ وأي تفكير أهوج صور الجريمة الشنعاء في نظر المجرم هالة من نور؟ وأي قلب جعل هذا اللئيم يقدم على ارتكاب هذه الفعلة البشعة؟ لقد حدد مساره بنفسه واختار الشقاء الأبدي في الآخرة.
نزعت من قلبه الرحمة وتلاشى من صدره اللين، وحل محلهما العنف والشدة والفتك، يا لهول المصيبة! يا لخسارة الجاني ومصيره! خرج من طور الإنسانية إلى الوحشية حبه لسفك الدماء أنساه موازين الآخرة عند الله، الذرة، الفتيل، النقير، القطمير.
أما سمع وعيد الله لمن أزهق نفساً مسلمة بريئة؟!! ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً.
لكنه لن يفلت من العقاب في الدنيا، وستأخذ العدالة مجراها وينال جزاءه، ولا بد من أن تجره قدماه إلى ساحة العدالة، لأنه كما قيل «يكاد المريب ان يقول خذوني» ولا بد من أن تسكن نفسه لأنه أروى ظمأه من رؤيته للدم، ويصحو ضميره ولو للحظة واحدة فحينها يضطرب فكره وتتحرك لواعج صدره، فينفصح عن مكنونه ويشهد بنفسه على نفسه.
وهل نسي ما قاله رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: «بشر القاتل بالقتل».
فمهما أكفهر الجو، وهبت العواصف الشديدة وزمجرت الأعاصير، وثارت الزوابع وتلبدت الغيوم، لا بد لها من انجلاء وانكشاف إذاً فالحقيقة قادمة لتنطق بنفسها وحينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
لقد كان الفقيد رحمه الله رمزاً في الأخلاق الحميدة مثالاً في الإخلاص متفانياً في عمله، كريماً معطاء، محبوباً بين الناس قيادياً عادلاً مطبقاً للنظام عيناً ساهرة على مصلحة الجميع دون تمييز بين قريب وبعيد ينظر إليهم بمنظار واحد مثنى عليه من الناس، صادقاً نقياً تقياً، هذا وأن أولياء الله في بلاده شهود على عباده، وهو أهل لحسن الثناء. إن اغتياله كان فاجعة عظمى. لكننا إذا التفتنا يمنة أو يسرة، فلا نرى إلا مصاباً أو ممتحناً.
وليس لنا إلا الإيمان لأنه أعظم دواء، فسبحان من استخرج الدعاء بالبلاء:{إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ}.
فنسأل الله الذي ابتلانا بفقده أن يجعل سبيل الخير سبيله، ودليل الرشد دليله وأن يوسع له في قبره ويغفر له يوم حشره، إنه سميع مجيب.
وندعو الله أن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وأن يتغمده بواسع رحمته ويدخله جنته إنه نعم المولى ونعم النصير.
{إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved